التاريخ: كانون الأول ٢٩, ٢٠١٦
المصدر: جريدة النهار اللبنانية
لبنان: العهد والحكومة: اليوم الآخر بعد "الثقة"
ربما يصعب تجاهل عامل السرعة الاستثنائية التي طبعت آخر فصول العملية الدستورية منذ انتخاب العماد ميشال عون رئيسا للجمهورية بالحلقات المتعاقبة من تكليف الرئيس سعد الحريري مرورا بتشكيل الحكومة ومن ثم انجاز البيان الوزاري والمثول امام مجلس النواب في جلسة اليوم ونصف اليوم الخاطفة انتهاء بالتصويت على ثقة الـ87 نائبا. كلها حلقات مترابطة في سلسلة تسوية داخلية ما انفكت منذ 31 تشرين الاول الماضي تثبت أن ملائكة قرار سياسي داخلي – خارجي كبير هبطت على الواقع اللبناني وتدفع تباعا نحو ترسيخ معالم هذه التسوية. ومع ذلك فان ما بعد الموجة الاولى بفصولها المنجزة الناجزة لن يكون كما قبلها، أقله بالاستناد الى معالم تعقيدات كبيرة ومتراكمة في واقع موروث من حقبة الفراغ الرئاسي تحديدا ترك وراءه مجموعات من الازمات المنتشرة على رقعة مترامية من القطاعات المنهكة في كل المجالات الاقتصادية والمالية والاجتماعية والحياتية والخدماتية بلوغا الى أم الاستحقاقات الداهمة أي العد العكسي للانتخابات النيابية وانطلاق "الجهاد الأكبر " في البحث في قانون الانتخاب الجديد. في اليوم التالي لرأس السنة 2017 ستكون الدولة في عهد الرئيس عون والحكومة الخارجة امس بثقة مجلس النواب امام يوم آخر تبدأ معه رحلة الاختبار المزدوج الكبير والدقيق للعهد والحكومة والقوى الشريكة في استيلادهما. فمن أين ستبدأ برمجة الاولويات ووفق اي تراتبية وأي معايير ؟ كل ما في لبنان بات يندرج تحت عنوان الاولويات المتزاحمة ولا فرق بين أزمة سير خانقة صارت الكابوس الممض اليومي للمواطنين والمتسبب الاساسي في خنق الحيوية الاقتصادية فضلا عن تفاقم التلوث البيئي وبين ازمة ركود لا تخفف منها فسحة ظرفية في الاعياد. كما لا فرق بين اولوية قانون انتخاب يجمع الافرقاء السياسيون على حتمية التوصل اليه بسرعة وازمة نفايات تذر بقرنها بين الفترة والاخرى او ازمة كهرباء تقيم مزمنة بين حنايا البلاد ومناطقها أو ازمة سلسلة رتب ورواتب عادت تذكر بثقل تجاهلها مع ادراج الموازنة في المراتب المتقدمة من اولويات الحكومة. اذن هو الاستحقاق الحاسم الاولي الذي سيتعين على الحكومة الثانية التي يرأسها الرئيس الحريري وفي ظل عهد الرئيس عون ان تتنكب له عبر الانصراف بسرعة الى اقتناص الوقت المحدود الذي يطبع ولايتها في الفترة الانتقالية الفاصلة عن الانتخابات النيابية سواء جرت في موعدها الطبيعي في الربيع المقبل او جرى التمديد "التقني" المحدود لموعدها اذا "وفقت" الطبقة السياسية بتسوية لقانون جديد.

وسط هذه المناخات خرجت "حكومة استعادة الثقة" بثقة 87 نائبا من اصل 92 حضروا جلسة التصويت امس علما ان هذه النسبة جاءت دون النسبة شبه الاجماعية التي حصل عليها الحريري لدى تكليفه والتي بلغت 112 نائبا.

ولكن مصدرا وزاريا بارزا قيمّ عبر "النهار" حصيلة جلسات الثقة النيابية بالحكومة فقال ان القول بإن أكثرية الاصوات التي نالتها الحكومة جاءت دون المتوقع لا ينفي في الواقع أن الحكومة نالت أكثر من ثلثي الاصوات. كما أنه غير صحيح القول أن الرئيس الحريري قد تخلّى عن المحكمة الدولية الخاصة بلبنان بل أن النص الذي جرى إعتماده في البيان الوزاري هو النص ذاته الذي ورد أيام حكومة الرئيس تمام سلام. وأوضح المصدر ان من المؤشرات المهمة في مداخلة الرئيس الحريري الختامية امس كان حديثه عن "وثائق الاتصال" التي لا يزال العمل بها قائما وهي في واقع الحال "وثائق إعتقال". ولفت الى ان الرئيس الحريري أبقى النقاش ضمن التوافق القائم من باب الحرص على عدم هزّ هذا التوافق.وكان الحريري تطرق الى مجموعة قضايا وملفات بارزة ومنها ملف قانون الانتخاب فأكد " اننا فعلا غير متوافقين اليوم على قانون انتخاب لكنني اؤكد ان كل القوى السياسية في الحكومة وانا على رأسها نريد قانون انتخاب جديداً"، كما شدد على "التزامنا الكامل والجازم والنهائي بالمحكمة الدولية" ولفت الى ان ملف النفط هو "من اولوياتنا" كما اكد التزام مكافحة الفساد.

وفيما يتعلق بمرحلة ما بعد جلسات الثقة,قالت مصادر وزارية عدة لـ"النهار" انها تنطلق من ضرورة إستعجال إنجاز مشروع الموازنة إنطلاقا من تحديث المشروع الذي سبق ان أعده وزير المال علي حسن خليل في الحكومة السابقة وبقيت في الاطار الوزاري وأيضا العمل على إنعاش الاقتصاد ومكافحة الفساد.وأعتبرت المصادر ان "الثلاثية" التي تهم جميع اللبنانيين الان هي: معالجة الظلمة والنفايات وشح المياه. لكنها تساءلت كيف ستبدأ ورشة مجلس الوزراء وأي جدول أعمال سيظهر أولا وهل سيتضمن رزمة مشاريع عالقة من أيام حكومة الرئيس سلام أم أنها ستقارب مشاريع وأفكار جديدة؟ كما تساءلت أيضا عما سيكون عليه إطار البحث في قانون الانتخاب؟هل سيكون في إطار لجنة حوار سياسية أم نيابية أم حكومية أم خليط من الثلاثة؟
وفي ما يتعلق بمجلس النواب قالت المصادر أن هناك حاجة الى فتح سلسلة من الدورات الاشتراعية العادية والاستثنائية لمتابعة المشاريع الملحة لاسيما منها ما يتعلق بقروض وإتفاقات خارجية مهمة تتعلق بالبنى التحتية والنازحين السوريين التي يعود أجزاء منها الى البنى الصحية والتعليمية.

عون
في غضون ذلك حرص الرئيس عون على اعلان مجموعة توجهات لعهده من خلال لقاءاته امس في قصر بعبدا لمناسبة نهاية السنة وفودا من قيادة الجيش والاجهزة الامنية الى موظفي رئاسة الجمهورية. واكد ان "الجيش والاجهزة الامنية اساس هذا الوطن ورمز الطمأنينة والاستقرار وان الشعب يقف وراءها والى جانبها قيادة سياسية تمنحها الحصانة والدعم اللازمين"، ولفت الى ان "بلدنا يشهد اليوم هجمة ايجابية من الدول العربية والاجنبية والمؤسسات الدولية التي ستساعد لبنان بعدما ادركت مدى تحسن الاوضاع فيه".

حكومة الحريري الثانية نالت الثقة بـ87 صوتاً والكتائب والضاهر يحجبانها 

منال شعيا
رقم هزيل نالته حكومة الرئيس سعد الحريري: 87 صوتاً. لم يصل الرقم الى حدود المئة، ولم تنل او تقارب العدد الذي سبق واخذته حكومته الاولى من 122 صوتاً.

لم يخدم التوقيت الفاصل بين عيدي الميلاد ورأس السنة حكومة الحريري، فنتج منه رقم ضعيف، مع غياب 34 نائباً. اذ سجل عدد المقترعين 92 نائباً، اخذ منها الحريري 87 صوتاً ثقة. امتنع واحد واربعة اصوات لم تعط الثقة، فبقيت حكومة تمام سلام حاصدة عدد اصوات اكبر بعدما كانت نالت 98 صوتاً.

صحيح ان فرحة الحريري لم تكن كبيرة، لا سيما انه فضّل الاقتراب من رقم المئة، ليتفوق بذلك على حكومة سلام ويبقى في منزلة مشابهة لحكومته الاولى. وهو على هذا الاساس، آثر ان يكون التصويت بالامس بدل مساء الثلثاء، بعدما كانت الاصوات هزيلة جداً تقارب نحو السبعين. الا انه وفي اليوم التالي، لم يكسب المزيد. بدا واضحاً ان فئة من النواب غير متحمّسة، وفئة اخرى ارتبطت بزمن الاعياد مسبقاً، والاهم ان القرار ببت نيل الثقة سريعاً والانطلاق الى العمل كان الهاجس الاكبر عند المعنيين.

افتتح رئيس مجلس النواب نبيه بري الجلسة، وفي حضور غالبية الوزراء، وليس جميعهم، رد الحريري على النواب في كلمة مقتضبة وسريعة، قائلاً: " سنأخذ بالجزء الأكبر من ملاحظات النواب وهواجسهم".

الحريري حدّد عناوين عريضة ابرزها: قانون الانتخاب، المحكمة الدولية، الفساد والقضاء، لتبقى الافكار عمومية، تماما كما جاء في البيان الوزاري، فلم تضف الكثير، او توضح. بقي الكلام من دون الغام، التي قد تعكر صفو التوافق الذي حلّ.

وحدهم نواب الكتائب سامي الجميل ونديم الجميل وسامر سعادة، الى جانب النائب خالد الضاهر حجبوا الثقة، فيما امتنع نائب واحد هو نائب "الجماعة الاسلامية" عماد الحوت، ليرسو الرقم على 87 صوتاً من اصل 92 نائباً.

الحريري يرد
اختار الحريري ان ينطلق بكلمته بالتشديد على ان "الحكومة ستتابع ملف العسكريين المخطوفين إلى حين عودتهم"، وقال: "نعم هناك قضايا خلافية لا تزال لدينا في البلد، مثل موضوع السلاح، حيث أن توافق الحد الأدنى يقول أن هذا الموضوع متروك للاستراتيجية الدفاعية. والحكومة في هذا الشأن كانت واضحة في بيانها، ووضعته في هذا الإطار، لأننا نعلم أن هناك خلافاً على هذا البند، وقلنا بكل هدوء أن هناك استراتيجية دفاعية ونبغي أن نجلس ونتحاور في هذا الموضوع".

اما في موضوع قانون الانتخابات، فلفت الى ان "الحكومة وضعت في بيانها الوزاري الكلام الذي ينعكس أيضاً من مجلس النواب. فعلياً نحن اليوم غير متوافقين على قانون انتخاب، ولكني أؤكد لكم أن كل القوى السياسية في الحكومة، وأنا على رأسهم، نريد قانون انتخابات جديداً، ونريد أن ننجز هذا القانون ومجلسكم الكريم سيقرّه. أنتم لكم دور ونحن لنا دور. وأنا أعتبر أنه بما أن أحداً لم يأتِ على ذكر الكوتا النسائية، فإن جميعكم موافقون عليها إن شاء الله".

المحكمة الخاصة
وتوقف الحريري عند المحكمة الخاصة، قائلاً: "أكدنا التزامنا بشكل جازم ونهائي، ولكن يبدو أن هناك إشكالاً في قراءة عبارة "مبدئياً" في الفقرة المتعلقة بالمحكمة. الجملة تقول ان الحكومة ستتابع مسار المحكمة الخاصة بلبنان، التي انشئت مبدئياً لإحقاق الحق والعدالة، والمقصود أن المحكمة انشئت من حيث المبدأ لإحقاق الحق، ولا أعتقد أن هناك أي خلاف حول ذلك.

وفي ما يتعلق بوثائق الاتصال، هناك قرار من مجلس الوزراء بإلغاء العمل بهذه الوثائق، ما لم تستند إلى استنابة قضائية. قد تكون بعض الأجهزة لم تلتزم بعد هذا القرار، وأنا أؤكد للجميع أننا لن نسمح بأي تجاوز في هذا المجال، وقرار مجلس الوزراء ينبغي أن ينفَّذ.

وبالنسبة إلى الشراكة بين القطاعين العام والخاص، فسنعمل على إصدار التشريعات سريعاً، لأن هذا الموضوع عرضناه في حكومة العام 2010، ولكنه حتى اليوم لم يتحقق، وهذا أمر مؤسف. فعلياً كان ينبغي أن يُقر منذ زمن وأن يحصل في أسرع وقت ممكن".

بالنسبة إلى النفط، شدّد على ان "هذه القضية فيها تسلسل. أولاً يجب إصدار القوانين والمراسيم التطبيقية في مجلس الوزراء، وأن نقر النظام الضريبي الخاص بالقطاع الذي هو موجود على ما أظن في مجلس النواب، وإطلاق دورة التراخيص، وينبغي أيضاً إقرار الصندوق السيادي، وهذا أمر سنعمل عليه. علينا أن نبدأ أولا بإقرار المراسيم، وتباعاً كل الأمور ينبغي أن تتوالى. هذا الموضوع من أولوياتنا، وهذا هو تسلسله".

وفي ما يتعلق بالفساد والرقابة والقضاء، اكد "تأمين استقلالية القضاء وتحصينه من التدخلات، ومكافحة الفساد. للمرة الاولى، هناك وزير مهمته مكافحة الفساد، ولا أظن أن أحداً قام بذلك قبلاً في لبنان. لكن لنكن أيضا واقعيين، فنحن أصبحنا في نهاية الـ 2016، ولا نزال دولة تعتمد على الورق والقلم. إذا أردتم أن نقضي على الفساد فلا بد من مكننة الدولة، لأنه من غير الطبيعي أن الدولة بأكملها لا تزال تعتمد على الورقة والقلم والكربون. جزء كبير من الفساد يُقضى عليه بمكننة الدولة. وهنا أيضاً أتمنى على النواب وجميع اللبنانيين، أن توجيه الاتهامات لكبار القضاة بدون دليل هو نوع من التشهير، وهو ما لا يجوز، وخصوصاً أن القضاة لا يملكون إمكان الرد، بحكم واجب التحفظ المفروض عليهم".

وختم: "منذ أن انتخب مجلس النواب رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، كان هناك تشكيك في البلد، وكانت هناك أصوات كثيرة تسأل عما يحصل، ولكننا رأينا أن البلد ارتاح. ثم حصل تشكيك حول من سيسمّون لرئاسة الحكومة. حصل التكليف، ثم كان هناك تشكيك بأن سعد الحريري سيُكلف ولكن من يعلم متى سيشكل الحكومة؟ وتشكلت الحكومة برقم قياسي كما رأى الجميع، وبعد ذلك حصل تشكيك أيضاً بأن البيان الوزاري ستكون هناك مماطلة بإنجازه ولن ينتهي، ولكن أنجز في جلستين فقط. هناك إيجابية في البلد وهناك تعاون، لأن القوى السياسية وصلت إلى مكان اكتشفت فيه أنه لا يمكننا أن نتقدم في هذا البلد ما لم يكن هناك توافق. قد نقول أن هذه الأمور حصلت لأسباب إقليمية أو غيرها، ولكني أؤكد لكم أن هذا الموضوع ليس إقليمياً، بل كانت هناك خطوات لبنانية بحتة اتفق عليها اللبنانيون على أساس أن نسير في هذا المسار. كل منا تحمّل خطراً معيناً، إن كنا نحن أو الأفرقاء الذين كنا مختلفين معهم. إن كان مع حزب الله، أو التيار الوطني الحر الذي كان في مكان آخر عنا وكذلك بالنسبة إلى القوات اللبنانية، ولكننا قررنا أن نسير سوياً لمصلحة الناس، لأنه فعلياً الناس تعبوا، وهم يريدون نتائج عملية. نحن واجبنا في هذه الحكومة أن نكبّ على إنجاز كل الأولويات التي أوردناها في البيان الوزاري ونعمل على هذا الأساس. قد لا نستطيع وضع كل ما نريد، لأنه أساساً عمر الحكومة سيكون حوالي الستة أشهر، ولكني أؤكد لكم أننا جميعاً سنعمل على إقرار قانون انتخابات جديد. وبناء على ذلك، تطلب الحكومة ثقتكم، ثقة مجلس النواب".

انهى الحريري كلمته. صفق النواب. وصوّتوا. فكانت الثقة، لكن بعض الوزراء آثر المغادرة قبل التهاني. ربما العمل ينتظره. لكن الاهم ان تكون الاولوية اليوم، بالعمل لا بالقول، لاقرار قانون انتخاب تأسيسي جديد، بعدما فقد مجلس النواب شرعيته الشعبية عبر التمديد لنفسه مرتين، والاهم ان يكبّ الوزراء على معالجة الاهدار والفساد في وزاراتهم، ويستعد الوزير المكلف محاربة الفساد للكثير من العمل، لا ان يصبح في عداد وزراء الدولة فقط!