القاهرة - رحاب عليوة عادة ما يلجأ قاطنو الضواحي الشعبية، ممن ينتمون إلى طبقة محدودي الدخل في مصر، إلى أئمة المساجد والزوايا المنتشرة بكثرة في تلك الضواحي، لطلب الفتوى.
«م.ق» رجل أربعيني يقوم على زاوية في أحد شوارع ضاحية العمرانية (جنوب القاهرة) على رغم أنه غير أزهري، ولم يحصُل على شهادة تعليم متوسط، ثم تفرغ للمكوث في المسجد وإطلاق لحيته والاطلاع على بعض الكتب التراثية، ما جذب أبناء الضاحية البسطاء نحوه، فعدوه عالماً، وبدأوا يستفتونه، خصوصاً بعدما اعتلى منبر الزاوية، وما زال يخطب فيها إلى الآن على رغم قرارات عدة من وزارة الأوقاف المصرية بقصر إقامة صلاة الجمعة على المساجد الكبرى من دون الزوايا كان آخرها في آب (أغسطس) من العام الماضي.
وتشهد مصر حالاً من الجدل عقب قرار من المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام بقصر مهمة الإفتاء في البرامج المتعددة التي تنتشر في عشرات القنوات الفضائية الخاصة، على قائمة ضمت أكثر من 50 اسماً أعدتها مؤسستا الأزهر ودار الإفتاء لنخبة من العلماء على رأسهم مفتي الجمهورية الدكتور شوقي علام، والمفتي السابق الدكتور علي جمعة، فيما تم إقصاء آخرين لمعوا كرجال دين في الفضائيات، بعضهم لمع بأسلوب شائق حاز متابعات وخلق جدلاً على مواقع التواصل الاجتماعي، وآخرون نالوا شهرة بفتاوى مثيرة للجدل.
وكان لافتاً أن القائمة التي أزعجت بعضاً، حازت تأييد آخرين على اعتبارها خطوة نحو «ضبط الفتوى»، ليست ذات صدى في الشارع المصري الذي ينقسم وفق توجهه في طلب الفتوى إلى شرائح عدة، أولها الطبقة الأدنى التي تلجأ إلى أقرب إمام مسجد أو شخص ذي لحية لسؤاله، وفئة ثانية أعلى وعياً تلجأ إلى دار الإفتاء مباشرة، وشريحة ثالثة غالبيتها من الشباب يجرون عملية بحث عبر الإنترنت، أما طلب الفتوى عبر التلفاز فلا تلجأ إليه إلا قلة نظراً لصعوبة الاتصال بتلك البرامج والتي تحتاج إلى كلفة مالية نظير المكالمة الهاتفية أو الحرج من الحديث في شؤون خاصة عبر التلفاز من جهة أخرى.
وتتابع السيدة نعيمة حسين (62 عاماً) البرامج الدينية عبر الفضائيات بصورة دائمة. وقالت لـ «الحياة»: أتابع خصوصاً الداعية الإسلامية الدكتورة نادية عمارة (ليست ضمن قائمة الـ50)، والشيخ مبروك عطية، والدكتور علي جمعة، باتت لدي حصيلة ضخمة من المعلومات الدينية نتيجة مشاهدة تلك البرامج والاستماع إلى آرائهم فيها». وعلى رغم ذلك، حين أرادت حسين السؤال عن فتوى ما توجهت إلى دار الإفتاء. وتقول: «عندما أقبل نجلي على الزواج فكر في الحصول على قرض، فاتصلت بدار الإفتاء عبر أرقامهم المخصصة لذلك، وسجلوا السؤال وبعد ساعة عاودت الاتصال وحصلت على الإجابة».
فيما يتوجه عبد الحميد بركات الذي يقطن ضاحية دار السلام الشعبية (جنوب العاصمة) ويعمل حارس عقار، إلى إمام مسجد في ضاحيته للاستفسار عن أي شيء يخص الدين، لكنه شدد في الوقت ذاته على أمانة العالم الأزهري الذي يستفتيه، متذكراً أحد الأسئلة التي رفض الإمام الإجابة عنها ووجهه إلى لجان الفتوى في الأزهر، وذلك لأنه لم يكن متيقناً من الإجابة.
ويشير الرجل الأربعيني إلى فئات أخرى متأثرة بفكر جماعة «الإخوان المسلمين»، المصنفة إرهابية في مصر، وجماعات سلفية، ممن لا يعتدون بفتاوى الأزهر ودار الإفتاء ومشايخهم، ويعتبرونهم «مضللين» وفق وصف شقيقته المتأثرة بفكر هؤلاء، قائلاً: «شقيقتي خضعت لغسل مخ تام، لا تعتد إلا بفتاوى المشايخ المتشددة، ودائماً ما تهاجمني».
تجدر الإشارة إلى أن وزارة الأوقاف اتخذت إجراءات عدة للحيلولة دون اعتلاء المنتمين إلى تلك الجماعات المتشددة المنابر، بعدما سيطروا على غالبيتها خصوصاً في القرى والنجوع والضواحي الفقيرة، فيما تجري الوزارة دورات تدريبية لبعض الأئمة لتأهيلهم للفتوى، لكن يظل عددهم قليلاً مقارنة بأعداد المساجد والزوايا في مصر والتي تتزايد باستمرار.
وفيما يتزايد الجدل حول الفتوى في مصر، قررت قطاعات من الشباب النأي عن كل ذلك، معتمدين على «غوغل» للبحث عن أي فتوى أو أفكار دينية ما، لكن الأمر لا يخلو من أخطار عدة خصوصاً مع اعتماد جماعة «داعش» الإرهابية على الفضاء الإلكتروني لبث آرائها واستقطاب عناصر جديدة، ما قد يجعل هؤلاء الشباب عرضة لتلك الأفكار.
وتقول إيمان عبده (26 عاماً)، وهي تعتمد «البحث الذاتي» عن الفتوى: «لا أثق كثيراً في آراء من يتصدرون المشهد الديني، قد يجيبونني إجابة لا تقنعني، أو يختارون رأياً ما فيما تحمل المسألة آراء عدة، لذلك أُفضل البحث بنفسي عبر الإنترنت، أطلع على الأحاديث وأسانيدها والآراء المتباينة في المسألة، وإذا عجزت عن فهم شيء ما ألجأ إلى شقيقي وهو أزهري وأناقشه فيها».
|