التاريخ: تشرين الثاني ١٥, ٢٠١١
الكاتب:
المصدر: nowlebanon.com
"خارجية" لبنان

لا أتذكر أسماء جميع الوزراء الذين تعاقبوا على الخارجية في لبنان منذ انتهاء الحرب عام 1990 وحتى اليوم. ولست متأكّداً أساساً من قدرتي على ربط أسمائهم بوجوه أو بأصوات أو بمواقف وتصريحات.

ما أتذكّره أن منصب وزير الخارجية يؤول منذ فترة (بموجب "كوتا" عجيبة) الى من يسمّيه رئيس السلطة التشريعية، وأن من مرّوا عليه بعد هكذا تسميات هم "مواد" للتندّر يُضربون أمثلة عند الحديث عن وهن الخبرة الديبلوماسية وعن انتفاء شروط الحدّ الأدنى الموجبة "احتلالاً" لموقع هو الأهمّ في الحكومة بعد موقع رئيسها. وهم بذلك جنوا على وزارتهم وعلى الكثير من الكفاءات الموجودة فيها إن في بيروت أو في السفارات والبعثات القنصلية المنتشرة في عواصم العالم، وحوّلوا موقع "وزير الخارجية" الى موقع ثانوي تابع لرئيس المجلس النيابي (وحركة أمل).


مناسبة هذا الكلام، هي بالطبع تصويت لبنان مع "يمن علي عبد الله صالح" الى جانب النظام السوري في اجتماع وزراء الخارجية العرب. والموضوع في ما هو أبعد من أشخاص وزراء الخارجية ومواصفاتهم وأسباب اختيارهم يطرح قضية انتهاكهم (مكلّفين ممّن أتى بهم الى مواقعهم) قاعدتين أساسيّتين في الديبلوماسية وفي مراعاة المواقف الوطنية.

 

الأولى، قاعدة تجنيب لبنان العزلة وعدم التموضع الى جانب نظام يتمّ رفع الغطاء عنه عربياً ودولياً نتيجة ارتكابه كمًّا من الجرائم والمجازر واحتقاره الاتفاقيات الدولية والقوانين،
والثانية، قاعدة اعتماد "الحياد" كل ما كان للموقف الخارجي مضاعفات داخلية خطيرة نتيجة هشاشة الإجماعات الوطنية واتخاذ الانقسامات حول قضاياها طابعاً عامودياً في المجتمع (أي طابعاً طائفياً).


وفي انتهاكهم ما يُؤكّد تجاهلهم لِمقتضيات العمل الديبلوماسي الهادف الى توسيع الصداقات وتمتين العلاقات لا التراجع عنها والانعزال. وفيه أيضاً ما يطعن بمقتضيات "الديمقراطية التوافقية" التي يُنادون بها، والتي تفترض وفق تعريف أريندت ليبهارت (مؤسّس فلسفتها) إبتعاداً في الخيارات الخارجية عن كل ما من شأنه تعميق الخلافات الداخلية.

هذا طبعاً بمعزل عن مجافاتهم الحدّ الأدنى من احترام الإعلان العالمي لحقوق الانسان والمعاهدات التي وقّع عليها بلدهم وتعهّد احترامها. وفي هذا الباب ما يمكن أن يدفع حتى لتخطّي مسألة "الحياد"، إذ إن حقوق الإنسان تأتي في مرتبة أعلى من كل المسائل السياسية.


الخارجية اللبنانية إذن، هي جسم مكبّل يقوده رأس "معطّل"، أو بالإحرى مُشوّه. خياراته من خارج المؤسسة الحكومية التي ينتمي إليها. لم يعد يكتفي بالامتناع عن التصويت أو بالحياد الذي يترجم إيثار الالتزام بمبدأ التوافقية. صار يندفع دفاعاً عن نظام ينقسم حوله اللبنانيون. وصار يندفع دفاعاً عن قتلة 4000 مواطن سوري فيكمل عمل بعض الأجهزة الأمنية والميليشيوية التي تنقضّ على سوريين مقيمين في لبنان وتسلّمهم الى من تعرف مسبقاً إمكان تعذيبه لهم أو حتى إعدامهم، فتشاركهم تالياً بالجرائم...
المفارقة أن سقوط النظام السوري سيطوي في جملة ما سيطويه، "الخارجية اللبنانية" في شكل إدارتها الحالية ومضمونها ومعظم أشخاصها. عسى الانتظار لا يطول.