التاريخ: كانون ثاني ٢٤, ٢٠١١
 
لبنان أعقد...

حازم صاغيّة
الاثنين 24 كانون الثاني 2011
 
 
إذا كان موضوع المحكمة الدوليّة مهمًّا، وأهميّته لا يشكّ فيها أحد، بقي أنّ حصر السياسة في موضوع واحد خطيرٌ وتبسيطيّ. لا بل إنّ هذا الحصر الاستثنائيّ مضادّ للسياسة ذاتها.

فثمّة أمور أخرى يثيرها موضوع تشكيل الحكومة، هذه بعضها:

 

أوّلاً، استخلاص الديموقراطيّة (أو ما تبقّى منها) من العنف. تتّضح هذه المسألة بجلاء مدهش هذه الأيّام، حين نسمع أنّ فوز سعد الحريري بالترشيح لرئاسة الحكومة يلغي العمليّة برمّتها ويحيلنا إلى الشارع، فيما لن يحصل أمر كهذا في حال تسمية مرشح قوى 8 آذار! أبعد من ذلك، وأشدّ فضائحيّة، أن نسمع الأصوات التي تستهجن مجرّد ترشّح الحريري لهذا المنصب!

إنّ إحاطة العمليّة السياسيّة والديموقراطيّة بحراسة العنف (وهو أمر لا يجري للمرّة الأولى، على أيّة حال) تقوّض لبنان برمّته.

 

ثانياً، إبعاد العمليّة السياسيّة عن الثأريّة الطائفيّة. فنحن نذكر كيف أنّ التمسّك بـ"الديموقراطيّة التوافقيّة" كان العنوان العريض لسلوك قوى 8 آذار في الفترة السابقة، وكيف تفرّع عن هذا العنوان "تعهّد" بمنح 14 آذار "الثلث المعطّل" في أيّة حكومة تشكّلها 8 آذار.

 

كلام كهذا اختفى اليوم كليًّا. وخطورة هذا التوجّه أنّ ترجمته الطائفيّة ستكون مباشرة، لا بل إنّ الترجمة الوحيدة التي سيكتسبها هي تلك الطائفيّة. يكفي أن نتذكّر أنّ الرموز السنّيّة التي يتمّ تداول أسمائها للتوزير في حكومة "8 آذارية" محتملة لم يحالف النجاح أيًّا منهم في الوصول إلى الندوة البرلمانيّة. وما يعنيه هذا أنّ السنّة سيشعرون، في حال اعتماد هذا التوجّه، ما سبق أن شعره المسيحيّون في سنوات "التهميش" التسعينيّة أو مع "عزل الكتائب" أواسط السبعينات. وهذا ما يسمّم الحياة اللبنانيّة المشتركة أو ما تبقّى منها.

 

ثالثاً، هناك الوضع الاقتصاديّ الذي تدلّ المداخلات الأخيرة للمصرف المركزيّ، دعماً لليرة، إلى مدى هشاشته. وهناك العلاقات العربيّة والدوليّة للبنان التي لن يؤدّي اختصارها في جهة واحدة إلاّ إلى نتائج وخيمة اقتصاديّة وغير اقتصاديّة. أمّا أمر التهديد الإسرائيليّ وأيّ دمار محتمل قد ينجم عنه، فمهمّة يُستحسن بأن يكون لجميع اللبنانيّين، من خلال حكومتهم الشرعيّة، رأي فيها: كيف يمكن تفاديها، وكيف ينبغي، في حال استحالة التفادي، مواجهتها موحّدين. إنّ من ينتصر وحده في فرض وجهة نظره لا يكون يفعل غير مراكمة خصومه الداخليّين والإمعان في إضعاف جبهته الوطنيّة المفترضة. هكذا يغدو الانتصار العابر مقدّمة لهزيمة مؤكّدة.

 

إنّ التفكير بلبنان تفكير بهذه الأمور جميعاً وربّما بغيرها. أمّا اختصار تلك المسائل المعقّدة في مسألة واحدة، واختصار الزمن في يوم بعينه، فيفتح الباب للكوارث في هذه الأمور جميعاً.