التاريخ: كانون الأول ٣١, ٢٠١٦
المصدر: جريدة الحياة
أجهزة الأمن تراجع «خريطة التكفيريين» لتطويق تمدد «داعش» في مصر
القاهرة - أحمد رحيم 
علمت «الحياة» أن أجهزة الأمن المصرية بدأت مراجعة ملفات المصنفين «أصحاب نشاط ديني» لدى جهاز الأمن الوطني التابع لوزارة الداخلية الذي كُلفت فروعه في كل المحافظات باستدعاء المعروفين بالانتماء إلى جماعات دينية، مع التركيز على «معاقل الفكر التكفيري التقليدية» التي تـــــتمركز في مناطق وقرى معروفة لدى أجهـــــزة الأمن في محافظات الشرقية وكفر الشيخ ودمياط والجيزة والفيوم وبــــني سويف وأحياء في القاهرة.

وأفيد بأن الأمن الجنائي كُلِّف بمعاونة الأمن الوطني في هذا الملف بـ «توسيع دائرة الاشتباه»، وتكثيف نشاط المخبرين السريين في مختلف المناطق، والتنبيه على سماسرة وحراس العقارات بضرورة التبليغ عن أي مستأجر جديد لشقة في عقار قريب من كنيسة، أو يُقيم فيها بمفرده أو يشتبه بأنه فار من منطقة سكنه.

وتأتي هذه الإجراءات في أعقاب هجوم انتحاري استهدف الكنيسة البطرسية الملحقة بكاتدرائية الأقباط في العباسية أوقع 27 قتيلاً، غالبيتهم نساء وأطفال.

وقال مسؤول على صلة بالملف إن «أجهزة الأمن تُجري مراجعة شاملة للمشتبه بكونهم تكفيريين»، لافتاً إلى أن «جهاز الأمن الوطني لديه تصنيف لآلاف منهم، ويقوم حالياً بمراجعة هذا التصنيف على نحو دقيق، عبر استدعاء كل أصحاب الملفات لديه، وسؤالهم من جديد عن أفكارهم ونشاطهم ومراجعة حساباتهم على مواقع التواصل الاجتماعي، وصداقاتهم ونشاطهم الاجتماعي والديني في هذه الفترة».

وأشار إلى أن «المراجعة مُدققة جداً في المحافظات والقرى المعروفة بأنها منبع للفكر التكفيري، وخريطتها معروفة لدى أجهزة الأمن»، موضحاً أنها تشمل أيضاً كل الموقوفين الذين تم إطلاق سراحهم منذ عزل الرئيس السابق محمد مرسي في منتصف العام 2013، وهؤلاء وحدهم قد يصل عددهم إلى مئات في كل محافظة مستهدفة.

وأضاف: «ثبت لأجهزة الأمن أن كثيرين من الموقوفين الذين اتهموا بالعنف في تظاهرات الإخوان وبرأتهم محاكم أو أطلقت سراحهم جهات التحقيق في النيابات التحقوا بجماعات تكفيرية لممارسة عنف منظم وتورطوا في هجمات مؤثرة».

وأبرز مثال لهذا النموذج الانتحاري محمود شفيق الذي فجر الكنيسة البطرسية بحزام ناسف وكان موقوفاً قبل عامين بتهمة العنف خلال تظاهرة لـ «الإخوان»، وأطلق سراحه بقرار قضائي.

ولفت المسؤول الذي تحدث إلى «الحياة» إلى أن «الخلية التابعة لداعش التي نفذت تفجير عبوة ناسفة أمام سفارة النيجر في الهرم في الجيزة العام الماضي، وقُتل فيه جندي، كان يقودها طالب في كلية العلوم يبلغ من العمر 22 سنة سبق ضبطه في تظاهرة للإخوان في الجيزة، وأطلق سراحه في العام 2014، وبعد عام كُشف أنه شكل تلك الخلية التي ضمت طبيبتين، وطالباً في جامعة الأزهر سافر إلى سورية وليبيا وانضم للقتال ضمن صفوف داعش، وعاد إلى مصر ليمارس نشاطاً إرهابياً، ثم قُتل في مداهمة، وأقر قائد الخلية في التحقيقات أمام النيابة بتفاصيل تكوين تلك الخلية التي تواصلت مع داعش عبر الإنترنت، وحُكم بالمؤبد».

وأضاف أن «أجهزة الأمن استدعت وتستدعي كل من سبق توقيفه في تظاهرات للإخوان وتم إطلاق سراحه، لمراجعة نشاطه وأفكاره وتحديث ملفه في ما يخص التطور الفكري الذي طرأ عليه، ومن ترك محل سكنه قاصداً العمل أو الإقامة في محافظة أخرى يتم اقتفاء أثره، للتأكد من عدم انخراطه وسط جماعات متطرفة».

وأوضح أن الجهد الأمني «يشمل أيضاً المراقبة الدقيقة للمواقع الجهادية، ومحاولة اختراقها، لتحديد من يتواصلون مع جهاديين خارج مصر، وتوقيفهم».

وأكد أن هذا النشاط «أسفر عن كشف خلايا عدة في مــــحافــــظات مختلفة تسعى إلى الانضمام إلى تنـــظيم «داعش» … واحد ممن تم استدعاؤهم للـــسؤال في شكل روتيني سعى إلى الــــفرار فور الاستدعاء، ولما تمت مداهمة مـــــنزله، وجدت وثائق وكتب تكفيرية، وبفحص حساباته على مواقع التواصل وجهاز الحاسب الآلي الخاص به وجد اتصال بأعضاء في داعش في الخارج، وترتيبات لتنفيذ هجمات في محيط محافظته، وكان خيطاً لكشف إحدى الخلايا التابعة لداعش في الشرقية».

وقال لـ «الحياة» الخبير في شؤون الحركات الإسلامية ناجح إبراهيم إن «كثيرين من شباب التيار الإسلامي عموماً، والإخوان خصوصاً، بدأوا يميلون إلى الفكر التكفيري الذي يتصدره الآن داعش، بفعل الهزيمة التي مُني بها تيارهم».

لكنه اعتبر أن «الانتماء إلى داعش اتهام أو مصطلح يحتاج إلى تدقيق. ليس معنى تلك التهمة أن هناك تواصلاً تنظيمياً بين المتهمين والتنظيم الإرهابي. نموذج داعش أصبح ملهماً لأصحاب الفكر التكفيري، وأعتقد أن تهمة الانتماء تشمل كل من تواصل عبر الإنترنت مع أعضاء في التنظيم، أو أبدى تأييداً لتلك الأفكار على مواقع جهادية».

وأضاف أن «مراجعة الأمن لمنتسبي التيار الديني أسفرت بالفعل عن كشف مجموعات عدة اتهمت بالانتماء إلى داعش، وهؤلاء يمكن تقسيمهم إلى ثلاث فئات، الأولى في مرحلة اعتناق الفكر، والثانية في مرحلة اختيار أهداف لتنفيذ هجمات بعد أن تشبعت بالأفكار وامتلكت وسائل بدائية للتنفيذ، أما الثالثة فهي المجموعات التي تورطت بالفعل في تنفيذ هجمات وتُخطط لأخرى».

ويرى المحامي محمد ياسين، وهو قيادي سابق في «الجماعة الإسلامية»، أن «عملية الاستدعاءات في صفوف الإسلاميين هدفها محاولة الأمن فهم المستجدات التي طرأت على التيار الديني. اعتقد أن الأمن فوجئ بأمور جديدة لم تكن في حسبانه، ومنها دخول قطاع جديد ليس مُصنفاً لديه ضمن الدائرة الأكثر خطراً في التيار الديني المتمثلة في الفكر التكفيري. ما يحدث استدعاءات لا ترقى إلى حد توجيه الاتهامات أو التوقيف… واعتقد أن الأمن يسعى إلى تحديث قواعد بياناته عن منسوبي التيار الديني».

وأكد أن «قضايا كثيرة توجه فيها اتهامات بالانتماء إلى داعش يكون أساسها تواصل على الإنترنت». وقال إن «اللافت أن كثيرين من المتهمين يقرون أمام جهات التحقيق بهذا التواصل، ويفاخرون به، بل ويؤكدون سعيهم إلى تنفيذ هجمات ربما لم يقترفوها، وتكون الأحكام مشددة، وقد تصل إلى السجن المؤبد».