التاريخ: تشرين الأول ٢٨, ٢٠١١
المصدر: nowlebanon.com
خطأ في التكتيك - حازم الامين

في لقائه التلفزيوني الأخير مع محطة المنار التي يملكها حزبه، أشاد الأمين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصر الله بتمسك الحكومة العراقية بالاتفاقية الأمنية بين بغداد وواشنطن والتي نصت على انسحاب أميركي من العراق في نهاية عام 2011. وأكد رفض هذه الحكومة تمديد الوجود الاميركي في العراق الى ما بعد التاريخ الذي حددته الاتفاقية.

 

لكن في عام 2008 وأثناء المفاوضات التي كانت تجريها الحكومة العراقية مع الولايات المتحدة الأميركية حول الاتفاقية، كان نصر الله قد وجه تحذيراً الى الكتل السياسية العراقية هذا نصه الحرفي: "ان مصداقية الكتل السياسية العراقية أصبحت على المحك ودخلت في الاختبار الحقيقي في موقفها من هذه الاتفاقية التي ستكرس تابعية العراق للولايات المتحدة الأميركية الى أبد الآبدين"!

 

لسنا هنا بصدد تسجيل خطأ في "التكتيك" وقع فيه السيد، فحيال الأخطاء الاستراتيجية يصبح "التكتيك" نافلاً. كما أننا لسنا بصدد التساؤل عن عدم اعتذار نصر الله من "الأخوة العراقيين" على تخوينهم، وعلى اخضاعهم لـ"اختبار" من ذلك النوع الذي يجريه الحزب للبنانيين كل يوم. لكننا بصدد محاولة تفسير نقلة الحزب حيال هذه الاتفاقية، والتي تنطوي على نقلات أخرى موازية، والتي ندعي انها جرت في ظل الثورات العربية.

 

ما الذي جرى ليقول نصر الله بضرورة الالتزام باتفاقية سبق ان أدانها واعتبرها سبباً لتبعية العراق للولايات المتحدة الاميركية الى أبد الآبدين؟


الذي جرى ان ما يحكم موقف الحزب من هذه الاتفاقية، كما يحكم موقفه من كل شيء، هو أولاً الموقف الإيراني وثانياً الموقف السوري، اما الاعتبارات الوطنية العراقية فلا قيمة لها على الاطلاق. فالاتفاق مثل مصلحة عراقية من دون شك، وهذا ما اعترف به السيد بعد ثلاث سنوات من توقيعه. وعند توقيعه سجلت ايران اعتراضاً عالي اللهجة عليه، وحركت بسببه الميليشيات الصدرية والمجموعات الرديفة لها في مدينة الثورة في جنوب بغداد، على رغم تضمنه بنوداً تمنع الأميركيين من استعمال الأراضي والأجواء العراقية في أي عمل عسكري يستهدف ايران.

 

الاتفاقية في حينها مثلت فعلاً انتصاراً وطنياً للعراقيين، وهذا كان جلياً ولا يمكن تجاهله. وخلف الموقف الايراني منها، وبالتالي موقف "حزب الله"، مرارات شيعية يعرفها كل عابر سبيل في الأروقة المحيطة بمراقد الأئمة الشيعة في العراق.

 

ايران اليوم بصدد الاستثمار بالإنسحاب الأميركي من العراق، والذي نصت عليه الاتفاقية المذمومة سابقاً والممدوحة لاحقاً. اذاً فلتجهز المنابر لتمجيد الحكومة العراقية على تمسكها بالاتفاقية.

لكنّ ثمة أمراً ثانياً وراء تبني السيد نصر الله التجربة العراقية الجديدة، ويتمثل في انحياز الحكومة في بغداد الى النظام في دمشق، وهذا أمر سيعزز منه انسحاب الجيش الأميركي، ذاك ان الانحياز سيتحول دعماً اقتصادياً ولوجستياً ما أشد حاجة دمشق اليه. وعندها يجب ان ننسى ان التجربة الجديدة في العراق هي ابنة "الاحتلال الأميركي"، وان صدام ما كان ليسقط لولا وصول هذا الاحتلال الى بغداد. ما أنصع هذا الوضوح وأوضح هذه الرؤى.

 

وما يلوح من كل هذا المشهد ان السيد رسم بذلك صورة التحول في الخريطة السياسية المقبلة أي: طهران – بغداد – دمشق – بيروت.

وهنا يسهل القول انه عندما يكون التحول بهذا الحجم، فان سهو نصر الله عن موقف قديم من الاتفاقية الأمنية، لن يكون أكثر من خطأ في التكتيك يسامحه عليه اخوته في العراق.