التاريخ: كانون ثاني ٢٤, ٢٠١٨
المصدر: جريدة النهار اللبنانية
لبنان: الجلسة "التربويّة" للحكومة مؤجّلة والأزمة تتفاقم
لا تلغي الايجابيات التي تحققها زيارة الرئيس ميشال عون لدولة الكويت الأزمات التي يشهدها الداخل انطلاقاً من أزمة مرسوم الاقدمية وتردداتها في مجمل القطاعات، مروراً بتجدد كارثة النفايات، وصولا الى المشكلة التربوية المتفاقمة والتي تشهد اليوم انقساماً حاداً بين معلمين داعين الى اضراب وادارات تعتبر التعليم عاديا ولجان أهل تتحرك في اتجاهات مختلفة.

فقد أثمرت الخلوة التي جمعت أمس رئيس الجمهورية وأمير الكويت الشيخ صباح الاحمد الجابر الصباح، في قصر البيان، اتفاقاً على تعزيز التعاون بين البلدين في كل المجالات. وأبلغ أمير الكويت عون انه أَعطى توجيهاته للصندوق الكويتي للتنمية الاقتصادية لتحريك المساعدات الاقتصادية للبنان والاستجابة لحاجاته.

أمّا تربوياً، فلا جلسة لمجلس الوزراء غداً لأن رئيس الجمهورية في الكويت ورئيس الوزراء سعد الحريري في دافوس، وجلسة الخميس المقبل ستبحث حتماً في قانون الانتخاب بعد توقيع الرئيس عون مرسوم دعوة الهيئات الناخبة في ظل خلاف بل خلافات حالية ومقبلة على عدد من الأمور التقنية والتنفيذية للقانون.

وبهذا تكون الجلسة الحكومية المخصصة للأزمة التربوية مؤجلة الى موعد غير محدد ومعها يتأكد أن الملف التربوي، بل الأزمة التربوية المستجدة، لم تستوِ على طاولة مجلس الوزراء على رغم الوعود المتكررة بتدخل الحكومة في تجنيب المجتمع اللبناني على كل مستوياته تداعيات هذه الأزمة. ادارات المدارس في مواجهة مأزق مالي وأزمة علائقية وتالياً تربوية، والمعلمون في معترك الواجب والحقوق والاضراب والمواجهة، وأهالي التلامذة في معاناة تدفعهم الى الهجرة أو عدم الانجاب، وتجعلهم في حال عداء مع المدارس والمعلمين.

والأزمة التربوية التي تستمر جمراً تحت الرماد، تشهد اليوم فصلاً جديداً من المواجهة في اضراب المعلمين الذي سبقه الأهل عصر أمس بمؤتمر صحافي أكد رفض الزيادة على الاقساط المدرسية.

وهكذا تتبدى الأزمة التربوية مسألة ثلاثية البعد وتستمر فصولاً.

* في الفصل الأول الاضراب الذي ينفذه الأساتذة في المدارس الخاصة اليوم، يعقبه إضراب آخر لثلاثة أيام في 5 و6 و7 شباط، قبل اعلان الاضراب المفتوح للمطالبة بتنفيذ القانون 46 القاضي بدفع زيادات على الرواتب واعطاء ست درجات اضافية للأساتذة في القطاع الخاص أسوة بزملائهم في المدارس الرسمية في ظل وحدة التشريع في القطاع التربوي في القطاعين الرسمي والخاص.

واذا كانت الزيادات على أنواعها باتت حقاً مكتسباً للاساتذة والمعلمين في ظل القانون الجديد، فإن امتناع ادارات مدارس عدة عن سدادها لعدم قدرتها على تحمل تلك الاعباء من دون فرض زيادات باهظة على الاقساط يرفضها الاهالي، جعل المعلمين والادارات في مواجهة غير مستحبة، وفي حال من الجفاء بدأت تتبدى فصولاً في العلاقات اليومية اذ يرى الاساتذة في الادارات مؤسسات ظالمة تسرُق حقوقها، في مقابل اعتبار ادارات كثيرة أن المعلمين باضرابهم انما يعملون ضد مصالح المؤسسات التربوية التي يعتاشون منها ويمارسون عليهم ضغوطاً لعدم التزام الاضراب. وحاولت ادارات اقتطاع أيام من عطلة الميلاد ورأس السنة لمعاقبة الاساتذة وتعويض أيام الاضراب.

وبرزت في هذا الاطار مشكلة جديدة تمثلت في دفع مدارس عدة الزيادات كاملة مع الدرجات، فيما اعتبرت أخرى أن الدرجات غير ملزمة وطلبت رأي هيئة التشريع والاستشارات. وهذا الأمر ولّد انقساماً إضافياً في المدارس، لكنه أعطى دفعاً للمعلمين للمطالبة بالدرجات التي يعتبر دفعها في مؤسسات اقراراً بهذا الحق.

* الفصل الثاني من المشكلة يكمن في اقتراب آخر كانون الثاني وهو الموعد الذي يحدده القانون الرقم 515 في مادته الثالثة لتقدم كل مدرسة خاصة الى مصلحة التعليم الخاص في وزارة التربية، نسخة من موازنتها السنوية موقّعة من مدير المدرسة ورئيس لجنة الأهل أو من مندوبي اللجنة في الهيئة المالية... وأي زيادة على الأقساط المدرسية ترتبط بتلك الموازنة المشروطة بموافقة لجنة الأهل عليها. وهذا البند يضع أيضاً ادارات المدارس في مواجهة لجان الأهل التي ترفض الزيادات على الأقسام وخصوصاً بعد التلويح بأن الزيادات ستراوح بين مليون ليرة حداً أدنى وثلاثة ملايين في عدد من المدارس ما يعني تكبيد ذوي التلامذة أعباء إضافية.

* الفصل الثالث: الوعود التي تلقاها مسؤولو المدارس من رئيس الجمهورية بالنظر في كيفية تسديد الرواتب الجديدة مع الدرجات الست، واعتبارهم أن الرئيس منفتح على اقتراحهم مساهمة الدولة في أقساط التلامذة واعتبار التعليم منفعة عامة تستدعي مشاركة الدولة في تحمل أعبائها.

وكان وزير التربية مروان حمادة دعا الى لجنة تربوية جمعته مع ادارات المدارس ونقابة الملعمين ولجان الأهل لتقريب وجهات النظر، لكنها لم تبلغ أي نتيجة عملية، وتلاها اعلان حمادة أن الدولة غير قادرة على دفع مبالغ مالية في ظل العجز الذي تعانيه في الموازنة.

والوعود التي سمعها مسؤولو المدارس، أو وعدوا أنفسهم بها، أرجأت المشكلة الى حين، وينتظر هؤلاء وعداً بعقد جلسة حكومية مخصصة لملف التربية والاقساط والزيادات وقدموا اقتراحاً أن يتم تقسيط الدرجات الست على ثلاث سنوات في الحد الادنى، لأن اضطرار المدارس الى دفعها مرة واحدة سيضطر مدارس كثيرة الى الاقفال في نهاية السنة الدراسية الجارية.

وتشير أرقام اتحاذ المؤسسات التربوية الخاصة الى نحو 100 مدرسة مرشحة للاقفال وخصوصاً في المناطق البعيدة نسبياً عن العاصمة والمدن الكبرى وتلك التي لا يتجاوز عدد تلامذتها الـ500، ولا سيما منها المدارس الخاصة المجانية التي لا تدفع الدولة لها مستحقاتها الا متأخرة سنوات.

الحريري لخفض موازنات الإدارات 20% في الموازنة الإصلاحات ضرورية والترشيد يجب أن يشمل الرواتب

لم تتوقف توصيات المؤسسات الدولية للبنان خلال السنوات الماضية بضرورة السير بإصلاحات هيكلية ومالية عاجلة لوقف تآكل المالية العامة وتدهور المؤشرات المالية، نظراً الى تراكم الدين العام الذي قارب 80 مليار دولار، وهو ما نسبته %150 من الناتج المحلي، فيما يتخطى العجز المالي 8 %. 

صندوق النقد الدولي والبنك الدولي ومؤسسات التصنيف الائتماني والصناديق الدولية، كلها توصي لبنان بضرورة التزام إصلاحات مالية عاجلة تصب في مصلحة المالية العامة التي بدأت تسلك الطريق الصحيح مع إقرار موازنة 2017، للمرة الأولى منذ عام 2005، وهو إنجاز أشادت به هذه المؤسسات والمنظمات الدولية، رغم أنه أتى ناقصاً نتيجة غياب عملية قطع الحساب لـ"حسابات سياسية". خلال الاشهر الماضية، عاد الى الواجهة الحديث عن ضرورة السير بإصلاحات مالية، خصوصا مع التحضير للمؤتمرات الدولية الداعمة للبنان، وأهمها مؤتمر دعم الاستثمار في لبنان، أي ما يعرف بباريس- 3. فلبنان الذي يحمل الى هذا المؤتمر مشاريع تقارب قيمتها 17 مليار دولار، لن يحصل على أي تمويل إلا شرط التزامه إجراء إصلاحات لطالما طُلبت منه، وأهمها ما يتعلق بتحفيز النمو الاقتصادي من خلال إقرار التشريعات المطلوبة والاجراءات التي تطاول الحوكمة والتجارة وتطوير الاسواق المالية، بالاضافة الى دعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة، وتفعيل الشركة بين القطاعين العام والخاص، بالاضافة الى تعهد الحكومة خفض العجز في المالية العامة والحدّ من تنامي الدين العام عبر اقرار اصلاحات تطالب بخفض الانفاق العام في الادارات العامة وقطاع الكهرباء، وتحسين الايرادات وعملية جبايتها.

يبدو ان الاجراءات المالية التي تتوافق مع هذه الاصلاحات بدأت فعلا تبصر النور، وآخرها التعميم الذي أصدره رئيس الحكومة سعد الحريري أمس، وطالب فيه جميع الإدارات والمؤسسات العامة والمجالس والهيئات وسائر الاشخاص المعنويين ذوي الصفة العمومية بخفض موازنتها لمشروع موازنة 2018 بنسبة 20% "تماشيا مع السياسة المالية التي تنتهجها الحكومة من اجل ترشيد الانفاق وضبط المالية العامة، باستثناء البنود المتعلقة بالرواتب وملحقاتها. وعليه، يطلب من جميع الإدارات المعنية بهذا التعميم اعادة تقديم مشروع موازنتها المخفضة الى وزارة المال والى سلطة الوصاية بحسب الأنظمة المالية المرعية الإجراء، وذلك في مهلة اقصاها اسبوعان من تاريخ هذا التعميم".

يؤكد رئيس وحدة الابحاث والدراسات في بنك بيبلوس نسيب غبريل أهمية هذه الخطوة في حال التزامها وتطبيقها بالطريقة الصحيحة، لما لها من تداعيات إيجابية على المالية العامة لناحية خفض الانفاق العام الذي ارتفع منذ عام 2005 الى عام 2016 بنسبة قاربت 120%، فوصل الانفاق العام نهاية 2016 الى ما يقاب 14.9 مليار دولار، في الوقت الذي لاحظت فيه موازنة عام 2017 إنفاقاً عاما قرب 17.6 مليار دولار، وهو أمر في غاية الخطورة".

ويشير غبريل الى "استمرار انفلاش القطاع العام على حساب القطاع الخاص لناحية النفقات، خصوصا بعد دخول ما يقارب 26 الف شخص الى القطاع العام خلال السنوات الثلاث الماضية، وهو ما يتخطى عدد موظفي القطاع المصرفي اللبناني. ومن هنا أهمية ترشيد الانفاق العام حفاظا على المالية العامة، وهذا الامر يشدد عليه كل خبراء الاقتصاد والمؤسسات الدولية وخصوصا مؤسسات التصنيف الائتماني، بما يضع الطبقة السياسية أمام امتحان التزام الاصلاحات المالية الضرورية. ومن المهم ان تطال هذه الاجراءات بند الرواتب والاجور ومعاشات التقاعد التي تشكل ما يقارب 35% تقريبا من الانفاق العام لسنة 2017، وهذا الامر قياسي، في الوقت الذي يعتبر فيه مكون النفقات المتعلقة بالرواتب والاجور ومعاشات التقاعد أكبر مكون ضمن النفاقات العامة".

بدوره اعتبر النقيب السابق لخبراء المحاسبة المجازين في لبنان ايلي عبود ان طلب الحريري خفض نفقات الادارات العامة بنسبة 20% "جيد ولكن ليس كافياً، فتأثير الوفر الناتج من هذا الاجراء لن يكون ذا قيمة جوهرية كبيرة، وبالتالي هذا الاجراء يجب ان يكون ضمن خطة شاملة لترشيد كل الانفاق العام مع إجراءات توقف الهدر. من هنا أهمية النظر الى ملفات أساسية أخرى تساهم في تحقيق الوفر المطلوب، على سبيل المثال ملف الكهرباء والتحويلات المتعلقة بها وكلفة استئجار البواخر، وأهمية السير بمعالجة هذا الملف من خلال تطبيق قانون الشركة بين القطاعين العام والخاص. وبالاضافة الى ذلك، الوفر الذي يمكن تحقيقه يأتي أيضاً من خلال إعادة النظر في الصناديق الكثيرة في لبنان والعمل على إلغائها لعدم جدواها، ومن أهمها إعادة النظر في صندوق المهجرين ومجلس الجنوب ومجلس الانماء والاعمار، بالاضافة الى إعادة النظر في الايجارات التي تدفعها الدولة للقطاع الخاص لتأمين مقار حكومية وعامة وتقارب قيمتها سنويا 75 مليون دولار. وهناك بنود عدة أخرى تزيد النفاقات العامة غير المجدية، ومن هنا يجب السير بمراجعة علمية ودقيقة لكل المساعدات المتعلقة بالمؤسسات والجمعيات الاجتماعية، ما يحتم تكليف مدققي حسابات او مراقبين من ديوان المحاسبة والتفتيش المركزي للتأكد من طرق صرف هذه المبالغ".

لبنان حوّل مساهمته الى المحكمة الدولية ■ الحريري: ملتزمون حتى تقول العدالة كلمتها

وصل رئيس الحكومة سعد الحريري بعد ظهر أمس الى مدينة دافوس في سويسرا حيث سيشارك اليوم في اعمال المنتدى الثامن والاربعين الذي يعقد هذا العام تحت عنوان "خلق مستقبل مشترك في عالم ممزق". وكان في استقباله لدى وصوله الى مطار زوريخ سفيرة لبنان في سويسرا رلى نورالدين. وشارك مساء في العشاء الذي يقيمه رئيس المنتدى كلاوس شواب على شرف رؤساء الوفود.

وستكون للحريري اليوم سلسلة لقاءات على هامش اعمال المنتدى مع عدد من رؤساء الوفود، أبرزها مع ملك الاردن عبدالله الثاني ورئيسي جمهوريتي سويسرا الان بيرزي والبرازيل ميشال تامر ورؤساء حكومات كل من ايطاليا باولو جنتليوني والعراق حيدر العبادي وبلجيكا شارل ميشيل وارمينيا كارين كارابيتيان ونروج ايرنا سولبيرغ ورئيسة صندوق النقد الدولي كريستين لاغارد.

وقبيل مغادرته، أعلن الحريري في بيان أنه تم تحويل مساهمة لبنان في ميزانية المحكمة الخاصة بلبنان للعام الجاري.

وقد تسلمت المحكمة مساهمة لبنان التي تمثل ٤٩ في المئة من موازنتها صباح الاثنين الماضي.

وأكد الحريري "ان لبنان ملتزم قرار مجلس الأمن الدولي الذي انشأ المحكمة الخاصة ويتطلع الى اليوم الذي تقول فيه العدالة كلمتها في شأن جريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري ورفاقه الشهداء".

بدورها، اصدرت المحكمة بيانا امس اعلنت فيه أنها تسلمت "من الحكومة اللبنانية مساهمة لبنان في ميزانية المحكمة للعام 2018.

وقد حولت الحكومة اللبنانية أمس إلى الحساب المصرفي للمحكمة كامل مساهمة لبنان البالغة 28 مليونا و827 ألفا و533 أورو، والتي تشكل 49 في المئة من ميزانية المحكمة".

وتقدمت المحكمة بالشكر إلى الحكومة اللبنانية "لمساهمتها في الميزانية ولاستمرار التزامها ودعمها لعمل المحكمة".