التاريخ: تشرين الأول ٢٧, ٢٠١١
المصدر: جريدة النهار اللبنانية
بداية متعثرة - هشام ملحم

تعرضت الانتفاضة الليبية ضد نظام معمر القذافي لحظة انتصارها لشوائب أثارث تساؤلات عن فاعلية قادتها وحكمتهم، وحتى صدقيتهم. ولا تزال ملابسات قتل القذافي ونجله المعتصم غير واضحة، على خلفية صدور اكثر من رواية للقادة الجدد عن طريقة مقتل القائد المخلوع والاعلان عن تحقيق لجلاء حقيقة ما حدث. الجثة دفنت بعد تشريح أولي غير كاف ومشكوك فيه.


قد لا يكون قتل الطاغية القذافي مفاجئا على ايدي مسلحين غير منضبطين وفي نهاية حرب شرسة. ولكن المفاجئ ان القيادة الليبية لم تكن شفافة بل حاولت التغطية على حقيقة ما جرى من خلال الادعاء ان القذافي قتل خلال تبادل للنار بين انصاره والثوار، وهي رواية نقضها شهود عيان، من ليبيين واجانب. وبدل ان تقول القيادة الجديدة انها لا تعرف كل ملابسات قتل القذافي واعدام المعتصم بعد توقيفه، وانها ستجري تحقيقا نزيها، تصرفت وكأن طريقة قتل القذافي لا تستحق هذا الاهتمام، وانها لا تدين لشعبها في الدرجة الاولى بالحقيقة والصراحة في ليبيا الجديدة التي يفترض ان تكون نقيض ليبيا القذافي.


الشائبة الاخرى، كانت في خطاب رئيس "المجلس الوطني الانتقالي" مصطفى عبد الجليل، الذي تضمن رؤيته هو لليبيا الجديدة، التي ارادها مبنية على الشريعة الاسلامية بصفتها "المصدر الاساسي للتشريع"، معلنا ان قانون الزواج والطلاق الذي حدد تعدد الزوجات خلال عهد القذافي "مخالف للشريعة الاسلامية وهو مرفوض". كما اعلن ان ليبيا الجديدة سوف "تنشئ مصارف اسلامية بعيدة عن الربا". لا احد ينكر ايمان عبد الجليل العميق وتقواه وقربه من الخط الصوفي الاسلامي ذي الجذور العميقة في ليبيا. ولكن هل هذه الاولويات الاسلامية هي التي ناضل وقتل من اجلها آلاف الليبيين؟ وبدل ان يتحدث عبد الجليل عن نزع السلاح من المقاتلين، وتعزيز الوحدة الوطنية من خلال تأليف حكومة وطنية موقتة تشرف على التحضير للانتخابات ولكتابة دستور جديد، تحدث عن الشريعة واحياء تعدد الزوجات والمصارف الاسلامية.


اللغة الدينية - التقليدية التي استخدمها عبد الجليل من نوع "الشرف والعرض والمال والوطن"، تختلف نوعيا عن اللغة الاكثر عصرية التي استخدمها الملك محمد ادريس السنوسي في 24 كانون الاول 1951 في خطاب اعلان استقلال ليبيا والذي ركز فيه على سيادة ليبيا وتمسك حكومتها بتطبيق احكام الدستور الذي وضعته الجمعية الوطنية وغيرها من الاهداف السياسية الوطنية. الليبيون احرار في تقرير مصيرهم وطبيعة نظامهم ومؤسساتهم، ومعالم ليبيا الجديدة يجب ان تقرر بطريقة جماعية وديموقراطية وشفافة، لا ان تفرضها رؤية زعيم واحد، حتى لو كان مشهوداً له بالمناقبية والتقوى. المقاييس القيادية يجب ان تكون سياسية لا دينية.