التاريخ: كانون ثاني ١٩, ٢٠١١
المصدر: جريدة النهار اللبنانية
 
"ثورة الياسمين" ليس لها تأثير الدومينو!

دفعت الثورة الشعبية التي أطاحت نظام الرئيس التونسي زين العابدين بن علي أشخاصاً كثيرين الى القول إن هذه الاحداث ستشكل محفزاً لموجة من الديموقراطية في العالم العربي. وأساس الفكرة هي أنه سيكون للاحداث في تونس تأثير قوي (بدعم من أشكال مختلفة من وسائل الاعلام)، مما سيدفع جماعات أخرى مستاءة الى الانتفاض وتحدي الديكتاتوريات السفيهة في دول مثل مصر وسوريا على غرار الثورات المخملية في أوروبا الشرقية، وربما الثورات الملونة المختلفة في أماكن مثل أوكرانيا وجورجيا.


والواقع ان تاريخ الثورات العالمية يوحي بأن هذا النوع من الثورات المتتالية هو نادر جداً، وحتى عندما تحصل عدوى كهذه، فانها تجري على نحو بطيء نسبياً، ويرافقها غالباً غزو أجنبي علني.
لم تشعل الثورة الفرنسية ثورات متعاطفة في أوروبا. صحيح أن ملكيات عدة أطيحت، لكن أكثر ذلك حصل بحراب الجيش الفرنسي. وعلى رغم خوف كثيرين من احتمال انتشار البولشفية في أوروبا بعد 1917، لم يبد في الواقع أنها كانت معدية، ولم تنتشر الشيوعية الدولية قبل الحرب العالمية الثانية، ومجدداً بدعم كبير من الجيش الاحمر (أو على أيدي شيوعيين محليين مثل ماو تسي تونغ)، وبعد عقود من الحرب الاهلية.


كذلك لم تثبت الثورة الايرانية عام 1979 أنها معدية في شكل خاص. وعلى رغم بروز متعاطفين معها في أماكن عدة (مثل لبنان)، لم تظهر موجة من الثورات على الطراز الخميني في السنوات الثلاثين الاخيرة.


تشكل الثورات المخملية في أوروبا الشرقية استثناء، ولكن خصوصاً لأن دول اوروبا الشرقية التي كانت تدور في فلك الاتحاد السوفياتي، كانت تعتمد على تهديد الاتحاد السوفياتي لابقاء أنظمتها الاصطناعية في السلطة. ومع فقدان حجر الزاوية المشترك للقوة السوفياتية صدقيته، تساقطت كل أحجار الدومينو واحداً تلو الاخر.


لكن هذا ليس حال العالم العربي. فمع أن أكثر الحكومات العربية مستبد، فانها كلها مستقلة وتعتمد على خليط مختلف من المؤسسات والتدابير السياسية لابقاء حكامها في السلطة. وليس كافياً أن يكون بن علي سقط أمام التحدي وأطيح من السلطة، للقول إن زعماء عرباً آخرين سيعجزون عن تحويل التحديات لحكمهم أو قمعها أو ردعها.


ثمة ثلاثة أسباب أخرى تدفع الى استبعاد أن يؤدي النموذج التونسي الى اضطرابات مماثلة في أماكن أخرى. أولاً، من الصعب قراءة القدرة الثورية الحالية لاي مجتمع سلفاً، وغالباً ما تعتمد موجة ثورية متصاعدة على خيارات محددة جداً وتأثير المعلومات داخل المجتمع. بكلام آخر، ان امكان نشوب ثورة حقيقية واكتسابها زخماً هو عملية مشروطة الى حد كبير. وثانياً، تبعث تونس باشارة تحذيرية واضحة الى ديكتاتوريات العالم العربي التي ستلزم الحذر في الاشهر المقبلة، خوفا من بروز موجات ثورية مماثلة. وثالثاً، قد لا تبدو التجربة التونسية جذابة جداً في الاسابيع أو الاشهر المقبلة، وخصوصاً إذا أدى انهيار النظام الى فوضى واسعة وعنف ومشقات اقتصادية. فاذا حصل هذا، قد تبدو الشعوب المضطربة في أماكن أخرى أقل حماسة لتحدي الزعماء غير الشعبيين، بحجة أن "حكوماتنا تمتص، ولكن هذا أفضل من عدم وجود حكومة بتاتاً".


ليس كل هذا للقول إن سقوط أنظمة أخرى مستحيل، وأنه لن يكون للاحداث في تونس تأثير طويل الامد على النقاش السياسي في أماكن أخرى، أو أن ما حصل ليس مؤشراً  لتطلعات  ديموقراطية يمكن أن تؤتى ثمارها قريباً. ولكن في الواقع يمكن أن تستغرق عملية كهذه وقتاً طويلاً، واذا كنتم تتوقعون تحولاً سريعاً في العالم العربي بعد تلك الاحداث، فانكم على الارجح ستخيبون.

عن "الفورين بوليسي"