التاريخ: تشرين الثاني ١٤, ٢٠١١
المصدر: nowlebanon.com
الحياد الجدّيّ - حازم صاغية

ليس سرًّا أنّ اللبنانيّين منقسمون حيال قضايا أساسيّة جدًّا في داخل بلدهم وفي خارجه على السواء. وهم من الطبيعيّ أن ينقسموا، فضلاً عن أنّ هذا من حقّهم كأفراد وكمواطنين أحرار.

لذلك نجد منهم من يؤيّد النظام السوريّ ونلقى آخرين يؤيّدون الثورة عليه. كما نلقى من يتحمّسون لإيران ويقفون معها إذا ما تعرّضت لضربة أجنبيّة، مثلما نجد الذين يتحمّسون لضرب إيران ويعتبرونه شرطاً شارطاً لخلاص لبنان.

هذا كلّه شرعيّ، بل صحّيّ كذلك.

 

البائس أن يتحوّل اختلاف اللبنانيّين حول هذه الأمور وغيرها إلى اقتتال في ما بينهم، أو أن يبادر أحد أطرافهم إلى إدماج البلد حربيًّا وعنفيًّا، في هذا النزاع أو ذاك، بغضّ النظر عن إرادة الطرف الآخر، ومن دون العودة إلى الدولة التي يُفترض أن تكون المؤسّسة التي تستقرّ عندها الإجماعات الوطنيّة، ومن ثمّ أن تكون وحدها مصدر قراري الحرب والسلام.

 

السلوك الذي يدمج البلد في الحروب والصراعات المحيطة من غير أن يستشير أطرافاً أخرى في البلد عينه يملك تسمية واحدة في السياسة: استبداد. وهو استبداد مكلف جدًّا لأنّه يطال الحياة والموت، البقاء والعدم.

وقد سبق للأوروبيّين أن عالجوا مسألة كهذه منذ ما قبل معاهدة وستفاليا في 1648: آنذاك اصطدمت النزاعات القارّيّة المفتوحة، الدينيّة منها والسلاليّة، بالواقع السويسريّ المتشكّل من جماعات متباينة ألمانيّة وفرنسيّة وإيطاليّة.

 

وكان من الطبيعيّ أن تندفع كلّ جماعة من تلك الجماعات إلى الوقوف مع الشعب الأصليّ الذي صدرت عنه، بما يحيل الحروب الأوروبيّة حرباً أهليّة سويسريّة تدمّر ذاك البلد الصغير.

حلّ هذه المعضلة كان في حياد سويسرا الذي عاد "مؤتمر فيينا" ليكرّسه بعد انتهاء الحروب النابوليونيّة في 1815. وبالفعل استطاع ذاك الحياد أن يجنّب الوطن التعدّديّ الصغير نتائج كارثيّة عرفها باقي القارّة في الحربين العالميّتين الأولى والثانية. وهو ما لم يكن ممكناً لولا اعتماد فصل حادّ بين العواطف والرغبات، الطبيعيّة والمشروعة، وبين المشاركة العسكريّة في الصراعات أو الدخول في أحلاف حربيّة وأمنيّة.

 

وضع لبنان اليوم، فيما المنطقة حبلى بنزاعات قاتلة يطلّ بعضها على الاحتمال النوويّ، يحضّ على التفكير بالنموذج السويسريّ. لكنّ التمنّي هذا يصطدم اصطداماً رأسيًّا بملاقاة التوتّر في منتصف الطريق، فيستحيل طوبى. وقد سبق للرغبة في أن "يتدحرج" الصراع على الجميع، أن وجدت تعبيرها الأبلغ في خطاب السيّد نصر الله قبل يومين.

فنحن، بالطبع، لسنا سويسريّين!