التاريخ: كانون الأول ١٣, ٢٠١٥
المصدر: جريدة الحياة
مصر: برلمان 2015 يفجّر مشاعر شعبية تجاه ثورة مضت
القاهرة – أمينة خيري 
الغزل، بنوعيه الصريح والعفيف، عمره قصير. وما كان بالأمس انصهاراً واندماجاً بات اليوم مصحوباً بـ «لكن» أو مذيلاً بـ «إلا أن».

سقطت المجاملات، وتوارت الانتقاءات، وتقهقرت التوازنات، وتقلصت الاضطرارات، وعلت أصوات المجاهرين والمجاهرات بمكنون الأنفس ومضمون الأدمغة ومخبوء القلوب، ولم يعد «إللي في القلب في القلب»، بل بات ما في القلب ملء السمع والأبصار وصفحات الجرائد واجتماعات المكاتب العليا للأحزاب وقعدات بعد منتصف الليل، حين تسكت الفضائيات عن الكلام المباح ويجاهر النواب بالمباح والمستباح.

برلمان 2015 قد لا يكون برلماناً تاريخياً، حيث الانعكاس لقوى تمثل فئات الشعب ورموز تترجم كل آمال المصريين كافة. كما أنه لن يكون برلماناً جغرافياً حيث الانطواء على مناطق مصر كافة وتمثيل لشتى الطبقات والنوعيات. لكنه البرلمان الأكثر قدرة على المصارحة والمكاشفة والمسارعة في الحديث عن المجروح وكشف المستور.

المستور الثوري الذي تحول بعد خمس سنوات من ثورة الـ «عيش حرية عدالة اجتماعية» جاهر به مواطنون عاديون قبل أن ينطق به سياسيون وإعلاميون وخبراء استراتيجيون ومحللون تكتيكيون. فالمصريون الذين فاض بهم كيل الهموم وبلغ بهم سيل العراقيل زبى القلاقل والفترات الانتقالية والمراهقات السياسية أرادوا أن يخرجوا مما هم فيه بمداواتها بالتي كانت هي الداء.

داء نواب برلمان 2012 عولج بعقاب جماعي لـ «حزب النور» السلفي الذي خرج من الانتخابات خالي الوفاض اللهم إلا الـ12 مقعداً التي نجا بها. حتى نواب «لا للمحاكمات العسكرية» و «يسقط حكم العسكر» و «الثورة مستمرة» و «مكملين» لم يجرؤ أي منهم على الاقتراب من مداخل البرلمان فما بالك بقبته.

«المزاج العام الحالي ليس مستعداً لأي احتجاجات أو انتفاضات أو احتكاكات. الناس هاين عليها تسلم الرئيس مفاتيح أدمغتها». قالها الرمز الثوري المحبط المصدوم في جلسة خاصة جمعته وعدداً من المثقفين والمهتمين بالشأن العام، لا سيما الثوري. فرد عليه رمز ثوري آخر: «مش قادر أصدق أن هذا الشعب هو من ثار على الظلم والفساد والطغيان في يناير 2011. طالما الشعب هانت عليه نفسه، فلو أحضرنا له فرقة حسب الله فلن تقوم له قومة ثورية».

حديث الثورة والحنين لها والبكاء على أطلالها تحول هذه الأيام إلى حديث شبه سري. وإذا كانت جدران الغرافيتي توقفت تماماً عن شخابيط إسقاط النظام وإحلال العدل والحريات، وباتت دعوات الوقفات ورسائل الاحتجاجات تقابل إما بصمت الازدراء أو صياح الاتهام بالعمالة والخيانة وفي أقل تقدير الجهالة والغمامة، فإن حلقات الحوار والنقاش بأنواعها وفئاتها تصول وتجول في أحوال البلاد الداخلية، وتمني عدم اللحاق بجاراتها الخارجية، والتضرع للسماء من أجل انفراجة سلوكية وربما انفتاحة اقتصادية.

أما حكاية الثورة ومطالبات يناير ومصادمات العسكر والإخوان ومحاولات التلويح بثورة قريبة أو غمة شديدة أو تغييرات سياسية عميقة، فلا يعرج إليها أحد باستثناء مَن لا يزال في قلبه هوى إخواني أو يستهويه هوس حقوقي أو يعتريه ولع ثوري.

ثورة يناير لم تعد في البال أو الحسبان. ومن كان يعتريه الحرج أو يتملكه الحذر بالأمس خوفاً من أن يذكرها بسوء، يفاخر اليوم بوصمها بـ «النكبة» ووصفها بـ «النكسة» وإلصاقها بـ «الوكسة». البسطاء الذين بنوا مخزونهم السياسي وكونوا بنكهم المعرفي في ضوء الحراك السياسي المتفجر من رحم ثورة يناير انقلبوا عليها بعدما تعلقوا بها وتشعلقوا بشعاراتها. من سائق الأجرة «الذي لم يجن إلا خراباً منها حتى وإن كانت نيتها حسنة» إلى المرشد السياحي الذي تحول إلى التدريس «بعدما تعلقت بذيلها قوى الشر والتطرف مجهزة على قطاع السياحة» إلى بائعة الجرجير التي كانت تمضي أياماً دون أكلة ترم بها أبدان صغارها أيام مبارك لكن فرشتها كانت آمنة، وبعد الثورة مازالت الأكلة إياها عصية لكن مع إضافة خطر التفجير أو التفخيخ المحدق بالفرشة التي كانت آمنة، لا يذكر أحد الثورة بخير، إلا في ما ندر.

ونادراً ما كان الساسة أو الشخصيات العامة يجاهرون بمواقفهم من ثورة يناير، حتى بات مسمى «25- 30» (في إشارة إلى تكامل ثورتي يناير ويونيو) يتم ترديده من قبيل المجاملة ومنع المجاهرة بالتشكيك في يناير أو التقليل من رموزها.

واليوم انقلب سحر يناير عليها، وخرجت نتيجة البرلمان الوليد ليست تاريخية أو جغرافية أو مثالية، لكنها نتيجة كاشفة معرية لعلاقة حب– كراهية أو ربما هي صدمة المحب في المحبوب أو لطمة المحلق بحلمه تتكشف في برلمان 2015. فمن مسؤولين في حملة الفريق أحمد شفيق الرئاسية، إلى رموز مباركية عائدة، إلى كوادر شرطية وعسكرية سابقة، إلى متعهدي تسريبات ومكالمات فاضحة، إلى أسماء غامرت بمعاداة الثورة قبل سنوات، فإذ بها تتحول إلى نجوم بازغة ومصادر معتمدة يعتد بها وبتقييماتها في برلمان 2015 الكاشف المكاشف المجازف بتعرية الآراء وحقن المتحرجين بترياق شجاعة المجاهرة.