التاريخ: حزيران ٩, ٢٠١٨
المصدر: جريدة النهار اللبنانية
بوادر قلق كرديّ... هل حسم الأميركيّون ملفّ منبج؟
جورج عيسى
"لن نقبل بذلك". هذا كان جواب الناطق باسم المجلس العسكريّ لمدينة منبج شرفان درويش على سؤال طرحته وكالة "رويترز" عن إمكانيّة القبول بوجود قوّات تركيّة في المدينة. وأضاف أنّهم ينتظرون "تفسيرات وتوضيحاً من التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتّحدة" عن تفاصيل الاتّفاق الذي توصّلت إليه واشنطن وأنقرة.

لكن خلف هذه النبرة المتشدّدة الكثير من المخاوف التي لا يستطيع جميع الأكراد إخفاءها. يكفي للمراقب أن يعرف ما قاله أحد المسؤولين البارزين في قوّات سوريا الديموقراطيّة لموقع "ألمونيتور" كي يستشفّ قلقاً كرديّاً من احتمال تغيّر مجرى الرياح الدوليّة:

"كنّا قد بدأنا بالفعل إجراء بعض التغييرات من أجل تخفيف التوتّرات مع تركيا ... نتمنّى أن نتابع شراكتنا مع أميركا. القادة الأميركيّون هنا يقولون لنا إنّهم يريدون الاستمرار معنا، لكنّه البيت الأبيض، لا هم، من يتّخذ القرارات".

يوم الاثنين الفائت، توجّه وزير الخارجيّة التركيّ مولود جاويش اوغلو إلى  واشنطن حيث كان نظيره الأميركيّ مايك بومبيو في استقباله. جاءت الزيارة بعد تأكيد تركيّ على الوصول إلى خريطة طريق مع الأميركيّين حول منبج مقابل نفي أميركيّ لذلك. لكن بالرغم من هذا النفي، بدا أنّ لجنة العمل المشتركة بين البلدين حول سوريا والتي انطلقت لقاءاتها في واشنطن يوم الثامن من آذار الماضي، كانت تحرز تقدّماً في هذا المجال.

الحلّ الوسط قد لا يكون فعّالاً

أكّد البيان المشترك الصادر عقب اللقاء أنّ الوزيرين "دعما خريطة الطريق" التي عملت عليها اللجنة من أجل ضمان واستقرار منبج مؤكّدين "التزامهما بتنفيذها". وقال أوغلو أمام صحافيّين أتراك في واشنطن إنّ خطّة الحل تحتاج لفترة "أقلّ من ستّة أشهر" للتطبيق. وسرعان ما بدأت ملامح هذا الاتّفاق بالظهور، بعد إعلان "وحدات حماية الشعب" الكرديّة سحب مستشاريها العسكريّين من المدينة. صدر بيان "الوحدات" خلال أقلّ من 24 ساعة على انتهاء اللقاء الرسميّ في واشنطن.

حاولت الولايات المتّحدة منذ فترة إيجاد حلّ وسط يضمن عدم خسارتها لأيّ من طرفي النزاع. فالأكراد أثبتوا فاعليّتهم في الحرب على داعش كما أقاموا مجالس سياسيّة حقّقت الكثير في مجال إدارة الشؤون المحلّيّة. لكن في الوقت نفسه، سعت الولايات المتّحدة إلى الإبقاء على التواصل مع حليفها التاريخيّ التقليديّ في الناتو ومحاولة تخفيف التوتّرات بين البلدين. لكنّ التصريحات التركيّة تشير إلى أنّ أنقرة قد لا تقبل بحلول وسطى في هذا المجال.

"من دون شروط مسبقة"

الظاهر أنّ الأكراد وجدوا أنفسهم يدفعون غالياً ثمن التلكّؤ الأميركيّ في الدفاع عنهم أثناء الهجوم التركيّ على عفرين. لذلك، قد يفعلون المستحيل لعدم تكرار هذه التجربة في منبج أو في غيرها، حتى ولو كان هذا المستحيل عبارة عن تقديم تنازلات مؤلمة لدمشق. يوم السبت الماضي توجّه وفد من الجبهة الديموقراطيّة السوريّة (معارضة الداخل) لمقابلة قياديّين أكراد في القامشلي. بعد ثلاثة أيّام، أعلنت الناطقة باسم الجبهة ميس كريدي في بيان أنّ الرئيسة المشتركة لمجلس سوريا الديموقراطيّة إلهام أحمد تحدّثت عن الاستعداد "لإرسال وفد للتفاوض المباشر في دمشق بدون شروط مسبقة" وفقاً لما أوردته وكالة "رووداو".

واشنطن لم تقفل خياراتها

على الرغم ممّا سبق، لا يستعجل بعض المراقبين في استخلاص أنّ واشنطن ستسلّم مدينة منبج لأنقرة. فمقابل هذه المؤشّرات، برزت نقاط أخرى تستحقّ المتابعة وقد أشار إليها الباحث البارز سينا توسّي خلال ردّه على أسئلة "النهار".

يرى توسّي، باحث بارز في "كلية وودرو ويلسون للشؤون العامّة والدوليّة" التابعة لجامعة برينستون الأميركيّة، ضرورة مراقبة التغيّرات التي برزت بين يومي الاثنين والثلاثاء: "بعد اجتماع الرابع من حزيران في واشنطن بين وزير الخارجيّة التركيّ مولود جاويش #أوغلو ووزير الخارجيّة الأميركيّ مايك بومبيو، غادر الجانب التركيّ سعيداً بأنّه تمّ الاتّفاق على خريطة طريق في ما يتعلّق بانسحاب الميليشيات الكرديّة إلى شرق الفرات ومن منبج".

أضاف توسّي: "مع ذلك، بعد يوم واحد، في الخامس من حزيران، تراجعت الناطقة باسم وزارة الخارجيّة هيذر نويرت عن هذه الإمكانيّة قائلة: ‘الوزير (مايك بومبيو) دعم مع وزير خارجيّة تركيا خريطة طريق عامّة، أريد أن أكون واضحة حول أنّ هذا سيكون مستنداً إلى شروط. هذا يعني أنّ الأمور قد تتغيّر بمرور الوقت مع تغيّر الظروف على الأرض‘".

يفسّر الباحث هذا "الازدراء" الأميركيّ بأنقرة كما يصفه بأنّه مؤشّر إلى أنّ الولايات المتّحدة "تريد إبقاء خياراتها مفتوحة في شمال سوريا ومع الميليشيات الكرديّة".

لا قرار مهمّاً قبل أواخر حزيران

أتت زيارة أوغلو لواشنطن على بعد 20 يوماً من الانتخابات الرئاسيّة والنيابيّة في تركيا. لهذا الحدث الانتخابيّ تأثيره على القرار الأميركيّ في مقاربة المفاوضات مع أنقرة. يسلّط توسي الضوء على هذا العامل ذاكراً ل "النهار" أنّ الانتخابات "قد تكون الأكثر تأثيراً في تاريخ تركيا" مشيراً في الوقت نفسه إلى أنّ "أردوغان يواجه تحدّياً جدّياً في مرشّح المعارضة محرّم إنجيه".

يشبّه الباحث العلاقات المتغيّرة بين واشنطن وأنقرة خلال السنوات الماضية بلعبة "رولر كوستر" أو الأفعوانيّة في مدينة الملاهي. لكن في ما يتعلّق بشمال سوريا أو منبج، يجب انتظار بضعة أسابيع حتى يصبح بالإمكان قراءة المسار العام للأحداث هناك.

"الولايات المتّحدة، أوروبّا، إسرائيل وحلفاء الولايات المتّحدة الإقليميّين لن يكونوا سعيدين بإعادة انتخاب أردوغان" لذلك يرى توسّي أنّه "من المرجّح أن تعلّق الولايات المتّحدة أي قرارات أو اتفاقات بارزة (مع أنقرة) حتى ما بعد (انتهاء) الانتخابات التركيّة".