التاريخ: كانون الأول ١٦, ٢٠١٦
المصدر: جريدة النهار اللبنانية
رحلة الخروج من حلب الشرقية بدأت وقلق على إدلب
غادر آلاف من المدنيين والمقاتلين شرق حلب أمس في اطار عملية اجلاء متواصلة الى مناطق سيطرة الفصائل المعارضة في الريف الغربي، مما يمهد لبسط الجيش السوري سيطرته على المدينة بعد اكثر من أربع سنوات من المعارك الدامية.
وبارك الرئيس السوري بشار الاسد للسوريين بـ"تحرير" مدينة حلب، معتبراً ان ما يحصل "بحد ذاته تاريخ يرسم الآن أكبر من كلمة مبروك".

وتواجه الفصائل المعارضة التي طمحت الى اطاحة نظام الاسد، احتمال الهزيمة الكاملة في سوريا بعد خسارتها حلب، المدينة التي شهدت شوارعها تظاهرات ضخمة عام 2011 ضد النظام قبل ان تتحول الى جبهة قسمت العاصمة الاقتصادية السابقة لسوريا الى جزءين، واحداً تحت سيطرة النظام في الغرب وآخر تحت سيطرة المعارضة في الشرق.

وبدأت عملية الاجلاء صباح أمس بتجمع آلاف المدنيين والمقاتلين في منطقة العامرية بشرق حلب، لتخرج الدفعة الاولى قرابة الساعة الثانية والنصف بعد الظهر (12:30 بتوقيت غرينيتش) في نحو 30 سيارة إسعاف وحافلة وصلت بعد أكثر من ساعة الى ريف حلب الغربي الخاضع لسيطرة الفصائل المعارضة.

وأفاد مصدر عسكري ان الدفعة الاولى شملت نحو ألف شخص بينهم أكثر من 200 مسلح و108 جرحى بينهم أيضاً مسلحون.
ووصلت مساء الخميس الدفعة الثانية من مقاتلين ومدنيين الى بلدة خان العسل في الريف الغربي.

وتحدث أحمد الدبيس، المسؤول عن وحدة من الاطباء والمتطوعين تنسق عمليات الاجلاء والموجود في بلدة خان العسل في الريف الغربي، عن تلقي الوحدة اتصالاً قبل وصول القافلة الثانية "لتجهيز عشر سيارات للاسعاف الطارىء، لأن هناك عشر حالات حرجة وضعت على أجهزة تنفس".

وأوضح مراسل التلفزيون السوري الرسمي انه "سيتم اخراج المسلحين وعائلاتهم على دفعات وتستمر (العملية) خلال ساعات الليل حتى انهاء الوجود المسلح في حلب".
واعلنت اللجنة الدولية للصليب الأحمر في بيان أن نحو 3000 مدني وأكثر من 40 مصاباً بينهم أطفال تم إجلاؤهم من شرق حلب في جولتين من الإجلاء.

وصرح مدير عمليات الصليب الأحمر في الشرق الأدنى والشرق الأوسط روبرت مارديني في مقابلة مع "رويترز" في مكتبه بجنيف بعدما أطلعته رئيسة بعثة اللجنة في سوريا ماريان غاسر على الوضع في حلب بأن "المزيد والمزيد" من دورات الاوتوبيسات وسيارات الإسعاف ستكون مطلوبة في الأيام المقبلة. وقال: "هذه بالنسبة إلينا هي الخطوة الأولى وكانت إيجابية".
وقالت اللجنة الدولية للصليب الأحمر إن ثالث قافلة بدأت بعد الغروب طريقها لحلب.
ورأت غاسر في بيان أن "عملية الاجلاء في مدينة حلب قد تحتاج الى بضعة أيام للانتهاء".

لحظات مؤثرة
وخلال استقبال للدفعة الاولى، روى مراسل في خان العسل أنه شاهد كثيرين وهم يرددون "عائدون" من غير ان يتوقفوا عن البكاء. وبدا كثيرون أيضاً متلهفين الى الحصول على المياه والبسكويت من المنظمات الانسانية في المكان، بعد حصار قاس عانوه في الاحياء الشرقية في حلب.
وأأثر اللحظات المؤثرة كانت تمثلت في مشاهدة أشخاص من حلب كانوا عالقين خارج المدينة بسبب الحصار وهم يلتقون أقرباءهم بعد طول انتظار.

وفي وقت سابق صباح الخميس، احتشد آلاف الاشخاص في منطقة تجمع المغادرين في العامرية بشرق حلب ينتظرون دورهم لمغادرة مدينتهم. وكتب أحدهم بالغبار على احدى الحافلات: "سنعود يوماً".

وكان بعض المدنيين يبكون، فيما ودع مقاتلون أفراد عائلاتهم المغادرين في الدفعة الاولى.
وبدا آخرون فرحين بالخروج بعد حصار طويل ارهقهم.
وأظهرت صور شاباً يبكي وهو متربع على الارض بين الركام والى جانبه مقاتل غطى وجهه بوشاح ويحمل سلاحه الخفيف بيده.

وتدخل هذه العملية في اطار اتفاق تم التوصل اليه في رعاية تركية - روسية لاجلاء مقاتلي المعارضة ومدنيين من آخر المناطق التي تسيطر عليها الفصائل في شرق حلب، اثر هجوم واسع لقوات النظام السوري على الاحياء الشرقية استمر شهراً.
وبث التلفزيون السوري ان "اربعة آلاف مسلح مع عائلاتهم سيتم إخراجهم من الاحياء الشرقية".

وقال مصدر قريب من السلطات في دمشق ان الاتفاق ينص أيضاً على ان إجلاء جرحى ومرضى من بلدتي الفوعة وكفريا اللتين تحاصرهما فصائل المعارضة في محافظة إدلب.

دو ميستورا يطالب بمراقبين
وأكد المبعوث الخاص للامم المتحدة الى سوريا ستافان دو ميستورا ووزير الخارجية الفرنسي جان - مارك آيرولت ان نحو 50 ألف شخص معظمهم مدنيون لا يزالون محاصرين في شرق حلب.

وقال دو ميستورا في مؤتمر صحافي مشترك مع آيرولت في باريس: "هناك 50 ألف شخص، بينهم 40 ألف مدني، يقيمون ويا للأسف في هذا القسم من المدينة. الآخرون مقاتلون، بين 1500 وخمسة الاف الى عائلاتهم".

وحذر من انه "اذا لم يكن هناك اتفاق سياسي ووقف للنار، فان ادلب ستصير حلب المقبلة"، مشدداً على أولوية نشر موظفين من الامم المتحدة للاشراف على عملية الاجلاء من حلب.
وقدرت تركيا عدد المدنيين الذين قد تشملهم عملية الاجلاء من حلب بما بين 80 ألفاً ومئة ألف.

ردود فعل
واعتبر وزير الخارجية الأميركي جون كيري إن ما تقوم به حكومة الأسد في حلب "ليس أقل من مذبحة". وقال إن الولايات المتحدة تسعى إلى وقف الأعمال القتالية في حلب بشكل فوري ودائم وقابل للتحقق. ودعا المجتمع الدولي إلى ممارسة الضغوط من أجل دفع العملية قدماً.
وقال الرئيس التركي رجب طيب إردوغان إنه ناقش خلال اتصال هاتفي مع الرئيس الاميركي باراك أوباما الوضع في سوريا والعراق.

وفي لندن، قاتل وزير الدفاع البريطاني مايكل فالون ان بلاده لا ترى "مستقبلاً للرئيس الاسد" في سوريا. ولاحظ أنه "حتى وان انتصر على المعارضة في حلب، ليس هناك انتصار في قصف مستشفيات أو تقييد وصول المساعدة الانسانية".

واعلن وزير الخارجية البريطاني بوريس جونسون انه "استدعى" سفيري روسيا وايران للتعبير عن "قلقه العميق" من الوضع في مدينة حلب السورية.
وفي نيويورك، يعقد مجلس الامن جلسة عاجلة اليوم بطلب من فرنسا للبحث في الوضع الانساني في حلب.
ويناقش الاجتماع التشاوري المغلق بعد ظهر الجمعة اعتباراً من الساعة 12:00 (17:00 بتوقيت غرينيتش) اجلاء آلاف المدنيين والمساعدات الانسانية لسكان حلب.

الاسد
أما الاسد، فقال في شريط مصور قصير نشرته صفحة رئاسة الجمهورية السورية في موقع "فايسبوك" للتواصل الاجتماعي: "أريد ان أؤكد ان ما يحصل اليوم هو كتابة التاريخ، يكتبه كل مواطن سوري... الشعب الحلبي بصموده، الشعب السوري بشجاعته وتضحيته وكل مواطن سوري وقف مع حلب ووقف مع بلده ووقف مع وطنه ووقف مع الحق. هذا بحد ذاته تاريخ يرسم الآن اكبر من كلمة مبروك".

الجامعة العربية تندّد
وفي القاهرة، ندد مجلس جامعة الدول العربية بما وصفه بالممارسات والعمليات العسكرية "الوحشية" التي تقوم بها حكومة الأسد وحلفاؤه ضد المدنين في حلب التي دمرتها الحرب.
ودعا المجتمع الدولي في ختام اجتماع على مستوى المندوبين الدائمين بالقاهرة إلى الضغط على دمشق لفتح ممرات إنسانية آمنة لإغاثة المدنيين في حلب.
وقال الوفد اللبناني إنه "ينأى بنفسه عن تأييد مشروع القرار... تمشياً مع سياسة النأي بلبنان عن الصراعات وعدم تدخل لبنان في الشؤون الداخلية للدول".


قوافل تخرج بجرحى ومقاتلين نحو إدلب

خرجت الأوتوبيسات وسيارات الاسعاف الأولى التي تنقل جرحى ومدنيين من آخر جيب في شرق حلب تسيطر عليه الفصائل المعارضة في المدينة، الأمر الذي يمهد لبسط سيطرة قوات النظام السوري على كامل مدينة حلب بعد أكثر من أربع سنوات من المعارك الدامية.

تحدث فريق "وكالة الصحافة الفرنسية" عن مشاهدته سيارات الاسعاف التي تنقل الجرحى وخلفها الاوتوبيسات الخضر وفيها مدنيون تتحرك من منطقة العامرية في جنوب شرق حلب لتعبر منطقة الراموسة في اتجاه مناطق سيطرة الفصائل المعارضة في ريف حلب الغربي.
وقادت القافلة سيارات تابعة للجنة الدولية للصليب الاحمر والهلال الاحمر العربي السوري.

وصرحت الناطقة باسم اللجنة الدولية للصليب الاحمر في سوريا انجي صدقي بان "13 سيارة اسعاف و20 حافلة تنقل جرحى ومدنيين قطعت خطوط التماس وهي متجهة حالياً الى ريف حلب الغربي". وأضافت أنه "يتوقع خروج نحو مئتي جريح مدني اليوم على دفعات".

وأفاد مراسل "وكالة الصحافة الفرنسية" في بلدة خان العسل بريف حلب الغربي ان عشرات من سيارات الاسعاف تنتظر في المكان لاستقبال الدفعة الاولى من الجرحى.

وأوضح مراسل آخر في منطقة تجمع المغادرين في العامرية ان الاوتوبيسات كانت مليئة بالناس، حتى ان هناك أشخاصاً جلسوا على ارضها وآخرين وقفوا داخلها نتيجة الزحمة الكبيرة. وأشار الى ان اعداداً هائلة لا تزال تنتظر دورها. وأضاف ان بعض المدنيين كانوا يبكون، فيما مقاتلون يودعون أفراد عائلاتهم المغادرين في الدفعة الاولى.

وبدا آخرون فرحين بخروج بعد حصار طويل ارهقهم، في حين وقف اشخاص مترددين في ركوب الاوتوبيسات خوفاً من اعتقالهم أو اجبارهم على الالتحاق بالخدمة العسكرية.

وتدخل هذه العملية في اطار اتفاق تم التوصل اليه في رعاية تركية - روسية لاجلاء مقاتلي المعارضة ومدنيين من آخر المناطق التي تسيطر عليها الفصائل في شرق حلب، اثر هجوم واسع لقوات النظام السوري على الاحياء الشرقية استمر شهراً. وستتيح مغادرة الفصائل المعارضة مدينة حلب للجيش السوري بسط سيطرته الكاملة على المدينة في انتصار يعد الاكبر له منذ بدء النزاع في سوريا قبل نحو ست سنوات.

وأعلنت كل من دمشق وموسكو صباح أمس عن التوصل الى اتفاق جديد لاجلاء المقاتلين والمدنيين من شرق حلب، بعد فشل تنفيذ اتفاق أول الاربعاء.

وقال الجيش الروسي في بيان: "سيخرج المسلحون في 20 أوتوبيساً و10 سيارات إسعاف ستسلك ممراً خاصاً في اتجاه ادلب" في شمال غرب البلاد والتي تسيطر عليها فصائل معارضة.
وأكد الجيش ان "السلطات السورية ستضمن سلامة كافة المقاتلين كافة الذين يقررون ترك احياء حلب الشرقية".

وقال مصدر قريب من السلطات في دمشق إن المفاوضات في شأن ترتيبات الإجلاء انتهت الساعة الثالثة فجر الخميس (1:00 بتوقيت غرينيتش)، مشيراً الى انه سيجلى أولا الجرحى وعائلاتهم و"250 ناشطاً" ضد النظام غير مسلحين.
وبث التلفزيون السوري الرسمي ان "أربعة آلاف مسلح مع عائلاتهم سيخرجون من الاحياء الشرقية بحلب".

كذلك، قال الفاروق أبو بكر من "حركة أحرار الشام" والمكلف التفاوض في شأن عملية الإجلاء إن الدفعة الأولى ستكون من "مدنيين وجرحى، والثوار سيخرجون بعد الدفعة الأولى أو الثانية".
ونص الاتفاق، استناداً الى المصدر السوري، على ان يجلى في مقابل عملية الاجلاء من حلب، جرحى ومرضى من بلدتي الفوعة وكفريا اللتين تحاصرهما فصائل المعارضة في محافظة إدلب.

ونقلت الوكالة العربية السورية للانباء "سانا" عن محافظ حماه محمد الحزوري انه تم "ارسال 29 اوتوبيساً وسيارات اسعاف وفرق طبية الى بلدتي كفريا والفوعة المحاصرتين في ريف ادلب لاخراج الحالات الانسانية وعدد من العائلات".

وأوضح مصدر ميداني سوري أن 1200 جريح ومريض وذويهم" وسيجلون من الفوعة وكفريا.
ويشرف الجيش الروسي على عملية الاجلاء عبر كاميرات مراقبة وطائرات استطلاع.
وعانى السكان في آخر جيب انحصر فيه وجود مقاتلي المعارضة خلال الفترة الاخيرة ظروفا مأسوية، وازداد الوضع سوءا بعدما وجدوا أنفسهم محاصرين بالنيران اثر تجدد المعارك ظهر الاربعاء بعد تعليق العمل باتفاق الاجلاء الاول.

وتكدس آلاف المدنيين في حي المشهد واجزاء من الاحياء الاخرى المحيطة به، بعضهم لا مأوى له، ويعانون الخوف والجوع والبرد.
واثار هذا الوضع مخاوف المجتمع الدولي، وخصوصا بعد تخوف الامم المتحدة من تقارير وصفتها بأنها موثوق بها تتهم قوات النظام بقتل عشرات المدنيين عشوائياً، بينهم نساء واطفال، في شرق حلب.