التاريخ: كانون الأول ٢٠, ٢٠١٥
المصدر: جريدة الحياة
مصريون في ذكرى «يناير» لا يطيقون سماع كلمة «ثورة»
القاهرة - أمينة خيري 
ينقسم المصريون اليوم، مع اقتراب ذكرى ثورة يناير (كانون الثاني) 2011، إلى نوعين. الأول، هم هؤلاء «المكملون» على نهج الثورة و «المنقلبون» على كل ما هو تابع للدولة و «المصممون» على التمسك بما يرونه حقاً و «الغاضبون» من كل من يعارضهم. والثاني، هم أولئك «القاعدون» في مكانهم و «السائرون» على نهج الدولة و «المدافعون» عن كل ما يرونه خيراً واستقراراً لبلادهم وكل ما يبعدها من مصير دول أخرى في المنطقة. وهذا النوع الثاني من المصريين لا يبخل في التعبير عن غضبه من أصحاب النوع الأول، إن لم يكن من خلال «التنكيت» العنكبوتي فبالحشد الإعلامي، وإن لم يكن هذا أو ذاك فبملايين المصريين الذين إن سمعوا سيرة الثورة أو شعوراً ببوادر فورة أو حتى سُئلوا عن رغبة في التغيير أو مشاركة في إطلاق النفير سينفثون عن ضغوطهم ويعبّرون عن نفورهم بما لا يحمد عقباه.

عقب صعود أحدهم في عربة المترو المتخمة بحمولتها البشرية ووجوهها المثقلة بهموم لا تُعد أو تحصى، وتجاذبه أطراف الحديث مع أقرانه ملمحاً إلى أن الشعب إن كان مصراً على التغيير ولم ينس أحلام التعديل، فالميدان ما زال موجوداً والآمال ما زالت معقودة وأن يناير لم يعد بعيداً، تصاعدت همهمات وتعالت وشوشات تتباحث في هوية الراكب. قال أحدهم للآخر: «باين عليه إخوانجي»، فرد عليه الآخر: «لا ده عبيط». فأفتى ثالث: «ربما يكون أمنجي (من أجهزة الأمن) ومهمته قياس الرأي العام».

قياس الرأي العام المصري إن كان مستعداً أو ينوي أو يفكر أو لا يمانع في ثورة جديدة في الذكرى الخامسة لثورة يناير، لا يجري عادة بهذه الطريقة. وحتى قياس «المركز المصري لبحوث الرأي العام» («بصيرة»)، الذي أصدر نتائج استطلاع تشير إلى أن 54 في المئة من المصريين يرون ما حدث في كانون الثاني 2011 ثورة، في حين يعتبرها 26 في المئة مؤامرة سواء ضد العرب أو بغرض تحطيمهم، واثنين في المئة يرونها «ربيعاً»، و12 في المئة لا يعرفون، فإن هذه النتائج لا تُعد معياراً لما هو متوقع في كانون الثاني 2016.

فبين تصريحات رسمية لكن تنطلق بصفة شخصية، وتنويهات عنكبوتية تؤخذ من منطلقات شعبية، وتلميحات وزارية تؤشر إلى توجهات حكومية، وأحاديث هامشية لا يمكن إلا أن تكون جوهرية، وتحركات إخوانية تتمنى أن يصبح الحلم حقيقة، يمكن تصوّر المزاج العام في مصر في شأن ذكرى يناير السادسة.

ذكرى يناير السادسة تلوح في الأفق، بينما الغالبية العظمى من المصريين قد عادت إلى كنباتها أو انتظاراً لفرج اقتصادي يتمنون أن يكون قريباً أو قناعة بأن ما يجري في المنطقة درس قاس لكل من يتفوه بكلمة ثورة أو تغيير. لكن الصوت العالي والمشهد البارز والضوء الشارد، لا تركز على هذه الملايين لأنها باتت «عادية» وأحلامها أصبحت «اعتيادية».

وكما اعتاد «التحالف الوطني لدعم الشرعية ورفض الانقلاب» (لسان حال جانب مما تبقى من جماعة الإخوان المسلمين)، والذي انطفأ نجمه وخفت ضوؤه، يكثف هذه الآونة دعواته الثورية ومناشداته المليونية وتوسلاته الإسلامية للنزول والثورة وكسر الانقلاب وعودة الإخوان. أيام معدودة شهدت إطلاق أسابيع ثورية متصلة بين «ثورة حتى النصر» و «ثورة الكرامة» و «نحمي الثورة نحمي الشرعية»، وأخيراً «اتحدوا تنتصروا». التحالف يحلم بـ «موجة ثورية هادرة تشق جدران الانقلاب»، ويؤكد أن «الميادين تنتظر الثوار والشهداء ينتظرون القصاص والسجناء ينتظرون التحرير»، ووفق ما علّق أحدهم: «المصريون ينتظرون نزولكم حتى تكون فضيحتكم بجلاجل»، أو كما أورد آخر: «فرصة حلوة لنجمعكم في مكان واحد»، وغيرها من التعليقات المختلطة فيها السخرية برفض فكرة النزول.

بين «نازلين» و «نازل ولا متنازل» و «إنزل» وكل تصريفات كلمة «نزل» وغيرها من عناوين تدعو أو تجس نبض أو تستنفر البعض، عناوين لمئات الصفحات العنكبوتية التي تظهر شعبيتها من خلال عدد متابعيها ومحبيها الذي لا يتجاوز العشرات. وفي المقابل، مئات الصفحات الأخرى التي تهدّد وتتوعّد حيناً، وتسخر وتنكّت حيناً آخر، وترفض وتندّد دائماً بأي دعوة من دعوات النزول الى الميدان في ذكرى ثورة يناير. هؤلاء في مواجهة أولئك، أو أولئك في تصادم مع هؤلاء، لكن يظل الحكم الأخير لقواعد المصريين.

المصريون المتضررون من ضغوط حياتية متواترة ومشكلات اقتصادية واجتماعية متتالية، تحاول جهات وكيانات شتى خطب ودّهم ودغدغة مشاعرهم واستغلال أوجاعهم لمصلحة هنا أو منفعة هناك. فبين مصالح قومية عليا وأهداف مصرية عظمى تحتم عليهم تنمية سعة الصبر وتوسعة سعة الصدر لأن الفرج الاقتصادي قريب وإن كان عسيراً، وأخطار الخارج كثيرة وأوضاع الداخل مقيتة، ومصالح جماعات مبعثرة وأهداف إسلام سياسي مبعثرة تحتّم على الرموز والكوادر محاولات بائسة يائسة لاستقطاب الغاضبين وجذب المنهكين، وأحلام ثورية متبخرة وأهداف تغيير أفلاطونية ذهبت ومعها روح الميدان الهادرة، لم يتبقّ إلا اختيار المصريين الذي يبدو أنه يميل إلى العودة إلى الكنبات، وإن كانت عودة يتجاذبها قدر أكبر من الأوجاع الاقتصادية والانكشافات السياسية وأيضاً الآمال المؤجلة.