| | التاريخ: حزيران ٨, ٢٠١٨ | المصدر: جريدة الحياة | | مجندون يستعيدون حياتهم المدنية بعد سنوات على الجبهات | دمشق - أ ف ب
بعد ثماني سنوات قضاها متنقلاً من جبهة إلى أخرى، استبدل سونيل علي قبل أيام بزته العسكرية بثياب مدنية، بعدما أعلنت دمشق مطلع الشهر الحالي تسريح مجندي الدورة 102 الأقدم في الجيش السوري.
والتحق علي (34 عاماً) مع آلاف الشبان في العام 2010 بصفوف الجيش، لتأدية الخدمة الإلزامية، التي كان يفترض أن تنتهي بعد عام ونصف. إلا أنه مع اندلاع النزاع، امتدت هذه الخدمة طيلة ثماني سنوات، خاض خلالها مع رفاقه عشرات المعارك وتنقّلوا على الجبهات عدة.
يتفحص علي صورة تذكارية التقطها قبل أيام مع رفاقه العسكريين قبل مغادرتهم وهم يرتدون ثيابهم المدنية الملونة، بعدما كان اللون العسكري الأخضر يطغى على صورهم السابقة.
وقال ابن مدينة حمص: «فرحتي اليوم مزدوجة، أولاً لأنني سأترك أخيراً البندقية والسواتر الترابية، وثانياً لأن الخطر زال عن مدينتي وكثير من المدن السورية».
وجاء قرار تسريح هذه المجموعة المقاتلة بعدما تمكّن النظام السوري من تحقيق انتصارات متلاحقة على جبهات عدة، آخرها تأمين العاصمة دمشق ومحيطها في شكل كامل، للمرة الأولى منذ عام 2012.
بالكاد يتمكن علي من التقاط أنفاسه قبل أن يرنّ هاتفه مجدداً، وهو يتلقى اتصالاً تلو الآخر ويشكر المتصلين به مردداً: «الله يبارك فيك». ويرد على اتصال أحد أصدقائه من المجندين قيد الخدمة: «نحن السابقون، وأنتم ستلحقون بنا، المعارك الكبيرة انتهت، ولا داعي للقلق بعد اليوم».
قبل اندلاع النزاع، كانت السلطات تلزم الشبان عند بلوغهم سن الـ18 تأدية الخدمة الإلزامية في الجيش لمدة تتراوح من عام ونصف إلى عامين. لكن بعد اندلاع النزاع، بات هؤلاء الشبان يخدمون لسنوات طويلة. وخسر جيش النظام خلال سنوات الحرب وفق محللين أكثر من نصف عديده الذي كان يبلغ 300 ألفاً إثر مقتلهم أو إصاباتهم أو انشقاقهم أو سفرهم خارج البلاد.
ولطالما طمح الشاب محمد دامور لأن يصبح صحافياً، لكن حلمه تأجل بعدما امتدت خدمته العسكرية. وقال أثناء تجوله في أحد أسواق دمشق والتقاطه الصور: «أخرتني الحرب عشر سنوات. تسرحت اليوم». وأضاف «كان يُفترض أن أنهي دراستي الجامعية وأنا في الثانية والعشرين من عمري. اليوم أصبحت في السابعة والعشرين وما زلت طالب سنة أولى في كلية الإعلام».
في شمال البلاد، على مدخل مدينة حلب، زيّنت عائلة المجند ماهر دارو سيارة سوداء من طراز مرسيدس بالورود الحمراء والبيضاء. وانتظرت فرقة شعبية مع الطبول، وصوله بفارغ الصبر بعد تسريحه مطلع الشهر الحالي. وفور وصوله، يبدأ قرع الطبول وتزغرد والدته وشقيقاته فرحاً بينما يطلق شبان النار في الهواء ابتهاجاً بعودته سالماً.
وقال ماهر (30 عاماً) بعدما استعاد مشاهد استقباله عبر مقطع فيديو على هاتفه: «إنها ولادة جديدة، عرس حقيقي. فمن يذهب إلى الحرب مفقود، ومن يعود منها مولود».
وزّع ماهر الحلوى على أقاربه الذين تجمعوا لاستقباله، مع ابتسامة عريضة لم تفارق وجهه أثناء معانقته أصدقاء الطفولة. مازح أحدهم وسخر من الشيب الذي غزا لحيته. وقال: «ثماني سنوات وشهرين ويومين فقط. لو كنت متزوجاً، لكان ابني الآن في الصف الثالث الابتدائي».
جلسُ ماهر في مجلس كبير حتى وقت متأخر من الليل، بعدما بقي عدد قليل من أصدقائه راح يروي لهم حكاية تنقله على الجبهات.
وقال: «شتّان بين من التحق بالخدمة العسكرية قبل ثماني سنوات، وبين من ينضم الآن. باتت الحرب الآن خمس نجوم. كل المناطق التي خضتُ فيها المعارك باتت آمنة: دمشق وحمص (وسط) واللاذقية (غرب)»، موضحاً أن «الخدمة الإلزامية اليوم مريحة وخالية من خطر حقيقي (...) شاهدنا الموت في معارك الغوطة والقصير (وسط) وكسب (غرب)، أما اليوم، فالجميع يشرب المتّة مرتاحاً».
في غرفته داخل بلدة سعسع في ريف دمشق، انزوى محمد علاء (31 عاماً) وهو اسم مستعار بعدما تبلغ نبأ تسريحه من الجيش. وردد بحيرة «إلى أين أذهب؟».
منذ العام 2012، انقطعت سبل التواصل مع عائلته. كانت مقيمة في مدينة الرقة (شمال)، التي توالت مجموعات مختلفة السيطرة عليها من فصائل معارضة وصولاً إلى تنظيم «داعش».
ومنذ تشرين الأول (أكتوبر)، باتت «قوات سورية الديموقراطية» المؤلفة من فصائل كردية وعربية تدعمها واشنطن، تسيطر على المدينة بعد طرد التنظيم منها.
وقال محمد: «أمضيت كل إجازاتي في قطعتي العسكرية، كانت ملاذي الآمن، فيها تأمن مأكلي ومشربي، لكن بعد اليوم لا أدري أين سأنام وكيف سآكل وأشرب».
قبل التحاقه بالخدمة العسكرية، عمل محمد مزارعاً في أرض جده في الرقة، لكنه اليوم لا يعلم شيئاً عن تلك الأرض أو عن منزل العائلة، بعدما نزح أهله جميعاً إلى تركيا مع تصاعد حدّة قصف التحالف الدولي على مدينته قبل أكثر من عام.
بحسرة، شرح محمد الذي يضع سلسالاً حول عنقه يحمل صورة والدته قائلاً: «معظم أصدقائي سعداء، لكن هناك من فقد قدرته على العمل في أي مهنة أو وظيفة سوى القتال». وأضاف: «كانت الخدمة العسكرية أشبه بوظيفة ثابتة تؤمن دخلاً مقبولاً لمن ليس لديه مأوى». | |
|