التاريخ: أيار ٢٧, ٢٠١٨
المصدر: جريدة النهار اللبنانية
هل يتغيّر الستاتيكو في درعا؟
جورج عيسى 
في تطوّر لافت للأحداث داخل سوريا وارتباطاتها الإقليميّة والدوليّة، حذّرت الولايات المتّحدة الأميركيّة حكومة دمشق من أيّ تحرّك عسكريّ ضدّ درعا. وأعلن مدير المرصد السوريّ لحقوق الإنسان رامي عبد الرحمن في مقابلة مع شبكة "فرانس 24" أنّ هنالك "منشورات ألقيت على مناطق في محافظة درعا (تدعو إلى إلقاء السلاح) بالتزامن مع خروج قوات النظام التي كانت في الغوطة الشرقية وفي جنوب العاصمة باتجاه درعا بالاتفاق مع روسيا". 

وشرح عبد الرحمن أنّ القوّات المتوجّهة إلى هناك لا تتضمّن مقاتلين إيرانيّين بل هي قوّات سوريّة بقيادة جنرالات روس لقيادة العمليّة في تلك المنطقة، "في حال رفضت الفصائل الموجودة في درعا المصالحة مع النظام". وأضاف أنّه بالتزامن مع تقدّم قوّات النظام باتّجاه، عُقد مؤخّراً اجتماع لقادة الفصائل في الأردن مع أجهزة مخابرات دوليّة.

على صعيد ميدانيّ متّصل، توعّد أبو عمر الزغلول، قائد فرقة "أسود السنّة"، القوّات المهاجمة بأنّ "أرض حوران ستكون مقبرة لكلّ من تسوّل له نفسه تدنيس أرضها الطاهرة". وبرزت مطالب من قيادة حركة "أحرار الشام" لفصائل حوران بالانضواء في صفوف غرفة "البنيان المرصوص".

خطاب أميركيّ لافت

هذه التحرّكات الميدانيّة تظهر نيّة لدى النظام في تحرير درعا من الفصائل المعارضة خصوصاً أنّ لتلك المحافظة رمزيّتها لكونها مهد الثورة السوريّة التي انطلقت من شوارعها. لكنّ التحرّك العسكريّ للقوّات السوريّة في جنوب البلاد قد يشهد قيوداً دوليّة، إذا ما أُخِذ بالاعتبار تصريح المتحدّثة باسم وزارة الخارجيّة الأميركيّة. ففي بيان أصدرته يوم أمس الجمعة، قالت هيذر نويرت إنّ الولايات المتّحدة ستتّخذ "إجراءات حازمة ومناسبة ردّاً على انتهاكات نظام الأسد بوصفها ضامناً لمنطقة عدم التصعيد تلك مع روسيا والأردن".

منذ تولّي دونالد ترامب الرئاسة الأميركيّة، لم تكن واشنطن معنيّة بالنزاع السوريّ باستثناء الحالات التي استخدمت فيها دمشق السلاح الكيميائيّ، الأمر الذي استدعى ردّاً عسكريّاً أميركيّاً وغربيّاً محدوداً في مرّتين. بذلك يكون كلام نويرت قد حمل تطوّراً لافتاً في الموقف الأميركيّ تجاه الأحداث السوريّة.

ما هي هذه الإجراءات؟

تحرّكت وزارة الخارجيّة إعلاميّاً، إزاء التطوّرات المحتملة في درعا خوفاً من أن تؤدّي السيطرة عليها إلى تشكيل قاعدة إيرانيّة متقدّمة ضدّ الإسرائيليّين. يضاف إلى ذلك أنّ الولايات المتّحدة انخرطت طويلاً في محادثات مع روسيا كي تصل إلى إنجاز منطقة خفض التصعيد تلك بوساطة من الأردن. بناء على هذه المعطيات، قد يبدو أنّ هنالك خلافاً مستجدّاً بين واشنطن و موسكو حول وضع تلك المنطقة، أو على الأقلّ شدّ حبال لمحاولة تغيير بعض الشروط على الأرض. لكن ما هو بالتحديد نوع تلك "الإجراءات الحازمة والمناسبة" التي ستّتخذها واشنطن في حال حدوث التحرّك؟ هل يمكن أن يصل الأمر إلى تحرّك عسكريّ في هذا الإطار؟

في اتصال هاتفيّ ل "النهار" مع البروفسور في جامعة "برمنغهام" البريطانيّة سكوت لوكاس، يرى الأخير أنّ السؤالين الأساسيّين المرتبطين بالتطوّرات في هذه المنطقة هما "ماذا ستفعل روسيا؟" و "ماذا ستفعل إسرائيل؟" ويضيف أنّ "روسيا لا تعمل في سوريا مع الأسد فقط لكن أيضاً مع الإسرائيليّين" الذين حذّروا من توسّع الإيرانيّين في المنطقة. يتوقّع لوكاس، مؤسّس وناشر موقع "إي آي وورلد فيو"، أن تكون الولايات المتّحدة في فترة محادثات مكثّفة مع الروس للحفاظ على منطقة خفض التصعيد التي توصّل إليها الطرفان في تمّوز الماضي. ويضيف سؤالاً آخر يرتبط بمدى قبول روسيا بالحفاظ على الأوضاع الحاليّة داخل درعا.

أي احتمالات لتسوية مشتركة؟

ليس ملفّ استعادة القوّات السوريّة سيطرتها على درعا منفصلاً عن سياق التوتّر الإيرانيّ الإسرائيليّ في الشرق الأوسط. لكن في الوقت عينه، إنّ عدم مشاركة مقاتلين إيرانيّين في معركة درعا يمكن أن يكون موازياً لجزء من النوايا الروسيّة في تقليص دور الإيرانيّين إذا ما قيس بالحديث الروسيّ عن خروج القوّات الأجنبيّة من سوريا. وهذا يمكن أن يشير إلى إمكانيّة وجود قواسم مشتركة بين موسكو وواشنطن حول الدور الإيرانيّ في سوريا من دون أن يعني ذلك تطابقاً في وجهات النظر خلال المرحلة الحاليّة. لكن بالحدّ الأدنى، قد يرفع ذلك الجهود المشتركة للقوّتين كي تصلا إلى حلّ وسط يجنّب المنطقة تصعيداً عسكريّاً يمكن أن يفاقم الأوضاع الإقليميّة المتدهورة أصلاً.

يؤكّد لوكاس ل "النهار" أنّ الولايات المتّحدة لن تقوم بأي خطوة في درعا من دون التنسيق مع روسيا مرجّحاً أن تكون المعابر الحدوديّة محوراً للتوافق السياسيّ بينهما. بالمقابل وفي حديثه إلى شبكة "فرانس 24" يعتقد عبد الرحمن أنّه سيتمّ بحث "توافق على حلّ ما في درعا يبسط سيطرة النظام إعلاميّاً ومعنويّاً" على المحافظة. وأضاف: "أعتقد أنّ الأمر سوف يُحلّ سلميّاً إلّا ... إذا كان هنالك جنون روسيّ للسيطرة عسكريّاً على تلك المنطقة وإبعاد إيران عنها بالتوافق مع إسرائيل".

الهدوء النسبي الذي قد لا يطول

منذ ثلاثة أيّام، وتحت عنوان "المكان الوحيد الذي يعمل في سوريا" كتب شادي مارتيني ونيكولاس هيراس مقالاً في مجلّة "فورين بوليسي" الأميركيّة يشيران من خلاله إلى أنّ جنوب غرب سوريا هو جيب بقي "هادئاً نسبيّاً" بغضّ النظر عمّا يحيط به من اضطرابات. ويقصدان بالتحديد محافظة القنيطرة والمناطق المتاخمة لها في شمال غرب محافظة درعا. ليس من المعروف إلى الآن ما إذا كان سيُكتب لمقال مارتيني وهيراس أن يعمّر كثيراً. لكن إلى جانب ملامح التصعيد الميدانيّ، يبدو أنّ الجهود الأميركيّة والروسيّة تسعى إلى الحفاظ على الوضع الراهن، مع بعض التعديلات ربّما، لنزع فتيل التوتير عن المنطقة. أيّام تفصل المراقبين عن معرفة أيّ من المسارين سينتصر في نهاية المطاف.