| | التاريخ: شباط ٢٣, ٢٠١٨ | المصدر: جريدة الحياة | | «حياة الأقبية» ملاذ أخير لسكان الغوطة | (مديرا) سورية - أ ف ب
تنهمك أم جمال بالأعمال المنزلية من طبخ وتنظيف أوانٍ وغسيل ثياب في قبو بارد مفروش بالحصى، حولته إلى منزل لعائلتها الصغيرة بعدما طاول قصف قوات النظام منزلها في بلدة مديرا في الغوطة الشرقية المحاصرة قرب دمشق.
وعلى غرار أم جمال، انتقل كثيرون من سكان مدن الغوطة وبلداتها، إلى الأقبية غير المجهزة بعد أن دكّت غارات النظام ومدافعها منازلهم وحوّلتها ركاماً، فيما يتخذ آخرون منها ملجأ موقتاً لتفادي القصف الذي يستهدف أحياءهم وأسواقهم.
وانتقلت أم جمال وابنها الشاب وابنتها من ذوي الاحتياجات الخاصة، إلى القبو قبل أكثر من شهر ونصف الشهر، خلال إحدى حملات التصعيد في القصف على الغوطة الشرقية.
وتقول المرأة السمراء بعباءة سوداء اللون وحجاب محكم حول وجهها: «لم نصعد إلى البيت ولا مرة، نحن هنا ليلاً نهاراً». وتضيف: «قُصف منزلنا فهربنا وأتينا إلى هنا، ثم ضرب مجدداً أثناء وجودنا هنا، فانهار تماماً ولم يعد صالحاً للسكن». ووضعت أم جمال وابنها ألواحاً من الزنك في وسط القبو ليأخذ شكل غرفة صغيرة.
وتتابع: «عندما تبدأ الطائرة بالتحليق، يأتي جيراني إلى هنا أيضاً. وحين يهدأ القصف، يعودون إلى بيوتهم، وأبقى أنا وولداي هنا في القبو».
وتصعد أم جمال بين الحين والآخر وتقصد منزلها المدمّر لجلب الأخشاب والمياه. تقطع الحطب بفأس صغير، ثم تأتي ببعض العبوات الفارغة وتملأها بالمياه، قبل أن تعود مجدداً إلى ملجئها. وتقول: «نعيش بالصقيع والبرد تحت الأرض»، وتشير إلى حائط خلفها تتسرب منه مياه الصرف الصحي الى المبنى فوق القبو.
أمام خيمة صفراء صغيرة ومتّسخة، تقطع أم جمال الأخشاب وتضعها تحت موقد صنعته بنفسها من عبوة حديدية، تغلي عليه القهوة قبل أن تبدأ بجلي الأطباق، ثم رفع الغسيل على حبال طويلة.
وتشير إلى الخيمة خلفها وتقول: «ننام كلنا في الخيمة محشورين، لا تتّسع لنا».
وتشهد «الغوطة» حالياً تصعيداً جديداً في القصف الجوي والصاروخي لقوات النظام أسفر منذ الأحد عن مقتل نحو 335 مدنياً بينهم 79 طفلاً.
ولم يبقَ لأهالي الغوطة سوى الأقبية تحت الأرض ملاذاً لهم، لكنهم يجدون أنفسهم محاصرين فيها غير قادرين على الخروج على وقع الغارات والقذائف المحيطة بهم.
وخلال الحملة الأخيرة، خلت منازل كثيرة من أصحابها في دوما بعدما لجأوا إلى الأقبية. ويستغل هؤلاء لحظات قليلة من الهدوء للبحث عن متجر يشترون منه بعضاً من المؤن أو ليتفقدوا منازلهم.
وصباح أمس، خرج البعض من الملاجئ مستغلّين غياب الطائرات نتيجة الأمطار، وتجمّع البعض في حمورية أمام متجر وحيد فتح أبوابه، لكن سرعان ما تفرّق الجمع مع سقوط قذائف عند أطراف الشارع.
وللفرار من القصف الذي اعتادوا عليه، أنشأ سكان الغوطة مدارس وملاهيَ تحت الأرض ليتيحوا للأطفال التعلم واللعب من دون خوف. كما أنهم ينظمون العديد من فعالياتهم في الأقبية، من اجتماعات أو موائد إفطار خلال شهر رمضان.
في مدينة عربين التي تطغى عليها مشاهد الدمار من أبنية باتت ركاماً وأخرى سقطت جدرانها، اتخذت عائلات عدة من مدرسة تحت الأرض ملجأ لها. ويتألف قبو مدرسة «دار السلام» من قاعات تدريس عدة طُليت جدرانها بالألوان الفاتحة ورُسمت عليها الورود، فضلاً عن ساحة في الوسط تُستخدم عادة لاستراحة الطلاب. لكن المشهد تحوّل اليوم، وباتت المدرسة في مثابة منزل جماعي تنتشر فيه الفرش والأغطية ومواقد للطبخ، وتحولت ألعاب الأطفال إلى حبال لنشر غسيل.
وانتقلت أم عبدو إلى المدرسة منذ نحو شهر ونصف الشهر، بعدما تدمر منزلها. وتقول: «نحن مقيمون حالياً في غرفة عرضها متران ونصف المتر، تعيش فيها 14 امرأة وطفل، ولا توجد فيها حمامات للاستحمام». ليس أمام أم عبدو حالياً خيار آخر، وتكتفي بالقول: «بيتي تدمر، الحمد لله صابرون صبراً فوق صبر».
في غرفة صغيرة تكومت في زاويتها الأغطية، تجتمع أم عبدو ونساء آخريات للطهي فوق مدفأة لعدم توافر موقد. يضعن عشبة الخبيزة في مياه مغلية على مدفأة، وتستطرد إحداهنّ «نسلقها، لأن ليس لدينا زيت، حتى الخبز لم نتمكن من تأمينه».
وفي غرفة أخرى، يتكدس عشرات الأطفال في غرفة يستمعون لدرس في الرياضات.
وتغرورق عينا يسرى علي بالدموع وهي تتحدث عن معاناتها في ما تصفه بـ»حياة الأقبية». وتقول المرأة التي تعاني من مرض في القلب وخضعت سابقاً لعملية جراحية: «لا أجد الدواء (...) لا شمس ولا هواء، نشعر أن أنفاسنا انقطعت، نحن هنا معدومون عن الحياة». | |
|