موسكو - رائد جبر؛ طهران – محمد صالح صدقيان؛ لندن، القاهرة، نيويورك، بيروت - «الحياة»، رويترز، أ ف ب
خيّم الخلاف بين أنقرة وطهران حول دور «حزب الله» ونشاطه في سورية، على محاولات موسكو تأكيد «فعالية الإطار الثلاثي» الذي أعلن أمس «خريطة طريق» للوصول إلى وقف شامل لإطلاق النار يستثني «داعش» و «جبهة النصرة» ويمهد لإطلاق عملية سياسية، في وقت استعجلت القوات النظامية والميليشيات الموالية تهجير المدنيين من شرق حلب للدخول في شكل كامل الى أحيائها.
وأكد وزراء خارجية الدول الأعضاء في الجامعة العربية والاتحاد الأوروبي في ختام اجتماع شاركت فيه وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي فيديريكا موغيريني في القاهرة أمس، أنهم «يعبّرون عن قلقهم العميق بشأن الوضع في حلب ويدينون بشدة الهجوم المتعمد والعشوائي على حلب الشرقية من النظام وحلفائه وكذلك استهداف المدنيين والبنية التحتية الإنسانية».
وكان وزير الخارجية السعودي عادل الجبير قال إن «النظام السوري يتحمّل مسؤولية المأساة في سورية، إذ إنه وجّه جيشه الذي كنا كعرب نفتخر به في الدفاع عن العروبة، لقتل الشعب السوري». ونقلت «وكالة الأنباء السعودية» عن الجبير قوله في الاجتماع الطارئ لمجلس الجامعة العربية في شأن سورية في القاهرة مساء الإثنين، إن «الحديث كثير والعمل قليل، وإذا لم نستطع إيجاد وسيلة ضغط فعالة على النظام السوري، لن نستطيع الوصول إلى حل سياسي، وسيستمر التشرد والقتل والظلم في سورية، وسنتحمل مسؤولية ذلك أمام الله وأمام الشعب السوري»، مؤكداً أن «استمرار الوضع المأسوي في سورية يشكّل خطراً على الأمن القومي العربي وعلى الاستقرار العالمي». وعبّر عن إدانة المملكة العربية السعودية لكل الأعمال الإرهابية التي حدثت في الدول العربية، مشيراً إلى أن «النظام السوري هو الذي رفض الدخول في أي مفاوضات جادة واستمر في قتل شعبه، وهو الذي أدخل المنظمات الإرهابية والميليشيات الطائفية إلى سورية، بما فيها الحرس الثوري الإيراني».
ودانت الجمعية العامة للأمم المتحدة في قرار حصل على غالبية كبيرة وقادت التحرك لأجله السعودية، انتهاكات حقوق الإنسان في سورية، خصوصاً التصعيد الأخير للهجمات الموجهة ضد المدنيين في حلب وغيرها من المناطق المحاصرة، وطالبت بالتنفيذ الفوري لقرارات مجلس الأمن وإيصال المعونة الإنسانية إلى جميع المحتاجين.
وفي العودة الى الاجتماعات الروسية- التركية- الإيرانية بمشاركة وزراء الخارجية والدفاع في موسكو، برز التباين في المواقف، على رغم الأجواء الإيجابية والتأكيد على تقارب في المواقف أسفر عن التوافق على إعلان مشترك قالت موسكو إنها ستوزعه في مجلس الأمن، يتضمن خطوات وصفت بأنها «عملية ومحددة وسريعة لتسوية العقبات التي تعرقل التوصل الى وقف شامل للأعمال القتالية واستئناف عملية التسوية السياسية»، بحسب وزير الدفاع سيرغي شويغو.
وفي مؤتمر صحافي مشترك لوزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف مع نظيريه التركي مولود جاويش أوغلو والإيراني محمد جواد ظريف، ركزت الأطراف الثلاثة على أن التفاهمات تشمل القيام بخطوات لتطبيق قرار مجلس الأمن 2254 لجهة قطع الطريق على وصول المساعدات الخارجية للأطراف التي توصف بأنها إرهابية، وهو أمر أكد الوزير التركي الاتفاق بشأنه، لكنه أشار في الوقت ذاته إلى أن «ثمة جماعات أخرى مرتبطة بالنظام السوري ومن الضروري قطع الدعم عنها أيضاً، وبينها «حزب الله»، معتبراً ذلك «ضرورياً لضمان وقف إطلاق نار مستقر». وأكد ظريف من جهته، أن «الحديث (في الاتفاق الثلاثي) يدور عن الفصائل المصنفة في قرارات مجلس الأمن منظمات إرهابية»، مشيراً إلى «احترام طهران آراء أصدقائها، لكنها تختلف معهم». ودفع السجال لافروف إلى التنبيه للوضع «المعقد» في المنطقة، حيث «ينشط العديد من المجموعات الإثنية والطائفية والسياسية، والتي تدخل في مواجهات وخلافات على خلفية استمرار الأزمة في العلاقات بين السنة والشيعة بالعالم الإسلامي. وقال إن سورية تحولت ساحة لتناقض مصالح بعض الدول، و «حاول عدد كبير من اللاعبين الخارجيين استغلال الأزمة لمصلحتهم». لكنه أشار إلى تزايد «تفهم الدول ضرورة التخلي عن أفكار إطاحة النظام وتقديم أولوية مكافحة الخطر الإرهابي»، مضيفاً أن لدى موسكو وطهران وأنقرة «مواقف مشتركة بهذا الشأن».
وقالت وزارة الخارجية الروسية مساء أمس إن وزير الخارجية سيرغي لافروف أبلغ نظيره الأميركي جون كيري في اتصال هاتفي بنتائج محادثات موسكو الثلاثية. وأضافت في بيان إن المفاوضات التي تتوسط فيها الأمم المتحدة في جنيف وصلت إلى طريق مسدود بسبب شروط المعارضة السورية في المنفى.
في طهران، انتقد أمين مجلس الأمن القومي الإيراني علي شمخاني، القرار الدولي 2328، معتبراً أنه جاء لـ «مصلحة الأعمال التخريبية ويوفر الأرضية لدخول العناصر الأمنية والعسكرية الداعمة للإرهاب تحت غطاء المراقبين الدوليين»، علماً أن طهران ودمشق تسميان معظم المعارضين بـ «الإرهابيين».
ميدانياً، وتمهيداً لإعلان سيطرته على كامل المدينة، قال مصدر في الجيش النظامي لوكالة «فرانس برس» أمس، إن «الجيش أطلق نداءات عبر مكبرات الصوت لمن تبقى من المسلحين والمدنيين الراغبين بالمغادرة، للخروج من الأحياء الشرقية في حلب»، مضيفاً أنه إثر ذلك «من المفترض أن يدخل الجيش لتنظيف المنطقة بعد خروجهم».
وأحصت اللجنة الدولية للصليب الأحمر إجلاء 25 ألف شخص من آخر جيب تحت سيطرة الفصائل المقاتلة في حلب منذ بدء عملية الإجلاء الخميس، مع بقاء «آلاف» ينتظرون إجلاءهم. لكن وزير الخارجية التركي قال عبر «تويتر» الثلثاء، إنه تم إجلاء 37500 شخص، وإن الهدف هو استكمال كل عمليات الإجلاء بحلول اليوم.
«خريطة طريق» لسورية تتضمن وقفاً للنار يستثني «داعش» و«النصرة»
موسكو – رائد جبر
أطلقت موسكو وأنقرة وطهران «خريطة طريق» لتسوية الوضع في سورية تقوم على «اتخاذ خطوات لوقف إطلاق النار في كل الأراضي السورية ولا يشمل تنظيمي «داعش» و «جبهة النصرة» ودفع التسوية السياسية». وأكدت الدول الثلاث أنها ستضمن تنفيذ الاتفاقات التي تم التوصل إليها. وعلى رغم التشديد على أهمية وفعالية «الإطار الثلاثي» برز تباين بين أنقرة وطهران حيال نشاط «حزب الله» في سورية.
وشهدت موسكو أمس، نشاطاً مكثفاً لوزراء الخارجية والدفاع في الدول الثلاث، استهل بعقد لقاءات ثنائية، مهدت لجلسة ثلاثية لوزراء الخارجية بالتوازي مع اجتماع مماثل لوزراء الدفاع. وأعلن في اختتام الجلستين عن التوصل إلى وثيقة حملت عنوان «إعلان موسكو». وأكد «سيادة ووحدة أراضي سورية كدولة ديموقراطية علمانية». وشدد على أنه «لا حل عسكرياً للأزمة في سورية»، مؤكداً عزم البلدان الثلاثة «إحياء عملية سياسية لتسوية النزاع».
وفي مؤتمر صحافي مشترك لوزراء الخارجية قال الوزير الروسي سيرغي لافروف إن الدول الثلاث أكدت التزامها بإتمام عمليات الإجلاء من مدينة حلب، وبلدتي الفوعة وكفريا في ريف إدلب، ومضايا بريف دمشق، متوقعاً أن يتم إنجاز هذه العمليات في غضون يومين. وأضاف أن الجهود التي بذلتها روسيا وتركيا وإيران في حلب «سمحت بإجلاء غالبية المدنيين وإخراج مسلحي المعارضة من المدينة». وأشار إلى ضرورة توسيع نظام وقف إطلاق النار في سورية، مشدداً على أنه لن يشمل تنظيمي «داعش» و «النصرة». وقال إن الأطراف الثلاثة «مستعدة لوضع اتفاق بين السلطات السورية والمعارضة وأن تكون ضامنة لتنفيذه»، معتبراً أن «العمل الذي تقوم به روسيا وإيران وتركيا في مجال تسوية الأزمة السورية هو الأكثر فعالية على سبيل تحقيق هذا الهدف». وأشار إلى أن «إعلان موسكو» يتضمن تدابير» تعمل الدول الثلاث على تطبيقها»، ووصف الإطار الثلاثي بأنه «الأكثر فعالية ويؤكد بأفعاله وليس بالأقوال قدرته على تحقيق خطوات عملية». معتبراً أن «الإطارات الأخرى أثبتت فشلها وبينها مجموعة دعم التسوية في سورية، فهي اجتمعت عدة مرات واتخذت قرارات ولم تكن قادرة على تنفيذها»، مشيراً إلى أن «إعلان موسكو» يركز على إطلاق تحرك يستند إلى قرارات مجلس الأمن، خصوصاً 2254 الذي يؤكد «وقف الأعمال القتالية وإطلاق عملية سياسية من دون شروط مسبقة وبمشاركة كل القوى السياسية والإثنية والعرقية في سورية». وأشار إلى فشل الأمم المتحدة في تطبيق قراراتها السابقة، لكن شدد على أهمية دور المنظمة الدولية. كما لفت إلى «عجز واشنطن عن الالتزام بتعهداتها».
وتابع أن «التحرك الواسع الذي جرى في حلب منذ أيلول (سبتمبر) الماضي جاء نتيجة لتراجع واشنطن عن تعهداتها وفرضته ضرورة تخفيف معاناة المدنيين». وزاد أن موسكو وأنقرة وطهران «درست خلال الأسابيع الماضية قدراتها على القيام بتدابير منسقة من شأنها أن تسمح بتسوية الوضع في حلب واليوم تشارف هذه العملية على الانتهاء في غضون يومين»، معتبراً أن «نجاح الإطار الثلاثي يؤكد جاهزية أعضائه لتنفيذ أفعال بدلاً من الأقوال للوصول إلى تسوية كاملة في سورية»، واستدرك أن المجموعة «منفتحة للاتفاق مع كل الأطراف وندعوها للانضمام إلى جهودنا».
من جانبه، شدد وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو، على أهمية التنسيق وأشاد بجهود موسكو وطهران لإنجاح الاتفاقات التي تم التوصل إليها، لكنه أشار إلى نقطة بدت خلافية عندما تحدث عن «ضرورة وقف الدعم لحزب الله» في إطار إجابته على سؤال عن ضرورة وقف أطراف خارجية «دعم المجموعات الإرهابية». وهو أمر رد عليه نظيره الإيراني محمد جواد ظريف بالتأكيد على اتفاق الأطراف الثلاثة على تفعيل الجهود ضد الإرهاب والوصول إلى تسوية سياسية، لكنه أضاف أن «نتحدث عن جماعات إرهابية مصنفة في مجلس الأمن». ولفت إلى إشارة نظيره التركي إلى «حزب الله»، مؤكداً أن طهران «تحترم آراء أصدقائها لكن تختلف معهم». ودفع هذا السجال لافروف إلى التأكيد على أن «الحرب على الإرهاب لا تحتمل المعايير المزدوجة وأن القرار 2254 شدد على ضرورة وقف الدعم الخارجي للمجموعات الإرهابية وعدم التعويل عليها أو عقد صفقات معها»، لكنه استدرك أن «الموضوع معقد للغاية لأن المنطقة غدت تزخر بجماعات دينية وقومية وتوجد أزمة بين السنة والشيعة». ولفت إلى أن سورية «تجمعت فيها مصالح وتباينات بلدان كثيرة» وكل منها «له وجهة نظره في دعم أنصاره أو مواليه لذلك تعقد الموقف أكثر». وأشار إلى أن «بعض المجموعات الناشطة في سورية دعتها حكومة بشار الأسد وبعضها جاء بنفسه والمهم أن كل الأطراف حالياً سواء تلك التي جاءت بدعوة أو التي أتت من دون تنسيق مع دمشق متفقة على أولوية مكافحة الإرهاب». وأشار إلى أن «كثيراً من اللاعبين الخارجيين حاولوا استخدام «الربيع العربي» لتنفيذ أجندات بينها المساعي لإطاحة النظام، وحالياً تغيرت وجهة النظر لدى كثيرين وبعض زملائي أبلغني أن الأولوية حالياً لمكافحة الإرهاب وهذا الموقف تتطابق فيه وجهات نظر روسيا وتركيا وإيران».
وأكد وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو أن موسكو وأنقرة وطهران «مستعدة للعب دور الضامن لدفع التسوية السورية». وقال إن الولايات المتحدة لا تتمتع بنفوذ فعلي على الوضع. وشدد على «نجاح موسكو بفضل الجهود الروسية - التركية - الإيرانية المشتركة في عملية الفصل بين المعارضة المعتدلة والمتشددين في حلب».
وقال الناطق باسم الكرملين ديمتري بيسكوف، إن اغتيال السفير الروسي لدى أنقرة أندريه كارلوف هدف إلى إفشال الجهود التي تبذلها موسكو وأنقرة لتسوية الأزمة السورية بالوسائل السلمية»، لكنه شدد على أن الحادث «لن يؤثر في هذه العملية بأي شكل من الأشكال».