التاريخ: كانون الأول ١, ٢٠١١
المصدر: جريدة النهار اللبنانية
عودة الماضي أم عودة الروح؟ - هشام ملحم

الأداء الجيد للاحزاب الاسلامية والسلفية في المرحلة الاولى من انتخابات مجلس الشعب المصري لم يكن مفاجئا، وهو يبين مرة اخرى ليس فقط انضباط جماعة "الاخوان المسلمين" (تأسست في 1928) والسلفيين الجدد وتنظيمهم وخبرتهم، بل ايضا الضعف التنظيمي وانعدام الوضوح السياسي للقوى السياسية الاخرى، وخصوصا التيارات الليبرالية والتقدمية التي قادت الانتفاضة ضد نظام الرئيس السابق حسني مبارك. النظام الانتخابي المعقد للغاية، والمصمم لتحجيم تمثيل المرأة والاحزاب غير الاسلامية والاقلية المسيحية، والذي اعترضت عليه القوى الليبرالية وحاولت تعديله دون جدوى، يؤكد مرة اخرى ان المجلس الاعلى للقوات المسلحة، الحاكم الفعلي للبلاد والمؤلف من جنرالات عينهم حسني مبارك، قد نجح في فرض وتوقيت انتخابات نيابية لن تؤدي عمليا الى ترجمة طموحات شباب وشابات مصر وأحلامهم بالتغيير السياسي والاقتصادي الجذري الذي يفترض ان ينتج من الانتفاضة. الفوز المتوقع للاحزاب الكبيرة مثل حزب الحرية والعدالة الذي أسسه "الاخوان المسلمون" في المدن، وللمرشحين الذين يمثلون العائلات الغنية في الريف ويحرم الاحزاب والتجمعات الصغيرة الليبرالية والعلمانية، يبين ان مصر لا تزال تدفع ثمن 60 سنة من الحكم السلطوي للعسكر، الذي دمّر الحياة السياسية في البلاد، وأضعف المجتمع المدني المصري.


وبينما لعبت الامم المتحدة دورا مهما في صون نزاهة الانتخابات النيابية التونسية، فانها حرمت لعب هذا الدور في انتخابات مصر. تهميش الاحزاب الصغيرة والاقباط ستكون له نتائج سلبية خلال الفترة المهمة التي سيتم خلالها صوغ الدستور المصري الجديد بعد انتهاء جميع الدورات الانتخابية. أضف أن إصرار المجلس العسكري على الاحتفاظ بكوتا تضمن حصول "العمال والفلاحين" على نصف أصوات البرلمان يسهل عليه التلاعب والتأثير على نتائج الانتخابات. هذا النظام الانتخابي المبهم يعني ان الاحزاب التي تمثل الليبراليين والاقباط قد لا تحصل على أكثر من خمسة في المئة من النواب.


وبينما كان الاسلاميون بأطيافهم المختلفة يقومون في الاسابيع والاشهر الاخيرة بتعبئة وتنظيم لقواعدهم، وتعريف الناخبين بمرشحيهم، وتوزيع المناشير وغيرها من النشاطات الانتخابية، كان الليبراليون والتقدميون يواصلون التظاهرات، عوض تنظيم أنفسهم وممارسة السياسة بمعناها الحقيقي: تنظيم الاحزاب والائتلافات السياسية واقناع الناخبين بطروحاتهم وبرامجهم. كذلك، انقسم هؤلاء بين من يدعو الى مقاطعة الانتخابات، ومن يقول يجب ان نشارك فيها على رغم رداءة قانون الانتخابات. وعندما بدأت العملية الانتخابية نشر "الاخوان المسلمون" 40 الف متطوع في القاهرة وحدها لتسهيل عملية الاقتراع لناخبيهم. وللتذكير فقط، أجريت الانتخابات في ظل قانون الطوارئ الذي يفترض ان الانتفاضة كان يجب ان تلغيه، ومع استمرار محاكمة المدونين والناشطين، الذين يتعرضون للاعتقالات التعسفية أمام المحاكم العسكرية.