التاريخ: كانون ثاني ١٨, ٢٠١١
 
عن ثقافة الاحتجاج في الأردن... وحكومة وبرلمان اضطرا للاستجابة

الثلاثاء, 18 يناير 2011

حسن البراري


بات واضحاً أن الشعب الأردني لم يعد يطيق الارتفاع الحاد في الأسعار الناتج عن سياسات حكومية خاطئة، ساهمت في تعميق الهوة بين الغنيّ والفقير وفي دفع أعداد كبيرة من الأردنيين تحت خط الفقر، ناهيك بارتفاع معدلات البطالة بعد فشل الحكومات في التصدي لهذه الآفة التي تعد مواجهتها ومعالجتها أولوية عند قطاع واسع من الأردنيين، كما تفيد بذلك استطلاعات الرأي المختلفة.

وأخطر ما في الأمر أن هناك أزمة ثقة شعبية في الحكومات لم يعد ممكناً إخفاؤها، على قاعدة أن الثقب أكبر بكثير من الرقعة، وربما لن تفلح جهود حكومة سمير الرفاعي في التأثير في الإعلام ليتوقف عن نقل واقع ثقيل يعيشه الأردنيون فترة طويلة، ولم يعد بوسعهم تحمل مزيد من الأعباء بسبب الأزمة الاقتصادية الطاحنة التي ما زال يترنح تحت شدة وطأتها.

 

ويا ليت الأمر توقف عند أزمة ثقة بهذه الحكومة أو تلك، بل طاول البرلمان الذي تماهى وما زال مع حكومة غير شعبية، فالبرلمان منح ثقة غير مسبوقة وصلت إلى 111 صوتاً من أصل 119، والشارع الأردني لم يعد أيضاً يثق بالبرلمان السادس عشر الذي أخفق لغاية الآن في الدفاع عن مصالح الشعب أمام ما يراه البعض استخفاف حكومة سمير الرفاعي بالواقع على اعتبار أن الشعب ليس مصدراً لشرعيته. وإذا كان هذا هو الواقع، وهو كذلك، فلم يعد أمام الأردنيين وبخاصة الجياع منهم، إلا أن يتجهوا إلى الشارع للتعبير عن سخطهم على ما آلت إليه الأوضاع، آملين أن يتدخل الملك ويضع حداً لاستخفاف السلطتين التنفيذية والتشريعية بواقع حال الأردنيين.

 

والاحتجاج الجديد في الأردن أخذ شكلاً له علاقة بالفئة العمرية من المحتجين، فهم شباب غير مسيسين وليس حزباً ما أو صالوناً سياسياً ما أو طرفاً خارجياً يقف خلف خروج الأردنيين إلى الشارع للتعبير، ليس عن مطلب سياسي، بل فقط للرحمة بشريحة واسعة أصبحت تشتاق إلى رغيف الخبز.

 

واللافت أن الحكومة الأردنية ضعيفة ولا تستطيع أن تأتي بحلول معقولة وليس بوسعها مواجهة الشارع، لهذا اضطرت للاستجابة لهذا الشكل الجديد من الاحتجاجات السلمية بتقديم تنازلات لم تكن ترغب بها قبل وقت قريب، وقد استشعر الملك الأمر والخطر الذي يحيق باستقرار الوطن، وأمر الحكومة بالتصرف في شكل يخفف من وطأة الأزمة، وهو ما تقوم به الحكومة الآن، لكن ما زال الكثيروين يعتبرون ذلك غير كافٍ مطالبين برحيل حكومة الرفاعي التي جاءت بمجلس نيابي لا يمثل هموم الأردنيين، وربما سنشهد أيضاً في الأيام القليلة المقبلة من يطالب الملك بحل البرلمان الضعيف والهش.

والراهن أن مشكلة الأردنيين لا يحلها رحيل حكومة أو حل برلمان فقط، بل يتطلب الأمر إجراءات سياسية من نوع مختلف عما شاهدناه في سابق الأيام، صحيح أن الفريق الاقتصادي باع الدولة للقطاع الخاص ولم يعد بوسعها الاستمرار بالإنفاق كما كان في السابق بسبب شح الموارد، لكن الصحيح أيضاً أن الشعب كان غائباً بالكامل عن هذه السياسات ولم يشارك في صوغها وفي كل مرة كان هناك برلمان لم يكن ممثلاً للشعب، وقرار عدم تمثيل البرلمان للشعب ولحقيقة هموم الأردنيين كان قراراً سياسياً يختلف المراقبون على مصدره.

 

المطلوب اليوم إصلاحات سياسية حقيقية وليس على طريق المحاصصة، كي يكون هناك توازن سلطات بالمعنى الحقيقي يمنع التفرد بالقرار بعد الكارثة الاقتصادية التي حلت بنا إثر تفرد الفريق الليبرالي بمقدرات البلد، وقد رأينا النتيجة الكارثية لسياسات ذلك الفريق الذي يجب أن يحاكم بدلاً من أن يكافأ في مواقع مرموقة، منها مجلس الملك!

 

لم يوفق الليبراليون في خلق اقتصاد مزدهر عندما روّجوا لأن ترفع الدولة يدها عن النشاط الاقتصادي، وانكشف ضعف موقفهم مع رحيل إدارة بوش التي كانت تقف معهم وبخاصة في ظل هستيريا الحرب على «الإرهاب» وما رافقها من فساد وإفساد ساهمت فيه إدارة بوش وانعكس على مناطق واسعة في المنطقة وبخاصة حلفاء أميركا في حربها على «الإرهاب». نعم لم يوفق الليبراليون الذين كانوا يؤكدون أن الإصلاحات السياسية تعيق الإصلاحات الاقتصادية، في وقت من المفترض أن تكون الأولوية للاقتصاد. ورأينا في نهاية الأمر كيف أن «العبقرية» هذه جلبت على الأردن كوارث اقتصادية ولم تساهم قيد أنملة في الإصلاح السياسي المنشود الذي كان كفيلاً بخلق التوازنات السياسية والتوازنات بين السلطات وتمنع التفرد والشمولية.

 

هنا في الأردن تيار سياسي وطني له صدقية عالية يرى أن الليبراليين ساهموا وبقوة في إفقار الأردن الذي ترتفع مديونيته، وعلى نحو لافت لا يلمس الشعب الأردني «عوائد» البيوعات التي تمت في سنوات سابقة، ولم تنجح مراهانات الليبراليين على حلول سياسية إقليمية للقضية الفلسطينية بصرف النظر عن تأثيرها في الخطوط الحمر التي رسمها الملك في غير مناسبة، والنتيجة هي إفلاس هذه الجماعة وخروجها من الحكم وتنفس الكثيرون الصعداء لهذه النتيجة آملين في أن تتغير الظروف.

 

الشارع الأردني ملّ اللعبة بكامل لاعبيها ولم يعد ينظر إلا إلى الملك ليتدخل بعد أن تبين للقاصي والداني أن المشكلة لا تكمن فقط في غياب إرداة سياسية للإصلاح وإنما في النخب السياسية بمختلف تلاوينها، إذ لا يوجد بالفعل من يمكن وصفه بالديموقراطي، وقد ساهم هؤلاء في شكل مختلف وبدرجات مختلفة في تعزيز الأمر الواقع الذي يدعي الجميع أنهم يريدون تغييره! ولن يختلف الأمر حتى تترك للشعب حرية اختيار ممثليه من دون تدخل وحتى تتغير آلية تشكيل الحكومات بحيث تصبح تمثيلية وتستجيب لنبض الشارع.

 

أمام هذا المشهد السوريالي يتحرك الشارع الأردني بعد أن فقد الثقة بحكومة سمير الرفاعي وبعد أن فقد الثقة بمن كان من المفروض أن يكونوا «ممثلين» لهم، إذ تحول كثيرون منهم إلى ممثلين ربما تستقطبهم هوليوود في يوم من الأيام!

 

باختصار لم يعد بالإمكان أن يستمر الوضع الراهن وستكون تكلفة التغيير أعلى في الآتي من الأيام إن لم نبدأ اليوم قبل غد في إصلاحات سياسية لنرى عندها إن كان كثيرون من الوزراء ورؤسائهم سيبقون في مواقعهم أم سيتحولون إلى ناخبين عاديين وهو الأرجح. باختصار، ثقافة الاحتجاج السلمي جديدة وستؤسس لممارسات سياسية مختلفة عما شاهدناه من أحزاب فاقدة للصدقية ومؤسسات مجتمع مدني ليس لها همّ سوى جمع المال، فقد كشفت حركات الاحتجاج الشعبي أن كلاً من الحكومة والأحزاب والبرلمان ومؤسسات المجتمع المدني معزولاً عن نبض الشارع.