بيروت - محمد شقير يرجح كثيرون من السياسيين اللبنانيين في مجالسهم الخاصة كفة تأجيل إجراء الانتخابات النيابية المقررة في موعدها الربيع المقبل، على إمكان إنجازها، لكنهم لا يملكون الجرأة على البوح بموقفهم خشية رد فعل هيئات المجتمع المدني ولجوء بعض الكتل النيابية إلى الانخراط في مزايدات لتخفي من خلالها رغبتها الحقيقية.
ويؤكد هؤلاء - وفق مصادرهم- أن لا مفر من تأجيل الانتخابات النيابية، وإنما في حالة واحدة هي ملء الشغور في رئاسة الجمهورية، باعتبار أن انتخاب رئيس يوفر الأسباب الموجبة للتأجيل، بذريعة أنه لا بد من إعطاء فرصة ولو لعام للرئيس العتيد ليكون له رأيه في قانون الانتخاب الجديد، لأن إقراره في ظل الشغور لا يعتبر نافذاً لإتمام الانتخابات. وتلفت المصادر إلى أن لا جدية حتى الساعة في إقرار قانون الانتخاب الجديد وإلا لماذا كل هذه المراوحة في تقاذف مسؤولية التأخير في إقراره بين اللجان النيابية المشتركة، سواء أكانت مصغرة أم موسعة، وبين هيئة الحوار الوطني الموسع، وهذا ما يؤدي طبعاً إلى تضييق الوقت الذي يسمح بإقراره.
وتسأل أيضاً هل ما زالت الفرصة سانحة أمام البرلمان لإقرار القانون الجديد قبل نهاية العام الحالي، خصوصاً أن الوقت الفاصل بين تعطيل التشريع في البرلمان وبين احتمال معاودته ضئيل، إلا في حال حصول معجزة سياسية ليست متوافرة في المدى المنظور، مع بدء العقد العادي للمجلس النيابي في أول ثلثاء بعد الخامس من تشرين الأول (أكتوبر) المقبل.
وتعتبر أن مجرد بدء العقد العادي سيفتح الباب أمام انتخاب أعضاء هيئة مكتب المجلس ومن ثم التحضير لعقد جلسة تشريعية لإقرار مجموعة من مشاريع واقتراحات القوانين ذات الطابع المالي، لأن هناك ضرورة لإقرارها لضمان تسيير عجلة الدولة بالحد الأدنى مع أنه لم يعرف ما إذا كان مشروع الموازنة العامة لعام 2017 سيقر أم سيصار إلى تجزئته بإدراج مجموعة من مشاريع القوانين، هذا في حال تم التوافق على عقد جلسة تشريع للضرورة، إضافة إلى التصديق على القانون الذي ينص على تبادل المعلومات مع الجهات الدولية في خصوص تبييض الأموال لمكافحة الإرهاب.
وترى المصادر عينها أن عجز اللجان النيابية المشتركة عن التوافق على قواسم مشتركة بدفع لإخراج قانون الانتخاب من لعبة شد الحبال، يعود إلى أن معظم الكتل النيابية تتريث في تحديد موقفها النهائي، وأن أقوالها في تأييدها هذا القانون أو ذاك تصطدم بعدم اتخاذ موقف نهائي من المشاريع المطروحة. وتسأل عن صمت معظم الكتل النيابية حيال إصرار نائب رئيس البرلمان فريد مكاري على تعليق اجتماعات اللجان النيابية، بذريعة أن القرار النهائي لا يعود لممثليها في الاجتماعات، إنما لمن بيدهم كلمة السر، وهيئة الحوار لم تحرك ساكناً لإنقاذ الموقف في داخل اللجان المشتركة.
العودة إلى المربع الأول
كما تسأل المصادر عن الأسباب التي حالت دون تدخل هيئة الحوار لإقناع بعض الكتل بتسهيل مهمة اللجان بعد أن صوَّت النواب فيها على حصر النقاش بالمشروعين الانتخابيين المختلطين، الأول لرئيس البرلمان نبيه بري وينص على المناصفة بين النظامين الأكثري والنسبي في توزيع المقاعد النيابية في مقابل المشروع المشترك لتيار «المستقبل» وحزبي «القوات اللبنانية» و «التقدمي الاشتراكي» وينص على انتخاب 68 نائباً وفق الأكثري و60 نائباً على النسبي. وتؤكد أن ممثلي بعض الكتل في اللجان المشتركة لم يلتزموا حصر النقاش في المشروعين المختلطين وقرروا العودة إلى المربع الأول، وكأن ما توصلت إليه اللجان لا يصرف في مكان. كما تؤكد أن التفاف هذا البعض على المشروعين برز جلياً في اصرار حزب «الكتائب» على اعتماد الدائرة الفردية، وأيضاً في تمسك «تكتل التغيير والإصلاح» بالمشروع الأرثوذكسي مع انفتاحه على المختلط من دون أن يلتزم به ما لم تتوضح عناوينه التنفيذية، إضافة إلى دفاع «حزب الله» عن مشروعه بجعل لبنان دائرة انتخابية واحدة تجري فيها الانتخابات على أساس النسبية مع موافقته على أي مشروع يتفق عليه الرئيس بري و «تكتل التغيير».
ويضاف إلى ذلك لجوء بعض الكتل الصغيرة إلى الدفاع عن مشروع «حزب الله»، وإن كان الأخير لا يمانع في اعتماد المشروع الذي أعدته حكومة الرئيس نجيب ميقاتي بتقسيم لبنان إلى 13 دائرة انتخابية شرط تطبيق النسبية بالكامل، مع أن من وضعه لم يدافع عنه، ما حال دون طرحه في اجتماعات اللجان وبالتالي كان استحضاره من باب المزايدة للعودة إلى المربع الأول.
وتلفت المصادر أيضاً إلى أنه من السابق لأوانه الرهان على عودة التشريع إلى البرلمان، لأن «تكتل التغيير» اختار في اجتماعه الأخير محطتين للتحرك: الأولى تتلازم مع الدعوة إلى عقد جلسة نيابية في 28 الجاري لانتخاب رئيس جديد، والثانية مع ذكرى إطاحة العماد ميشال عون من قصر بعبدا في 13 تشرين الأول 1990.
وتعتبر أن عون اختار هذا التوقيت ليخاطب حلفاءه قبل خصومه، بأن لا مفر من انتخابه رئيساً وإلا الفوضى، وتقول نقلاً عن قطب نيابي إنه في إصراره على موقفه سيدفع البلد إلى الانتحار، وهو بذلك يهدد بخيارات سياسية غير مألوفة كان لجأ إليها رئيس «القوات» الرئيس الراحل بشير الجميل عاد عنها فور انتخابه رئيساً.
ويؤكد القطب النيابي أن من يحاول أن يقدم نفسه على أنه -بشير الثاني- سيكتشف أنه يائس من الوصول إلى الرئاسة وسيصطدم بالقوى المحلية اللبنانية وأيضاً بالمجتمع الدولي، لأن لا حياة لمشروع تنبعث منه روائح الفيدرالية أو الكونفيدرالية. ويضيف أن تعاطي «تكتل التغيير» في الشأن العام بدأ يقلق الجميع، حتى مَن رشح عون للرئاسة، لأن البلد لم يحتمل وجود وزيرين لـ «التيار الوطني» في حكومة الرئيس تمام سلام فكيف سيحتمل وصول مؤسسه إلى الرئاسة؟
التأهيل إدارياً وترشحاً واقتراعاً
ويعلق قطب آخر على قول وزير الخارجية جبران باسيل، أن «تكتل التغيير» لن ينتخب رئيسكم (في إشارة إلى «المستقبل») إذا لم تنتخبوا رئيسنا - أي العماد عون -، ويقول إن التسليم باللعبة الديموقراطية يبقى الأساس ولا بد من الاحتكام إلى النواب فلا تأخذ هذه اللعبة بمبدأ التعيين أو المقايضة، ومن يؤمن بالديموقراطية عليه أن يذهب إلى البرلمان لانتخاب رئيس بدلاً من أن يصر على مقاطعة الجلسات إلا بشرط تعيين «الجنرال» رئيساً.
لذلك، يحصر «تكتل التغيير» تحركه -كما تقول مصادر وزارية- تحت سقف إعداده لخطتين: «أ» و «ب»، الأولى تتعلق بتمسكه بالميثاقية كما يراها من وجهة نظره كممر وحيد لعون للوصول إلى الرئاسة على أن يلجأ إلى الخطة الثانية في حال اصطدم بحائط مسدود يعيق انتخابه، وفيها الدعوة إلى إجراء انتخابات نيابية على أن يُترك للبرلمان الجديد انتخاب الرئيس...
إلا أن إصرار عون على التحرك دفاعاً عن «الميثاقية» لا يلقى التجاوب المطلوب من «القوات» التي قد تشاركه في التحرك تحت بنود المطالبة بوضع قانون انتخاب جديد.
ولم تستبعد مصادر وزارية ونيابية في مجالسها الضيقة احتمال تأجيل الانتخابات النيابية لعام واحد لعل متغيرات تحصل قبل انتهائه، لمصلحة الإسراع في انتخاب الرئيس مع أن وزير الداخلية نهاد المشنوق لا يترك مناسبة إلا ويؤكد فيها أن الانتخابات في موعدها. كما أن المصادر نفسها تعتبر أن اعتماد قانون الانتخاب المختلط لا يتم بين ليلة وضحاها لأن هناك حاجة إلى إعداد الجهاز الإداري في الداخلية ليستطيع التحضير لمثل هذا القانون الذي يُعمل به للمرة الأولى. وتضيف أن هناك حاجة إلى فترة من السماح تتطلب تأجيل إجراء الانتخابات لتأهيل الناخبين للتصويت على أساس المختلط، إلا إذا كان البديل العمل بالقانون النافذ حالياً، أي «الستين» الذي يلقى حتى إشعار آخر معارضةً، إذا لم تقرر الغالبية التعاطي معه كأمر واقع.
وتؤكد أن تطبيق القانون المختلط إدارياً واقتراعاً وترشحاً لن يتم بكبسة زر، وكثر من المرشحين الذين يروجون له لا يلمون بجميع تفاصيله وهم في حاجة لمرحلة تأهيل، وأن ركوبهم الموجة لا يخفي حاجتهم إلى أشهر للإلمام به، بالإضافة إلى أن المبارزة في المواقف بين مؤيد له ومعارض تأتي في الوقت الضائع طالما أن القانون غير موجود، وينطلقون في تأييدهم إياه من الرغبة في حجز مقاعدهم في البرلمان وليس انطلاقاً من حرصهم على تأمين صحة التمثيل وهذا ما يميز هيئات المجتمع المدني عنهم، التي تنشد الوصول إلى قانون عصري على قياس الوطن وليس بحجم هذا الطرف أو ذاك، الذي يبني موقفه من القانون العتيد على أساس تكبير حصته في البرلمان أو استرداد بعض المقاعد النيابية التي خسرها في السابق.
|