التاريخ: كانون الأول ١, ٢٠١١
المصدر: جريدة النهار اللبنانية
خطأ شباب ميدان التحرير - السيد يسين

ثورة 25 يناير لم تطبق منذ البداية قواعد الشرعية الثورية. وذلك لسبب بسيط مؤداه انه لم تكن لها قيادة تقود العملية الثورية، التي تتمثل في هدم القديم وبناء الجديد.

الثورة – أي ثورة - هي بحسب التعريف انقلاب على النظام القديم. وثورة 25 يناير لا تخرج عن هذا القانون الثوري – إن صح التعبير- فقد كانت انقلاباً كاملاً على النظام القديم برموزه وسياساته.
ونجحت ثورة 25 يناير نجاحاً ساحقاً في هدم النظام القديم بضربة واحدة في فترة لم تتجاوز أسبوعين، ليس ذلك فقط ولكن في إجبار الرئيس السابق على التنحي وتسليم السلطة إلى المجلس الأعلى للقوات المسلحة.


غير أن الثورة فشلت فشلاً واضحاً في تطبيق قواعد الشرعية الثورية. والشرعية الثورية - بحسب التعريف - مضادة على طول الخط للشرعية القانونية التي كانت سائدة.
ومعنى ذلك أن الثورة لم تكن مجبرة بالضرورة على تطبيق القوانين والتشريعات نفسها التي كانت سائدة قبل حدوثها، كما أنها لم تكن ملزمة بالحفاظ على المؤسسات السياسية والبرلمانية التي كانت من صنع النظام القديم. ومعنى ذلك أن الثورة كان من حقها أن تصدر قوانين ثورية لتغيير صوغ النظام السياسي بالكامل، كما أنه كان من الضروري أن تقوم بإلغاء المؤسسات البرلمانية الفاسدة مثل مجلس الشعب والشورى، والتي تشكلت نتيجة عملية تزوير واسعة المدى، كان الغرض منها إقصاء كل أصوات المعارضة السياسية.
غير أن ثورة 25 يناير لم تطبق منذ البداية قواعد الشرعية الثورية. وذلك لسبب بسيط مؤداه أنه لم تكن لها قيادة تقود العملية الثورية، التي تتمثل في هدم القديم وبناء الجديد.
وأكثر من ذلك فإن جماعات الشباب الثائر تشرذمت وانقسمت، وتعددت "الائتلافات الثورية" كما يطلق عليها، وبلغت أكثر من مئة وخمسين ائتلافاً. وقد أدى هذا التشرذم المؤسف إلى تفتيت جبهة الثورة المنتصرة، وإفساح المجال للقوى السياسية التقليدية وعلى الأخص التيارات الدينية، للقفز على قطار الثورة، بل وتصدر المشهد السياسي بحكم صرامة التنظيم ووحدة القيادة.


ولم يفطن شباب الثوار في الوقت المناسب إلى أن غياب القيادة وعدم تشكيل جبهة ثورية واحدة تضع خطة هدم النظام القديم بالكامل رموزاً وسياسات، وتصوغ رؤية لمستقبل النظام السياسي، أدت إلى نتيجة بالغة السلبية على مسار الثورة، تتمثل في حشر الثوار في المسارات السياسية التقليدية للنظام السياسي القديم نفسها، والتي تتمثل في إجراء انتخابات لمجلس الشعب والشورى بالقواعد نفسها التي كانت تجري بها الانتخابات سابقاً.
والغريب أن يقبل شباب الثورة الدخول في نفق الانتخابات التقليدية المظلم، وهم لا خبرة لهم إطلاقاً بالشارع السياسي، ولا بالتفاعلات الاجتماعية المعقدة التي تحكم عملية الانتخابات الفردية، والتي كانت تقوم أساساً على العصبيات في الريف وعلى الرشاوى الانتخابية، بالرغم من أن القانون كان يجرّمها.


واندفعت قوى شبابية عديدة لتشكيل أحزاب جديدة، وأصبحت الساحة السياسية مزدحمة ازدحاماً لا سابق له. ففيها الأحزاب التقليدية مثل حزب التجمع وحزب الوفد، وفيها عشرات الأحزاب السياسية الجديدة التي يستحيل على الناخب أن يميز بينها، بالرغم من أن النظام الانتخابي خليط من القائمة والفردي. غير أن أهم صورة في المشهد هي بروز الإخوان المسلمين الذين أنشأوا حزباً سياسياً لأول مرة في تاريخهم هو "حزب الحرية والعدالة"، وزعموا أن الحزب مستقل عن جماعة الإخوان، مع أن مجلس شورى الإخوان هو الذي عين رئيس الحزب وأمينه العام وأعضاء مكتبه السياسي! وإذا أضفنا إلى ذلك بروز تيار السلفيين الذين خرجت قياداتهم فجأة من كهوفهم لأدركنا أننا أمام مشهد سياسي بالغ الشذوذ.


وذلك لأن معناه ببساطة أن شباب الثورة الذين يفتقرون إلى الخبرة السياسية وإلى عدم المعرفة الكاملة بخبايا الانتخابات التقليدية، سيستبعدون بالضرورة من مجلس الشعب المقبل وكذلك مجلس الشورى، وستكون الغلبة لممثلي حزب "الحرية والعدالة" و"السلفيين"، بالإضافة إلى بعض المقاعد التي ستحصل عليها الأحزاب القديمة والأحزاب الليبرالية الجديدة.
وربما مثلت المليونية التي نظمها الإخوان المسلمون والسلفيون في ميدان التحرير وحشدوا لها عشرات الآلاف، صدمة ساحقة لشباب الثورة، لأنها كانت أبلغ تعبير عن عملية استبعادهم بالكامل من العملية السياسية.


ومعنى ذلك أن أحزاب "المرجعية الدينية" إنتصرت – بحكم تنظيمها الدقيق وانتهازيتها السياسية - على الشرعية الثورية التي كان من المفروض أن يمثلها شباب الثورة!
ومن هنا يمكن القول إن المليونية الأخيرة والتي ما زالت قائمة في ميدان التحرير بكل الأحداث الدموية التي وقعت فيها، وبكل الجرائم التي ارتكبتها قوات الأمن ضد الثوار، والتي لابد من إجراء محاكمات جنائية سريعة لمرتكبيها، وإنزال أقسى العقوبات عليهم، والتي شعارها "استرداد الثورة" تعبر تعبيراً بليغاً عن الخطأ الاستراتيجي الذي وقع فيه شباب الثورة.
ذلك لأنه كان عليهم أن يرفعوا علم الشرعية الثورية منذ أول لحظة بعد نجاح الثورة، وتشكيل جبهة ثورية واحدة تقوم بالتفاوض مع المجلس الأعلى للقوات المسلحة للاشتراك الفعلي في إدارة البلاد في المرحلة الانتقالية.


وكان يمكن تشكيل مجلس ثوري تعطى له صلاحيات تشريعية لإصدار التشريعات اللازمة لهدم أسس النظام القديم، ووضع أسس ديموقراطية مصرية جديدة لا تقوم بالضرورة على الانتخابات بصورتها التقليدية، وإنما تؤسس على عمودين: الأول استحداث مؤسسات سياسية تضمن المشاركة الدائمة للجماهير في اتخاذ القرار من المستوى المركزي حتى المستويات المحلية. والثاني استحداث مؤسسات سياسية للرقابة على عملية اتخاذ القرار.


مثل هذه الأفكار كانت تقتضي حواراً مجتمعياً يقوده شباب الثوار، وتشارك فيه كل الشخصيات الوطنية من مختلف الأجيال، بدون إقصاء ممثلي أي جيل، بزعم أن جيل شباب الثوار هم فقط الذين من حقهم التعبير عن الإرادة الشعبية.
وكان يمكن المرحلة الانتقالية أن تدار على أساس الشرعية الثورية وليس في ضوء الشرعية القانونية، بشرط وضع قواعد احترام حقوق الإنسان في الاعتبار.
شباب الثوار في التحرير يريدون استرداد الثورة، وممارسة الشرعية الثورية من طريق رفع مطالب متعددة للمجلس الأعلى للقوات المسلحة، ومن خلال ترشيحهم هم لمن يكون رئيساً للوزراء بل ترشيح أسماء الوزراء أيضاً.


هذا هو المعسكر الثوري الذي أعلن اخيرا عدم اعترافه بشرعية الانتخابات ويقف مضاداً له معسكر القوى الدينية التي رفضت المشاركة في مليونية التحرير، وتصر إصراراً تاماً على إتمام العملية الانتخابية لوثوقها- وقد يكون هذا في حد ذاته وهما باطلا- أنها ستفوز بالغالبية الكاسحة!
ومعنى ذلك أن هناك انقساماً سياسياً بالغ الخطورة بين شباب الثورة والقوى الدينية. ترى هل ينجح شباب الثورة في استرداد الثورة؟
وهل سيستطيعون لو استردوها أن يطبقوا قواعد الشرعية الثورية أم أن فرصة تطبيقها قد ولت إلى الأبد؟
أسئلة يجيب عليها المستقبل القريب!

 

(باحث مصري)