التاريخ: شباط ١, ٢٠١١
 
أكلاف الحنين

الثلاثاء, 01 فبراير 2011
حازم صاغيّة


من يسمع أصواتاً، هي غير تونسيّة وغير مصريّة، تتحدّث عن الانتفاضتين، يخال أنّها منبعثة من 1882، لحظة الصدام بين أحمد عرابي والبريطانيّين، أو في أحسن الأحوال من 1956، حين أمّم جمال عبدالناصر قناة السويس.


الانتفاضتان العظيمتان لا تبدوان في هذا الوارد. ففي تونس، مثلاً، كان من أوائل ما أقدمت عليه حقبة ما بعد بن علي تكليف الرئيس الجديد للمصرف المركزيّ، مصطفى كامل نيلي، طمأنة منتدى دافوس إلى «نشوء بيئة للبيزنس (في تونس) أشدّ ملاءمة بكثير من السابق». فـ «نحن»، كما أضاف، «لا نرى أيّة صعوبات كبرى الآن، ونودّ أن نوضح هذا الأمر للمستثمرين».


والتوجّه المذكور لا تصله صلة بالحماسيّات الشعبويّة الضاربة في حنين سقيم إلى الماضي، حنينٍ تستعيده زجليّات ترقى إلى الستينات. هكذا تبدو الفوارق مفجعة بين واقع ساعٍ إلى المستقبل، يتعثّر في سعيه، وبين مشاعر مستغرقة في الأمس الميّت. وهذا ما يجلوه الإقرار بالحضور القائد للشبيبة التي ولدت إبّان عهدي مبارك وبن علي، قياساً بالتراجع الهائل في دور «الأحزاب التاريخيّة»، والاعتراف بالدور الكبير لـ «تويتر» «فيسبوك» في التحرّكين. ولربّما جاز القول إنّنا ندخل، على صعيد اتّصاليّ، مرحلة ما بعد «الجزيرة»، حيث تسلك التعبويّة مسالك أخرى في الشكل كما في المضمون.


وسياسات الحنين تعاكسها دلالات في عدادها أنّ الرعب يصيب الأنظمة العربيّة جميعاً، بـ «ممانعيها» و «معتدليها»، فلا يقتصر على المذعنين لكامب ديفيد. وقد يكون من الأدقّ القول، على ما رأى مير حسين موسوي، إنّ ما بدأ في إيران هو الذي يجد تتويجه في تونس ومصر.


وليس من غير دلالة أنّ اندلاع الانتفاضة المصريّة ترافق مع تسريبات أخرى لـ «ويكيليكس» تتحدّث عن دعم واشنطن لدعاة الديموقراطيّة في مصر. كما أنّه ليس سرّاً أنّ موضوع الإصلاحات الديموقراطيّة كان سبباً دائماً لتوتّر العلاقة بين مبارك والإدارات الأميركيّة. لكنّ واشنطن لا تستطيع، بطبيعة الحال، أنْ تنفّذ مطالب أهل الحنين عندنا فتُنهي علاقتها بمصر، سيّما وأنّ السياسة التدخّليّة لجورج بوش، المبالغة والتبسيطيّة في إلحاحها الديموقراطيّ، أثمرت عديد النتائج السلبيّة، كما نعلم.


ينقاد أهل الحنين إذاً إلى ممارسة الكرم من جيوب المصريّين المتحمّسين إلى دفع الولايات المتّحدة نحو موقع أكثر تقدّماً حيالهم، لا إلى تنفيرها. وعلامات ذاك الكرم كثيرة: فإذا كان صحّيّاً ومفهوماً رفض عمر سليمان، تيمّناً برفض مصريّ واسع، فليس صحّيّاً ولا مفهوماً التبرّع، نيابةً عن المصريّين، برفض محمّد البرادعي.
والحال أنّ الأخير الذي أقام سياسته على قضيّة الديموقراطيّة وحدها لا يستجيب خطاب الحنين. فتلك القضيّة بدأ انتهاكها في مصر عام 1954، حين أطاح جمال عبدالناصر، وهو بطل الحنين بلا منازع، محمّد نجيب الداعي إلى عودة الحياة السياسيّة وإرجاع الجيش إلى الثكنات.


وسداد دَين الحنين معطوفاً إلى خدمة الدَين أمر مكلف جدّاً. ذاك أنّ المطلوب «زعيم تاريخيّ» يذكّرنا بعبدالناصر، «زعيمٌ»، بدل أن يرسي الديموقراطيّة، يقطع العلاقة بأميركا ويلغي كامب ديفيد ويعيد مصر خطّاً عسكريّاً مواجهاً. وهذا يعني، في ما يعنيه، إغلاق قناة السويس وحرمان مصر خمسة بلايين دولار سنويّاً، وصدّ استثمارات باتت تُقدّر بحوالى سبعة بلايين، وموت السياحة طبعاً ومعها 13 بليوناً، فضلاً عن توقّف المعونات الأوروبيّة والمساعدات الأميركيّة البالغة 1,3 بليون. أي أنّ تلبية مطالب أهل الحنين كفيلة بالقضاء على مصر!
حقّاً إنّ «العشوائيّين» الذين أنتجتهم سياسات مبارك الاقتصاديّة، ليسوا وحدهم من يستحقّ التسمية هذه.