التاريخ: أيلول ٢٦, ٢٠١٦
المصدر: جريدة النهار اللبنانية
المواجهات تمتد من الأحياء الشرقية لحلب إلى مجلس الأمن
نيويورك - علي بردى
لم يكن أسوأ من الإتهامات القارصة في الجلسة الطارئة العاصفة لمجلس الأمن التي انعقدت أمس لمناقشة التصعيد العسكري الواسع في الحرب السورية، إلا مشاهد الدمار الكبير الذي أحدثته حتى الآن الحملة العسكرية للقوات النظامية السورية والميليشيات المتحالفة معها تحت وابل القوة النارية الضخمة للطيران الحربي الروسي، في محاولة لإسترداد الأحياء الشرقية لمدينة حلب، وسط تحذيرات أميركية وبريطانية وفرنسية من ان تصير المدينة غيرنيكا أخرى ومخاوف دولية من ارتكاب "جرائم حرب".

وعقد مجلس الأمن الجلسة الطارئة العلنية بطلب من الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا، بعدما أصدر وزراء الخارجية لهذه الدول جون كيري وجان- مارك ايرولت وبوريس جونسون، مع نظيريهم الالماني والايطالي فرانك- فالتر شتاينماير وباولو جينتيلوني والممثلة العليا للاتحاد الأوروبي للسياسة الخارجية والسياسة الأمنية فيديريكا موغيريني، بياناً مشتركاً شددوا فيه على أن "الصبر على عدم قدرة روسيا أو عدم إرادتها الإمتثال لالتزاماتها ليس غير محدود".

وحملت المندوبة الأميركية الدائمة لدى الأمم المتحدة السفيرة سامانتا باور بشدة على موسكو، قائلة إن الدعوة الى عقد الجلسة سببها "شن روسيا ونظام الأسد"، هجوماً شاملاً جواً وبراً على شرق حلب الذي تعرض لأكثر من 150 غارة طوال الساعات الـ72 الاخيرة، مما أدى الى مقتل 139 شخصاً على الأقل وجرح مئات آخرين، وتدمير ما تبقى من هذه المدينة الأيقونية في الشرق الأوسط". ورأت أن "ما تقوم به روسيا وما ترعاه ليس مكافحة إرهاب، إنه بربري".

وتحدث المندوب الروسي السفير فيتالي تشوركين فقال إنه "بالنسبة الى الأوضاع الإنسانية في حلب، كان يمكن أن تعود الى طبيعتها في آب، ولكن لم يسمح بذلك لأن المجموعات المسلحة حالت دون ذلك، وأرادت ضرب الممرات الإنسانية". وأضاف: "في سوريا المئات من الجماعات المسلحة التي يجري تسليحها... أراضي البلاد تعصف عشوائياً وإحلال السلام بات مهمة شبه مستحيلة الآن لهذا السبب".

حلب أشلاء بشرية وبرك دم ومبان سويت بالأرض 

استمرت الغارات الجوية السورية والروسية الكثيفة على مدينة حلب وعلى مخيم حندرات شمالها، بينما رأت المعارضة السورية ان العملية التفاوضية لم تعد مجدية مع دعم موسكو للقصف.

قتل 45 مدنياً على الاقل السبت في أحياء حلب الشرقية الخاضعة لسيطرة الفصائل المعارضة، والتي استمرت لليوم الخامس عرضة لغارات جوية كثيفة يشنها النظام وروسيا بعد فشل المحادثات الاميركية - الروسية في إرساء هدنة في البلاد.

وأفاد "المرصد السوري لحقوق الانسان" الذي يتخذ لندن مقراً له ان بين القتلى سبعة أشخاص كانوا من القلائل الذين خرجوا لشراء الغذاء وقتلوا في قصف بينما كانوا ينتظرون دورهم أمام أحد المخازن لشراء اللبن في حي بستان القصر.
وتحدث مراسل "وكالة الصحافة الفرنسية" عن أشلاء بشرية على الارض وبرك من الدم، بينما اكتظت العيادات بأعداد كبيرة من الجرحى.

وأعلنت الامم المتحدة ان مليوني شخص تقريبا يعانون انقطاع المياه في حلب، بعدما قصفت قوات النظام إحدى محطات الضخ وأوقفت الفصائل المقاتلة العمل في محطة أخرى تضخ نحو الاحياء الغربية الخاضعة لسيطرة قوات النظام، انتقاماً.
وقال مدير المرصد رامي عبد الرحمن إن النظام يستهدف خصوصاً حي بستان القصر حيث قتل سبعة مدنيين "لانه يريد إرغام السكان على الرحيل واستعادة السيطرة عليه".

وأورد مراسل "وكالة الصحافة الفرنسية" في الاحياء الشرقية من حلب ان حجم الدمار كبير وخصوصاً في حيي الكلاسة وبستان القصر إذ باتت بعض شوارعهما مغلقة تقريباً نتيجة انهيار الابنية.

وبات المتطوعون ذوو "الخوذ البيضاء"، أفراد الدفاع المدني في حلب الشرقية، مع كثافة الغارات، عاجزين عن التحرك وخصوصاً بعدما استهدفت الغارات صباحاً مركزين تابعين لهم، ولم تبق لهم سوى سيارتين للاسعاف.

وتجد سيارات الاسعاف صعوبة في التحرك بسبب نقص المحروقات والركام المتناثر على الارض الذي فصل الاحياء بعضها عن البعض وجعل بعض الطرق غير سالكة.
وتحدث سكان وناشطون في مواقع التواصل الاجتماعي عن "صواريخ جديدة" تسقط على حلب وتتسبب بما يشبه "الهزة الارضية".

وروى مراسل "وكالة الصحافة الفرنسية" ان تأثيرها مدمر، إذ تتسبب بتسوية الأبنية بالأرض وبحفرة كبيرة "بعمق خمسة أمتار تقريباً" شاهدها في بعض أماكن سقوط الصواريخ.

مخيم حندرات
وتحدثت مصادر في المعارضة والجيش السوري عن قصف القوات الروسية والسورية مخيم حندرات الاستراتيجي للاجئين الفلسطينيين على الأطراف الشمالية لمدينة حلب بعدما فقدت السيطرة عليه ليل الاحد.
وقالت المعارضة إن الجيش استخدم أسلحة أقوى في محاولة لاسترداد مخيم حندرات الواقع على مسافة بضعة كيلومترات شمال حلب على أرض مرتفعة تطل على الطرق الرئيسية المؤدية إلى حلب وكان خاضعاً لسيطرة المعارضة سنوات.

وصرّح قائد يدعى أبو الحسنين في غرفة عمليات المعارضة التي تضم الكتائب الرئيسية التي تقاتل لصد هجوم الجيش: "استعدنا المخيم لكن النظام أحرقه بالقنابل الفوسفورية... تمكنا من حمايته لكن القصف أحرق عرباتنا".

واعترف الجيش بأن المعارضة استعادت السيطرة على حندرات الذي كانت السيطرة عليه لفترة قصيرة السبت أول تقدم بري كبير للجيش في هجوم جديد لاسترداد حلب من أيدي المعارضة.
ونقلت وسائل الإعلام عن مصدر عسكري أن الجيش السوري يستهدف مواقع "الجماعات المسلحة" في مخيم حندرات.

ويوم الخميس الماضي ِأعلن الجيش بداية حملة عسكرية جديدة لاستعادة حلب وكثف الغارات واستخدام الأسلحة القوية ووصفت المعارضة تلك الحملة بأنها حملة ترويع تهدف إلى إضعاف الروح المعنوية.
وربما كان الهجوم على حلب التي يقبع فيها تحت الحصار أكثر من 250 ألف مدني كبرى المعارك في الحرب الأهلية التي سقط فيها مئات الآلاف من القتلى وشردت نحو 11 مليون سوري.
الى ذلك، اعلنت اللجنة الدولية للصليب الاحمر ان قافلة مساعدات انسانية تضم 36 شاحنة تمكنت السبت من دخول حي الوعر.

المعارضة
وفي مؤتمر صحافي في اسطنبول، ندد "الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية" السبت بـ"المجازر" التي يرتكبها النظام السوري وحليفه الروسي في حلب، مطالبا المجتمع الدولي بالتحرك لوضع حد لها.
وأمس، قالت فصائل المعارضة السورية الرئيسية في بيان إن القصف المكثف لمدينة حلب المحاصرة بدعم من روسيا يجعل عملية السلام "غير مجدية ولا معنى لها" ما لم يتوقف القتال فوراً ويسمح بوصول المساعدات في رعاية الأمم المتحدة.

ووقع البيان ما يزيد على 30 من فصائل المعارضة المسلحة ومنها "الجيش السوري الحر" أكبر فصائل المعارضة الذي تدعمه تركيا ودول الخليج ودول غربية.
وجاء في البيان أن القصف الذي قتل العشرات خلال الأيام الأخيرة "غير مسبوق" ويعرقل عملية السلام التي تتوسط فيها الولايات المتحدة والتي تسعى واشنطن وموسكو إلى معاودتها. وأكد "عدم قبول الطرف الروسي كطرف راع للعملية التفاوضية كونه شريكا للنظام في جرائمه ضد شعبنا". وأضاف أن القوات السورية المدعومة من روسيا تستخدم أسلحة محرمة دوليا "بما في ذلك النابالم والأسلحة الكيميائية وسط غياب أي توجه دولي واضح وفعال لوضع حد لجرائم الحرب الموثقة التي ترتكب بحق الشعب السوري".

المعلم
اما وزير الخارجية السوري وليد المعلم، فقد اتهم في كلمته امام الجمعية العمومية للامم المتحدة قطر والسعودية بارسال "آلاف المرتزقة المسلحين بأحدث الاسلحة" الى سوريا لمحاربة نظام الرئيس بشار الاسد.
وقال: "فتحت تركيا حدودها أمام عشرات الالاف من الارهابيين الذين قدموا من مختلف أصقاع الارض وقدمت لهم الدعم اللوجستي ومعسكرات التدريب باشراف الاستخبارات التركية والغربية". وأضاف: "اننا فى سوريا نحارب الارهاب نيابة عن العالم".

وقبيل لقاء في بوسطن السبت مع نظرائه البريطاني والفرنسي والألماني والإيطالي، اعتبر كيري أن الوضع في حلب "غير مقبول".
وقال إن "على روسيا أن تكون قدوة، وليس أن تشكل سابقة، سابقة غير مقبولة، للعالم أجمع إذا ما أمكنني القول".
والسبت، عبر الأمين العام للامم المتحدة بان كي - مون عن صدمته الشديدة من التصعيد العسكري "المروع" في مدينة حلب، معتبراً أن "الاستخدام المنهجي الواضح" للقنابل الحارقة والقنابل الشديدة القوة في مناطق سكنية قد "يرقى الى جرائم حرب".