التاريخ: تشرين الثاني ٩, ٢٠١١
المصدر: جريدة النهار اللبنانية
مساواة الجيش بـ"الجماعة" - جمال فهمي

منذ الأسبوع الماضي ترك اللاعبون على المسرح السياسي المصري كل شيء، حتى الانتخابات البرلمانية التاريخية التي بدأت حملاتها بالفعل، وانشغلوا جميعا بما يسميه البعض "فتنة الوثيقة".
وما الوثيقة هذه ؟! انها مشروع ورقة تحوي مبادئ دستورية أساسية وضعتها الحكومة بإيعاز من المجلس العسكري الحاكم لتكون بمثابة الضمانة المسبقة كي لا تتهور جماعات الإسلام السياسي وتشرع في تغيير طبيعة الدولة المصرية وتحويلها دولة دينية، ذلك أن الإعلان الدستوري الموقت الذي أصدره جنرالات المجلس في آذار الماضي أوكل مهمة صياغة دستور البلاد الجديد الى لجنة يؤلفها البرلمان المقبل الذي يرجح أن تهيمن عليه هذه الجماعات!


وعلى رغم أن فكرة وثيقة المبادئ تلك ظهرت قبل أشهر حلاً وسطاً توافقياً للصراع العنيف الذي اشتعل بين الإسلاميين من جهة والقوى السياسية المدنية بكل تنوعاتها من جهة أخرى على "الدستور " أم "الانتخابات" أولا، فإن جماعة "الإخوان المسلمين" وتوابعها سارعت إلى رفض مشروع وثيقة المبادئ "شكلا وموضوعا". ولئلا تبدو متنصلة ومتراجعة عن موافقتها السابقة على الفكرة، تذرعت الجماعة في حملتها الشعواء على الوثيقة بالبند رقم 9 منها الذي تحفظت عنه كل القوى والأحزاب السياسية الأخرى، نظراً الى أن صيغته تمنح المجلس الأعلى للقوات المسلحة ميزة الانفراد والاستقلال التام بمؤسسة الجيش وعزلها عن المؤسسات الأخرى للدولة المصرية، فهي تمنع البرلمان بحكم دستوري من أن يعرف أو يقرر شيئا يخص هذه المؤسسة إبتداء من القوانين والتشريعات، حتى الموازنة والمخصصات المالية التي سوف يشار اليها في الموازنة العامة للدولة برقم ومبلغ إجمالي مغلق يذكر هكذا عاريا من أية تفاصيل تحدد توزيعاته وأوجه صرفه!


غير أن "الجماعة" لم تفلت من نيران هجوم مضاد شنه كثيرون عليها متوسلين قنبلة "المفارقة" الصارخة الكامنة في موقفها من البند المشار اليه. فالجماعة التي ترفض أن يصير الجيش كيانا مستقلا عن الدولة ولا تخضع موازنته لرقابة البرلمان، هي آخر من يحق له التحدث في هذا الموضوع لأنها هي نفسها كيان متفلت من النظام القانوني للدولة المصرية. فبعدما أسقطت "ثورة 25 يناير" الحظر السياسي عنها، لا تزال تعمل كجماعة سرية "معلنة وغير معلمة" وتأبى الانخراط في الأطر التي ترسمها قوانين البلاد للجمعيات والمنظمات الأهلية، وما برحت تمنح نفسها حصانة خاصة تبقي ثرواتها وأموالها الطائلة بمنأى تام عن رقابة أجهزة المحاسبة الرسمية الخاضع لها كل مكونات المجتمع المدني المصري!
لقد قال البعض متهكما إن "الجيش يطلب المساواة بالجماعة" ويطمع بالحصول على وضع دستوري مميز يشبه وضعها!!!