التاريخ: كانون ثاني ١٤, ٢٠١٨
المصدر: جريدة الحياة
تنامي جرائم الاتجار بالبشر في العراق وبيع الأطفال الرضّع بات شائعاً
بغداد - نصير الحسون 
كشفت إحصائية حديثة لمجلس القضاء الأعلى العراقي أعلى سلطة قضائية عن عدد القضايا التي نظرت بها محاكم الجنايات للعام الماضي والمتعلقة بجرائم الإتجار بالبشر، والتي بلغت 200 قضية وأن الجزء الأكبر منها في العاصمة بغداد.

وأرجع قضاة تفاقم الظاهرة إلى امتهان الإتجار من جانب عصابات تستغل الفتيات والأطفال، وارتفاع أعداد المهاجرين العراقيين إلى الخارج واستثمارهم من العصابات المتخصصة.

وبينت الإحصائية تقدم محافظة بغداد على هذا الصعيد بنسبة 50 في المئة من مجموع عدد الجرائم في العراق، وأن عدد الذكور الضحايا في بغداد بلغ 91 ضحية معظمهم أطفال، يقابله 80 ضحية من الإناث.

بينما سجلت الإحصائية خلو محافظات النجف وكركوك وديالى والأنبار والبصرة والمثنى من أي دعوى. وتأتي محافظة الديوانية بالمرتبة الثانية، بينما خلت محافظة بابل من المتاجرين بالبشر الذكور واقتصرت نسبة الضحايا فيها خلال العام الماضي على الإناث فقط.

الباحث نبيل المشهداني أكد لـ «الحياة» أن الإحصائية التي تحدث عنها مجلس القضاء هي عن عدد القضايا التي نظرت بها المحاكم العراقية فقط، وأن «جرائم الإتجار بالبشر تعد من بين أكثر الجرائم سرية فهي تحدث وتنتهي من دون ترك أي علامات أو دلائل على وقوعها، والسبب هو أن غالبية الضحايا من الأطفال الرضع وصغار السن والنسبة الأعظم تتم حتى بعلم ذويهم».

وقال المشهداني أنه تابع الظاهرة ووجد أنه «لا يكاد يمر يوم من دون أن يعثروا على طفل رضيع بالقرب من مستشفى أو مكان عام، وعملية الإخبار عنه تعرض المخبر لمساءلة قانونية وينتهي الأمر بتبرع إحدى العاملات بأنها ستقوم بالأخبار، لكنها تعمد الى بيعه إما لعائلة أو جهات امتهنت عملية الإتجار بالأطفال ولديها فروع خارج العراق». وانتقد المشهداني العقوبات التي تضمنها قانون الإتجار بالبشر رقم 82 لسنة 2012 والذي عاقب الجاني بالحبس لفترات قليلة وغرامة من خمسة الى عشرة ملايين دينار، فيما كان القانون السابق أشد صرامة مع الجناة، وسبق أن صوت مجلس الوزراء العراقي على مشروع رعاية ضحايا الإتجار بالبشر نهاية العام 2017».

أحد ضباط جهاز الأمن الوطني العراقي أكد لـ «الحياة» أن «هذه الجرائم تعامل بالأهمية نفسها مع جرائم خطيرة أخرى مثل الإرهاب والمخدرات».

ونوه الى أن «عمليات المتابعة تتم في شكل مستمر مع العصابات المتخصصة التي تمكنت من تكوين شراكات مع منظمات دولية متخصصة في تهريب الفتيات بقصد الاستغلال الجنسي والإتجار بالأعضاء، وجتمّ إحباط الكثير من محاولات تهريب حصلت خلال الفترة الماضية».

وبيّن القاضي زهير كاظم العبود المختص في القضايا الاجتماعية، في دراسة حصلت «الحياة» على نسخة منها، أنه «على رغم أن قانون العقوبات ‏العراقي رقم 111 لسنة 1969 ‏تضمن عقوبات على كل من ارتكب جريمة تتعلق بالإتجار بالنساء أو بالصغار أو ‏بالرقيق أو بالمخدرات، إلا أنه وضع شروطاً محددة».

وأكدت الدراسة أن تلك الشروط تتضمن أن «تقع الجريمة خارج العراق ‏من دون اعتبار لجنسية الجناة أو ‏كونهم فاعلين أصليين أو شركاء، ‏مما يدل على أن الجريمة من ‏الجرائم المدانة دولياً، و‏أن يتحقق وجود الجاني في ‏العراق بعد ارتكابه الجريمة». ‏

ولفت القاضي زهير في دراسته إلى أنه «وعند معالجة جريمة الإتجار ‏بالبشر وتفصيلها، تنبغي علينا ‏معالجة قانونية الجريمة باعتبارها ‏من الجرائم الخطيرة التي يعاقب ‏عليها القانون، وكذلك ‏معالجة وضع الضحايا الذين ‏وقعت عليهم الجريمة، أي إيجاد ‏وسائل لحمايتهم وإعادة ‏تأهيلهم بما يحفظ لهم كرامتهم وحقوقهم، حتى وإن تمت بموافقة الضحية». ‏

وأكد أن «جريمة الإتجار بالبشر أخذت ‏حيزاً ملحوظاً في التنفيذ ‏والممارسة في الفترة الأخيرة، ويتم ‏تسهيل تلك الأعمال بمساعدة ‏موظفين حكوميين في أحيان أخرى باستغلالهم أو لقاء تلقي ‏رشاوى».

والعملية الأخرى هي ‏المتاجرة بقصد نزع الأعضاء ‏البشرية وبيعها، كما تبرز أيضاً ‏ظاهرة الإتجار بالأيدي العاملة ‏الرخيصة، سواء منها ما يتم ‏استغلاله في خدمة المنازل أو في ‏الأعمال القاسية والتي تكتنفها ‏الخطورة. ‏

قبل أيام، شهد العراق افتتاح أول دار لإيواء ضحايا الإتجار بالبشر من جانب وزير العمل والشؤون الاجتماعية، وأكد الوزير محمد شياع السوداني أن «منهجية الوزارة في معالجة بعض الظواهر السلبية في المجتمع تعتمد على الشراكة مع المؤسسات الحكومية ومنظمات المجتمع المدني الفاعلة».

وقال إن «وجود الدار أو المركز لتأهيل الضحايا، وإنجازه هو جزء مهم من التزام الدولة وبحكم الاتفاقيات الدولية في تنفيذ قانون الحد من الإتجار بالبشر وهو من القوانين المهمة لمكافحة هذه الظاهرة التي نتجت بسبب الهزات الامنية والاقتصادية التي تعرض لها المجتمع».