التاريخ: كانون ثاني ٢٩, ٢٠١١
 
على هامش الانتفاضات

السبت, 29 يناير 2011
حازم صاغيّة


تونس، مصر، الجزائر، اليمن ...، كلّها، ولو على تفاوت، تتغيّر. كلّها يجب أن تتغيّر، إن لم يكن بسبب الفساد والاستبداد، ويوجد منهما ما يكفي ويزيد، فبسبب الضجر. منذ ما قبل عقود، تهيمن صور الزعماء الخالدين على الفضاء العامّ، وعلى عيوننا أيضاً.


إذاً، احتمال التغيير لبناء جمهوريّات ديموقراطيّة يستدعي كلّ التأييد وكلّ الحماسة. ذاك أنّ تغييراً كهذا يجعل مواطني تلك البلدان أكثر حريّة وكرامة، وأشدّ تمتّعاً بالعدل، فيما يجعل البلدان ذاتها أقوى وأكثر جدّيّة وأشدّ معاصرة لعصرها.


في معنى مشابه، أصدر، قبل أيّام، عدد من مثقّفي تونس البارزين بياناً جاء فيه: «إنّ نهوض الشّعب التونسيّ من أجل الحرّيّة والكرامة يمثّل حدثاً تاريخيّاً في العالم العربيّ، ستنجرّ عنه نتائج هامّة إلى أبعد الحدود. لقد فتح هذا الحدث أفق انتظار أمام مجموع شعوب المنطقة التي تتابع باهتمام مصير هذه الثّورة. وإنّنا لنحيّي الشّجاعة المسالمة للتونسيّين وننحني أمام ذكرى كلّ من توفي أثناء هذه الانتفاضة.


إنّنا واعون بأنّ على تونس أن تواجه فترة انتقاليّة لا تخلو من العراقيل والمخاطر الداخلية والخارجية، نظراً إلى مساس هذا الحدث بمصالح متعارضة محليّاً أو إقليميّاً، وإنّنا نقدّر أهمية الإصلاحات التي تمّ إنجازها إلى حدّ الآن، ومنها إطلاق سراح المساجين السياسيين، وإلغاء كل أشكال الرقابة، وإقرار كل أشكال حرية التّعبير وحرية التجمّع والتنظّم. وإننا لا ننكر أنّ المهمّة جسيمة، وأنّ الطّريق إلى إرساء مسار ديموقراطيّ طويل. لكنّنا إذ نوقّع هذا البيان، نعلن تضامننا مع هذه القضية، ومساندتنا للعملية الانتقالية التي لا تنساق إلى وهم استئصال الماضي كما كان الشأن في العراق. إننا نعتبر تجربة نيلسون مانديلا بجنوب أفريقيا مصدراً من مصادر الإلهام الجديرة بالثّورة التّونسية وبالأمل الذي غرسته».
ما جاء في هذا البيان يغني عن خطب كثيرة:


- فهو يشي بأن المطلوب سلميّ والأدوات سلميّة، أما النموذج فنيلسون مانديلا، فيما «استئصال الماضي» مرفوض لأنّه يمهّد لاستئصال الحاضر والمستقبل. ما هو إيجابيّ في الماضي ينبغي الحفاظ عليه واستدخاله في حاضر يكون أغنى وأكرم.


- وهو ضمناً يرفض الفوضى ويرفض حكم الاسلامويين، إذ هما يستأصلان الماضي، كلٌّ بطريقته، وقد يمهّدان، في تونس وخصوصاً في مصر، للجيش الذي يجمّد الحاضر. جدير بالذكر أنّ الفوضى والأصوليّة الدينيّة ليستا «فزّاعتين»: إنّهما خطران كبيران دائماً، هنا وهناك. ومن لديه ذاكرة فليتذكّر.


- وهو ضمناً يبتعد عن القياميّة الرؤيويّة التي يسبغها البعض على الحدثين التونسيّ والمصريّ. ليس هناك «أوّل» و «آخر» و «ما قبل» و «ما بعد» و «للمرّة الأولى»... هذه المفاهيم – المصطلحات لم تزدهر كما ازدهرت مع ثورة إيران في 1979. النتيجة تفقأ الأعين.


- وهو ضمناً ينأى عن شهوات البعض في جرّ الانتفاضات والتحرّكات الدائرة إلى فخّ الاصطدام بالغرب. هذا ليس موضوع الشعوب المنتفضة ولا بؤرة تركيزها. وانتقال كهذا لا يفعل، مرّة أخرى، إلاّ حرف الأنظار عن الهموم الفعليّة الاقتصاديّة والمتعلقة بالحريات باتجاه ما يشبع نهم «المناضلين» الذين يحترفون «النضال» بالشعوب والأوطان.