التاريخ: كانون الأول ٢٣, ٢٠١٦
المصدر: جريدة الحياة
مصر تنهي «عام الألم الاقتصادي» وتأمل بتجاوز تبعاته
القاهرة - أحمد مصطفى 
نجح الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي في تجاوز أصعب اختبار شعبي منذ تولّيه الحكم عام 2014، عندما أقرّ حزمة من القرارات الاقتصادية، بينها تحرير سعر الصرف وتقليص الدعم على المحروقات، تبعها ارتفاع غير مسبوق في معدلات التضخم. وعلى رغم أن القرارات أثّرت بلا شك في شعبية الرئيس، لا سيما عند الطبقات المتوسطة والفقيرة، إلا أنه تعهد «إجراءات لتخفيف الألم»، وفشلت تظاهرات رعتها جماعة «الإخوان المسلمين» ضد القرارات.

وكان العام الماضي شهد تراجعاً كبيراً في مؤشرات الاقتصاد على مختلف الأصعدة، فاتسعت الفجوة بين سعر الدولار في المصارف وسعره في السوق الموازية، بفعل استمرار تراجع قطاع السياحة منذ حادث تفجير الطائرة الروسية في تشرين الأول (أكتوبر) 2015، ونقص تحويلات المصريين في الخارج، إضافة إلى تقلّص عائدات قناة السويس التي تأثرت حركة المرور فيها بتراجع حركة التجارة الدولية وانخفاض أسعار النفط عالمياً. وهذه كلها موارد رئيسة للعملة الأجنبية، ألقى تراجعها بظلاله على الاستثمار وفرص التشغيل، ما دعا السيسي في خطاب أخير إلى تأكيد أن قرارات التقشف «كانت حتمية تفرضها المسؤولية السياسية والتجرد من أي اعتبارات».

لكن الكلفة التي تحمّلتها الطبقات الفقيرة والمتوسطة نتيجة التراجع الاقتصادي طوال العام، لم تدفعها إلى الاستجابة لتظاهرات 11 تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي، التي روّجت لها على نطاق واسع جماعة «الإخوان» وحلفاؤها، مستغلة صعوبة المعيشة. واعتبر النظام فشل الدعوة «دعماً للاستقرار الذي تعيشه البلاد، واستمراراً لرفض مشروع الجماعة». وسارع السيسي إلى «تحية وتقدير الشعب المصري الذي أظهر قدرة على الصمود ومواجهة التحدي، وأبدى دعماً للدولة».

ولفت المدير السابق لـ «مركز الأهرام للدراسات السياسة والاستراتيجية» عبدالمنعم سعيد، إلى أن الحال السياسية المصرية منذ الثورة في عام 2011 «لا تتّسم بالاستقرار. درجات الحرارة ترتفع وتنخفض، لكننا لم نصل إلى درجة الاستقرار التام». ورأى أن «تأخر الدولة في اتخاذ إجراءات الإصلاح الاقتصادي جعل الثمن مرتفعاً، لكن من الجيد أننا مضينا في ذلك الطريق. هي خطوة إيجابية». وقال لـ «الحياة»، أن «الشعب المصري تفهّم الوضع، وهناك درجة كبيرة من الرشد السياسي كون أي ردود فعل انفعالية قد تحدث لن تأتي سوى بنتائج أكثر سلبية... على رغم أن هناك دعوات كبيرة للحشد لم تفلح. المصريون يسعون إلى التكيف مع الوضع الجديد».

وبينما بدا أن مصر تمكنت من امتصاص صدمة الإجراءات الاقتصادية ومضت تتطلع إلى حصاد نتائجها تخفيفاً للأعباء على الموازنة وإنعاشاً للقطاعات المتعثرة، خصوصاً الاستثمار والسياحة في ظل تراجع سعر العملة المحلية، جاء حادث تفجير الكنيسة البطرسية الذي راح ضحيته العشرات، ليعيد المخاوف من تأثيره في جهود استعادة حركة السياحة، وليظهر أن طريق التعافي الاقتصادي ليس ممهداً بالورود. لكن المستشار السابق لصندوق النقد الدولي فخري الفقي، قلل من تأثير الحادث في مؤشرات الاقتصاد على المدى الطويل. وقال: «بلا شك، سيكون للحادث الأخير تأثير وقتي، لكن ما يقلل من تأثيره السلبي تفهُّم المصريين وتضامنهم. الأثر السلبي طويل الأجل في النشاط الاقتصادي يحدث عندما يؤثر في الروح المعنوية وتكون هناك انقسامات». غير أن الفقي دعا أيضاً إلى تغييرات واسعة في حكومة رئيس الوزراء شريف إسماعيل، التي «استُنزفت»، بهدف «ضخ دماء جديدة قادرة على التعامل بحنكة مع تأثيرات الإجراءات الاقتصادية، لا سيما ارتفاع التضخم إلى معدلات غير مسبوقة».

ورأى الخبير السياسي عبدالمنعم سعيد، أن «على الدولة أن تبعث برسائل، تفيد بكونها ماضية في إجراءات التنمية والإصلاح بالتزامن مع مكافحة الإرهاب الذي يجب أن نتكيف معه، فالمعركة طويلة». وأشار إلى أنه «قبل تفجير الكنيسة بأيام، لاحظنا أن الجسد الاقتصادي المصري بدأ يستجيب للجرعة العلاجية، لكن حصول العملية الإرهابية سيعقد الأمر، وتجاوزها يتوقف على قدرة تعاطي الدولة التي عليها فوراً إعطاء السوق الإحساس بأن المسيرة مستمرة والإصلاح مستمر».

واتفق سعيد والفقي على الإشادة باتخاذ القرارات الاقتصادية. ولفت الفقي لـ «الحياة» الى أن «هناك مؤشرات طيّبة بدأت تظهر للاقتصاد المصري... نمضي في طريق جيد ونستعيد خطواتنا نحو الطريق السليم، فلا مفر من خفض عجز الموازنة وفتح المجال أمام القطاع الخاص، إضافة إلى إصلاح الجهاز الإداري للدولة». ودافع عن الدور الاقتصادي للمؤسسة العسكرية «في ظل الحاجة الملحّة إلى بنية أساسية تمهد الطريق أمام الاستثمار في مقابل جهاز إداري ضعيف ويعاني بؤر فساد... دور الجيش موقت، لأنه المؤسسة الأكثر انضباطاً».

وأوضح أن الاقتصاد المصري «يحتاج إلى فتح المجال أمام القطاع الخاص الذي لن يحضر من دون وجود بنية أساسية جيدة، إضافة إلى إصلاح مالي بتحرير سعر الصرف، وهيكلي عبر خفض عجز الموازنة». لكن الفقي شدد على «الحاجة إلى إصلاح اجتماعي يتزامن مع الإصلاحات الاقتصادية، عبر حزمة إجراءات حمائية لتخفيف الألم الناتج من الإصلاح الاقتصادي على الطبقات الفقيرة والمتوسطة». ونبّه إلى أن «الاستثمار لن يتوسع في ظل مخاوفه من تقلبات اجتماعية قد تفضي إلى ثورة... نسير في طريق صحيح لكن بخطى بطيئة». ورأى أن «رصيد حكومة شريف إسماعيل استُنفد، لأن عبء المسؤولية كبير ونحتاج إلى تغيير ودفع بدماء جديدة وتعزيز قدرتها بوجوه ذات صبغة سياسية للتعامل مع تلك المشاكل، وفي مقدمها الضغوط المعيشية».

في المقابل، أشار سعيد إلى أن «الإصلاحات الاقتصادية دفعت المصريين إلى الترشيد، وهناك بعض الفئات التي تمكنت من تجاوز الأمر عبر تقاسم ارتفاع الأسعار مع غيرها مثل التجار... المشكلة الكبيرة في أصحاب الدخول الثابتة غير القابلة للتكيف، وهو عدد غير قليل في مصر. هناك بعض الإجراءات التي اتخذت لتخفف من الألم، لكنها لا تحل المعضلة».

ونبّه سعيد إلى أن مصر «لم تستكمل الإصلاح الاقتصادي، فهناك حزمة قانونية تحتاجها، من بينها قانون الجمعيات الأهلية التي يجب تحرير عملها وليس تقييدها، كذلك قانون الإعلام لحل معضلة خسائر المؤسسات الإعلامية والصحافية، إضافة إلى الإجراءات المشجعة للاستثمار الذي يمكن أن ينقل حركة الاقتصاد. علينا استكمال حركة الإصلاح بالتزامن مع دفع المؤسسات الصناعية التي توقفت أو جمدت جزءاً كبيراً من نشاطها إلى العمل مجدداً».

ورأى أنه «كلما استمر الإصلاح يظهر الحصاد، بصرف النظر عن الإرهاب الذي يجب أن نتكيف معه لأن المعركة طويلة». وأوضح أن «حصاد الإجراءات سيكون عبر خطوات»، متوقعاً أن يشهد العام المقبل «زيادة في معدلات التشغيل وبالتالي انخفاض في معدلات البطالة. كذلك، ستختفي المعدلات غير المسبوقة في زيادة التضخم، ويتباطأ تراجع الجنيه مع استقرار في سعر الصرف».