التاريخ: شباط ١, ٢٠١١
الكاتب:
 
نهاية "الى الأبد"؟

زياد ماجد
الثلاثاء 1 شباط 2011
 
ثمة حقائق في المشهد العربي شديدة البساطة وحادة التعبير تغني أحياناً عن جوانب عدة من التحليل السياسي ولو أنها بالطبع لا تختصره.

فأي مراقب للمشهد العربي، بمعزل عن الاختلافات المحدودة أو العميقة في ثناياه وتفاصيله وفي رؤوس أهرامه، لا يمكنه غير التوقف عند بعض التواريخ الفظة المظهّرة كمًّا من علامات الجمود والتعفّن السائدة. وهذه بعض الأمثلة.


جبهة التحرير الوطني تحكم الجزائر منذ العام 1962، ومعمر القذافي يحكم ليبيا منذ العام 1969، والأسدان الأب والأبن يحكمان سوريا منذ العام 1970، وعلي عبد الله صالح يحكم اليمن منذ العام 1978، وحسني مبارك يحكم مصر منذ العام 1981، وعمر البشير يحكم السودان – أو ما تبقى منه – منذ العام 1989. وكان زين العابدين بن علي حاكماً لتونس منذ العام 1987 وحتى الشهر الماضي حين خلعه التونسيون، كما كان صدام حسين جاثماً على صدور العراقيين منذ العام 1979 وحتى العام 2003 حين أطاح به الأميركيون. وهذا طبعاً دون أن ننسى الملوك والسلاطين والأمراء القابعين فوق عروشهم بوصفهم حكاماً، لا مجرّد رموز، منذ عقود.


لا تحتاج هكذا أمثلة للكثير من التأويل والتحليل لمعرفة مؤدّياتها. لكن بعض هذه المؤدّيات غالباً ما ننساه. ربما لالتصاقه بأجسامنا أو لتآخيه مع مرايانا. ذلك أن واحدنا صار يحسّ بتقدّمه بالسن كل ما نظر الى الحكّام هؤلاء وتذكّر أنه يعرفهم منذ دهر. كل ما خال أن علاقته بهم صارت في جانب منها بيولوجية! يلحظ كل عامين أو ثلاثة ازدياد شيبهم (أو تبدّل ألوان صبغتهم)، ويبحث كل خمس أو ست سنوات عن التجاعيد المستجدة في وجوههم وأعناقهم وعن مدى التغيّر في أصواتهم والارتخاء في أحناكهم وشفاههم (أو الانتفاخ بالبوتُكس)، فيتنبّه بدوره الى تقدّمه بالسن وتبدّل معالمه...
ومن لا يفهم ما يثيره الأمر هذا من ضجر وسأم من أشكالهم، ومن كآبة وأسى لقياس تقدّمنا بالسن على تقدّمهم، ومن لا يفهم مدى القرف والغضب الذي تولّده أخبار ممارساتهم ونهبهم ولؤمهم لن يفهم لماذا ينزل الى الشارع ويصرخ رجال ونساء وُلدوا وشبّوا وشابوا وهم يرونهم ملتصقين بكراسيهم.


هل هذا يعني أن مشاكلنا تتلخّص في وجودهم وأن ليلنا سينجلي برحيلهم؟ طبعاً لا، فأمراضنا كثيرة وأزماتنا عميقة وحاجتنا لإصلاح شامل ماسة.

لكن واحدة من علامات استعدادنا للبدء بعلاجات طويلة تكمن في تحويلهم الى حكّام سابقين، و"سياسيين" متقاعدين محرومين ممّا راكموه وكدّسوه من أملاك وأموال غير شرعية، وممنوعين من سماع هتافاتهم المفضّلة، تلك التي كانت تعليهم على الزمن، وتبايعهم "الى الأبد"...