التاريخ: كانون الأول ١٦, ٢٠١٦
المصدر: جريدة الحياة
حكومة الشرعية اليمنية في مواجهة تحديات الإرهاب في عدن
تواجه الحكومة اليمنية الشرعية المدعومة من دول التحالف العربي الذي تقوده المملكة العربية السعودية تحديات كبيرة في مختلف المجالات، غير أن التحدي الأمني في مناطق سيطرتها وتواجدها، وبخاصة في العاصمة اليمنية الموقتة - عدن - يعد الأخطر، ليس فقط على العاصمة البديلة لمدينة صنعاء الخاضعة لسيطرة الحوثيين، وإنما على الشرعية اليمنية رئاسة وحكومة.

ومنذ سيطرة قوات المقاومة المؤيدة للشرعية والمدعومة من قوات التحالف على مدينة عدن في نيسان (ابريل) من العام 2015 وحتى مطلع كانون الأول (ديسمبر) 2016، والعاصمة الموقتة لليمن تشهد وضعاً غير مستقر، وسجلت فيها العشرات من العمليات الإرهابية التي استهدفت قيادات ومقار عسكرية وأمنية وسياسية وتجمعات لجنود خلفت أعداداً كبيرة من الضحايا بينهم عشرات المدنيين، كان آخرها العملية التي استهدفت تجمعاً لمجندين جدد أواخر آب (أغسطس) الماضي وخلفت سبعين قتيلاً، ما جعلها في نظر المراقبين غير مهيأة كعاصمة موقتة لليمن، وحال دون استقرار الحكومة والرئاسة فيها لأكثر من عام ونصف عام.

بيد أن العملية الانتحارية التي استهدفت مطلع الأسبوع الجاري جنوداً يمنيين تجمعوا عند بوابة معسكر الصولبان لتسلم مرتباتهم، وأودت بحياة 48 جندياً وجرحت 31 آخرين، أثارت الكثير من التساؤلات حول مستقبل العاصمة عدن، والقدرة على ضبط الأمن فيها، بخاصة ان تنفيذ هذه العملية التي تبناها تنظيم «داعش»، جاء بعد مرور قرابة أسبوعين على تواجد الرئيس اليمني عبدربة منصور هادي في المدينة وأكثر من شهر على انتقال حكومة الدكتور أحمد بن دغر إليها.

ووجهت للحكومة الشرعية الكثير من الانتقادات، في أعقاب العملية الانتحارية الأخيرة، واتهم القيادي في المقاومة الجنوبية أبو مشعل الكازمي الحكومة بالتقصير وعدم القيام بواجبها تجاه ضحايا العملية الإرهابية، وقال في منشور على صفحته على «فايسبوك»، أنه توجه إلى معسكر الصولبان بعد عشر دقائق من الانفجار ومعه أربع سيارات، ولم يكن للحكومة وســلطة عدن أي تواجد، وأضاف: «كنا نقوم بنقل الجثث بمقدار خمس جثث بالسيارة الواحدة، فيما غابت الحكومة وسلطة عدن عن القيام بدورها».

وأوضح الكازمي أنه طلب من الحكومة توفير سيارات إسعاف لنقل الجثث إلى ذويها وصرف مساعدات مالية لأسر الشهداء، إلا أن الحكومة «تحججت بعدم وجود كشوفات بأسماء الشهداء والجرحى».

وفي بيان مــشترك صــادر عن مركز اليمن لدراسات حقوق الإنسان ومركز عدن للرصد والدراسات والتدريب، عبرا عن استغرابهما من تكرار «هذه الجريمة البشعة»، التي تشابه جرائم سابقة شهدتها مدينة عدن «واستهدفت جنوداً كانوا في انتظار مستحقاتهم أو استكمال إجراءات تجنيدهم».

وتساءل البيان عن الأسباب التي تعمل على تكرار الظروف نفسها التي تمكن المجرمين من تنفيذ جرائمهم الجديدة، مثل الإعلان عن دعوة الجنود إلى الحضور وتجميعهم عند بوابة المعسكر وعدم السماح لهم بالدخول، ورأى الطرفان أن العملية الانتحارية الأخيرة تعبر عن «صورة منفلتة في التعامل مع المتطلبات والإجراءات الأمنية الواجب توافرها في مثل هذه الحالات»، مطالبين بسرعة التحقيق لكشف أسباب «غياب الإجراءات الأمنية اللازمة من جانب الأجهزة الأمنية والشرطة العسكرية والقوات المسلحة».

وشدد المركزان في بيانهما المشترك على «إعادة النظر في السياسات والمعايير التي تحكم التعيينات في المناصب الأمنية والعسكرية»، وجددا الدعوة إلى البدء بإجراءات عاجله لبناء مؤسسات أمنية وعسكرية مهنية ووطنية وعلى أساس القانون والكفاءة والخبرة والنزاهة وإنهاء حالة التعدد والازدواجية في نشاط وعمل أجهزة الأمن في مدينة عدن».

ودان ملتقى أبناء محافظة أبين التفجير الانتحاري، وعبر في بيان عن قلقه البالغ من «استمرار بروز ثغرات تنفذ من خلالها قوى الشر لتنفيذ مخططاتها»، ودعا «كل الوحدات الأمنية إلى التوحد في غرفة عمليات مشتركة كي يسهل التنسيق المستمر الذي سيسفر بكل تأكيد عن عمل أفضل حفاظاً على الأمن والاستقرار في عدن».

وفي مواجهة ردود الفعل الغاضبة من دور الحكومة اليمنية في مواجهة الانفلات الأمني شكلت الحكومة اليمنية لجنة تحقيق في الهجوم الانتحاري برئاسة نائب وزير الداخلية، وعضوية نائب رئيس هيئة الأركان العامة، قائد المنطقة العسكرية الرابعة، مدير جهاز الأمن القومي في محافظة عدن، ومدير الأمن السياسي في المحافظة، ومنحت الحكومة اللجنة أسبوعاً واحداً لرفع نتائج التحقيق، كما وجه رئيس الحكومة أحمد عبيد بن دغر بصرف مليون ريال (أقل من 4 آلاف دولار) لكل أسرة شهيد، ونصفها لكل جريح، وأن يتم ترقيم جميع الشهداء والجرحى الذين سقطوا في الحادثة الإرهابية وصرف مرتباتهم.

وتوعدت هيئة الأركان العامة بـ «ملاحقة المجرمين والقتلة والقضاء على البؤر الإرهابية التي مازالت تسعى إلى العبث بأمن واستقرار الوطن»، وقالت قيادة الهيئة في بيان نشره المركز الإعلامي للقوات المسلحة اليمنية على صفحته على «فايسبوك» إن هذه العملية «الإرهابية تهدف إلى نشر الفوضى والقتل وسفك الدماء وتعطيل الحياة العامة وإعاقة تطبيع الأوضاع في المناطق المحررة في مختلف النواحي»، وأكدت أن مثل هذه الأعمال لن تثني قوات الجيش والأمن عن مواصلة عملها في استتباب الأمن والاستقرار، ومواجهة العناصر الإرهابية والقضاء عليها وتخليص الوطن من شرورها.

العديد من الأوساط السياسية والثقافية والاجتماعية في مدينة عدن ترى الحكومة غير قادرة على ضبط الأمن ووقف نزيف الدم المستمر فيها منذ أكثر من عام ونصف عام، وترى هذه الأوساط أن الحكومة لا تزال حتى هذه اللحظة عاجزة عن تأمين الحماية لنفسها وأعضائها، ولذلك لم تستقر في العاصــمة الموقتة لليمن في شكل دائم، بل تأتي إليها لفترات قصيرة جداً، وتعتقد هذه الأوساط بأن إنهاء الانفلات الأمني الحاصل في عدن وضبط الأمن فيها يمثلان التحدي الأكبر أمام الحكومة، باعتبار أن ذلك من شأنه أن يخلق حالاً من الاستقرار لها لتستقر بكامل أعضائها في المدينة، وبالتالي تتفرع للعمل في المجالات الأخرى السياسية والاقتصادية في المناطق المحررة من الحوثيين.

وأكدت مصادر محلية في عدن تحدثت إلى «الحياة» أن أجهزة الأمن في العاصمة الموقتة تعمل «كجزر منفصلة عن بعضها بعضاً، الأمر الذي يضعف دور هذه الأجهزة في حفظ الأمن وضبط العناصر الإرهابية، من خلال إجراءات استباقية تفشل المخططات الإرهابية وتحول دون تنفيذها».

وفي الوقت الذي غابت الأجهزة الأمنية ولم يصدر عنها أي رد فعل تجاه العملية الانتحارية الأخيرة، أتهم وزير الداخلية اللواء حسين عرب قيادة اللواء 111 مشاة بأنها كانت السبب في حدوث هذا التفجير، بسبب إهمالها في تأمين أفراد اللواء، إضافة إلى عدم التنسيق بين الوحدات الأمنية والعسكرية. وأكد أن حماية الأفراد تقع على عاتق اللواء نفسه وليست من اختصاص وزارة الداخلية والوحدات التابعة لها، وهو ما دفع قائد اللواء 111 مشاة إلى إصدار بيان طالب فيه بالتحقيق في العملية، وقال إن قيادة اللواء لا توجد لديها أي وسائل للحماية والسيطرة في مدينة عدن.