لم يترك رئيس "تيار المردة " النائب سليمان فرنجيه المعروف بصراحته المجال واسعاً امام التكهنات المتصلة "بترشيحه وترشحه"، فحوّل الجولة الحادية عشرة للحوار الوطني في عين التينة منصة أولوية للتلويح بجدية هذا الترشيح. بدا فرنجيه في جولة حوارية، كانت المفارقة التي واكبتها أنها غيّبت الملف الرئاسي غياباً تاماً، "النجم المرشح" الذي أحيط بإغراق إعلامي، فيما كانت الجولة المغلقة للحوار تشهد سلسلة خلوات "على الواقف" عكست المناخ السياسي "المضطرب" حيال كل معالم تداعيات "اللقاء السري" بين الرئيس سعد الحريري وفرنجيه الأسبوع الماضي في باريس، وما استتبعه من لقاءات أخرى للحريري مع شخصيات سياسية واتصالات أجريت بينه وبين شخصيات أخرى في بيروت. وبحذر وانتقائية طغيا على صراحته المألوفة قالها فرنجيه "إن طرح اسمي للرئاسة جدي لكنه غير رسمي حتى الآن". وإذ دعا الاعلام الى تظهير "ايجابيات التقارب لا السلبيات"، أكد ضمناً حصول اللقاء الباريسي مع الحريري، مشيراً الى "انتظار طرح الفريق الآخر، وعندما يصبح ترشحي رسمياً نبني على الشيء مقتضاه" من غير ان يفوته القول "إننا نثق بالفريق الآخر". كما كرر ان "مرشحنا الاول هو العماد ميشال عون، أما اذا أعطى الفريق الآخر طرحاً آخر فسنتعامل معه في وقته".
وغابت عن طاولة الحوار كل المسألة الرئاسية ومعالم ما يتردد عن ملامح التسوية التي انطلقت في لقاء باريس وقت بدأت تعلو معالم التهيب السياسي من جدية ترشيح فرنجيه. وقالت مراجع سياسية مشاركة في الحوار لـ"النهار" إن طرح ترشيح فرنجيه جدي للغاية وليس مناورة تماماً كما قال فرنجيه نفسه من عين التينة، لكن جديته لا تعني سهولة الأمر، فدونه عقبات كبيرة وكثيرة داخل البيت الواحد لكل فريق سياسي عريض. وأشارت الى ان عامل الوقت مهم جداً لان الاستغراق طويلاً وسط هذه التعقيدات سيؤدي الى تعثر المسعى للتسوية وقيام تحالفات من شأنها ان تجهض المحاولة لتسويق فرنجيه. واسترعى الانتباه في هذا السياق اعلان نائب رئيس مجلس النواب فريد مكاري مساء امس عبر محطة "المستقبل" ان الرئيس الحريري جدّي في طرحه ترشيح سليمان فرنجيه ولكن ضمن سلة متكاملة، موضحاً ان الحريري يرى ان التوافق على رئيس يرضي الجميع لم ينجح طوال السنة ونصف السنة الماضيين وهو تلقف مبادرة السيد حسن نصرالله الاخيرة. ووصف مكاري فرنجيه بأنه "المرشح المتقدم اليوم على سائر المرشحين للرئاسة".
وعلمت "النهار" من مصادر وزارية نيابية شاركت في جولة الحوار في عين التينة أن عدم التطرق الى الحوار الذي جرى بين الرئيس الحريري والنائب فرنجيه في فرنسا كان بمثابة إشارة الى جدية الموضوع والى رغبة أطراف الحوار في عدم الخوض فيه، ما دام يمضي البحث فيه بعيداً من الأضواء. وفي هذا الاطار كان حوار باريس حاضراً في اجتماع شورى "حزب الله" امس حيث انفتحت اتصالات مباشرة بين الحزب والعماد ميشال عون. وقد عقد لقاء ليل أمس بين وزير الخارجية جبران باسيل والمعاون السياسي للامين العام لـ"حزب الله" حسين الخليل. وفي موازاة ذلك، دعا رئيس "اللقاء الديموقراطي" النائب وليد جنبلاط الى اجتماع للقاء اليوم في دارته بكليمنصو لإطلاع أعضائه على نتائج لقائه الرئيس الحريري.
14 آذار كما علمت "النهار" أن مناقشات معمّقة تجري داخل قوى 14 آذار في تطورات الشأن الرئاسي بعد لقاء باريس بين الرئيس الحريري والنائب فرنجيه، وأبرز هذه المناقشات كان في "بيت الوسط" أول من أمس بمشاركة الرئيس فؤاد السنيورة والوزير بطرس حرب والنائب جورج عدوان والدكتور فارس سعيد والنائب أحمد فتفت، وواكب الاجتماع النائب سامي الجميّل الذي كان وصل لتوّه من باريس ومثّله فيه السيد سيرج داغر.
وانعكس الإختلاف في الرأي، بحسب المعلومات، تصميماً لدى حزب "القوات اللبنانية" على الحؤول دون تأييد 14 آذار لفكرة السير بترشيح رئيس "تيار المردة" من جهة، وذلك على قاعدة أن هناك فارقاً بين أن يكون العرض في اتجاه فرنجيه صادراً عن "تيار المستقبل" والرئيس نبيه بري والنائب وليد جنبلاط، وأن يكون صادراً عن تحالف 14 آذار ككل.
وفي المعلومات أيضاً أن حزب "القوات" و"التيار الوطني الحر" سينسقان الموقف للتعامل مع هذا الموضوع، ويصعب على قوى حزبية أخرى، الكتائب أو غيره، تجاهل وقائع تتعلق بطريقة اختيار رئيس الجمهورية، بقدر صعوبة أن تتقبل قوى معينة اجتماع أحزاب ذات غالبية مسيحية لتقرر من يكون رئيس الوزراء أو رئيس مجلس النواب، بمعزل عن شركائها في الوطن والمبدأ السياسي على السواء.
وفي الوقت نفسه يسود اقتناع لدى أصحاب هذه الرؤية بأن "حزب الله" لن يتخلى عن تأييد ترشيح العماد عون، والقرار يعود اليه في هذا المجال. لذا فإن مسألة ترشيح فرنجيه أو تأييد ترشيحه ليست سهلة إطلاقاً، من غير أن يعني ذلك تجاهل ضرورة تقديم مرشحين توافقيين يمكن أن يكونوا مقبولين لدى جانبي 14 و8 آذار للخروج من دوامة الفراغ الرئاسي.
تفعيل الحكومة وفي جانب آخر من اجتماع الحوار النيابي، قالت مصادر المشاركين لـ"النهار" إن المجتمعين أمضوا ساعتين في مقاربة موضوع قانون الانتخاب الذي قال الرئيس نبيه بري إنه أحيل على اللجنة المكلفة صوغ تصور له كل المستندات الضرورية. كما تطرق المجتمعون الى تفعيل العمل الحكومي من زاوية تتجاوز ملف النفايات. لكن ممثل "التيار الوطني الحر" النائب ابرهيم كنعان قال إن التيار يوافق فقط على جلسة مخصصة لموضوع النفايات، أما في عدا ذلك فإن التيار لا يزال عند موقفه المتصل بآلية العمل الحكومي والتعيينات. واكتفى رئيس الوزراء تمّام سلام بعرض معطياته المتصلة بملف النفايات، فقال إن دفتر شروط العروض وزّع أول من أمس على الشركات المهتمة بترحيل النفايات، على ان تقدم عروضها في ضوء هذا الدفتر، متوقعاً ان توجه الدعوة الى جلسة لمجلس الوزراء في غضون أسبوعين اذا رست التحضيرات على عروض جدية تتطلب مصادقة من مجلس الوزراء عليها. وعلم ان السرايا ستشهد اليوم نشاطاً وزارياً على جانب من الأهمية يتصل بالعمل الحكومي بعدما تعذر انعقاد جلسات لمجلس الوزراء.
فرنجيه رئيساً في أسبوعين... أو لا رئيس في قراءة مراجع سياسية مشاركة في الحوار الوطني، أن طرح ترشيح فرنجيه جدي جداً وليس مناورة، تماما كما قال فرنجيه من عين التينة. لكن جديته لا تعني حصوله. فدونه عقبات كثيرة تحتاج إلى تذليل داخل البيت الواحد لكل فريق، خصوصا أن هذا الترشيح يجب أن يطرح فرنجيه في إطار "التوافقي،" إذ يتجاوز مرشحي الفريقين اللذين يخضع كل منهما لفيتو الفريق الآخر.
تلمس هذه المراجع جدية الطرح في مواقف مختلف القوى، المحلية كما الاقليمية الراعية للملف اللبناني، ولا سيما على الضفة السعودية التي تبدي أخيرا انفتاحا وتفرغاً للقيادات اللبنانية. بالنسبة إليها، هي مسألة وقت يترجم الأقوال بالافعال. فإذا صح توصيف الطرح بأنه يختصر التسوية، فلا بد أن تكون سريعة ولا تستغرق أكثر من أسبوعين على أبعد تقدير، بحيث ينتخب فرنجيه رئيساً، وإلا فإن الاستغراق في الوقت سيؤدي إلى تعثرها بفعل التعقيدات وتبدل التحالفات تمهيدا لإجهاضها.
وتنطلق المراجع في قراءتها هذه من بعض المعطيات والملاحظات والعوامل:
- ان انتزاع موافقة عون على فرنجيه رئيسا لن يكون من دون ثمن. وسيترتب على "حزب الله"، العاجز عن تجاوز حلفه مع عون لمصلحة فرنجيه من دون بركة الاول، إقناعه بالتنازل عن ترشحه.
- الامر ينسحب على محور 14 آذار حيث سيترتب على زعيم "المستقبل" انتزاع موافقة حليفه سمير جعجع من أجل التنازل عن ترشحه لمصلحة فرنجيه، خصوصا أن طرح الحريري لفرنجيه بدا كأنه تخل عن جعجع وتسليم بأن يكون رئيس الجمهورية من 8 آذار.
- إن فرض فرنجيه رئيسا من خارج المباركة المسيحية للقوى الاكثر تمثيلا، لن يكون سهل المنال. والحاجة ملحة إلى توقيع عون على الاقل، علما أن مثل هذا الامر قد يؤدي إلى قيام جبهة مسيحية معارضة تخرج عن الاصطفاف التقليدي لفريقي 8 و14 آذار.
- إن فشل التسوية المقترحة سيؤدي إلى حرق فرنجيه كمرشح مسيحي، بعدما أفضى التواصل العوني – "المستقبلي" سابقا إلى حرق عون، وبينهما بطبيعة الحال جعجع.
وتخلص المراجع إلى القول إن عدم إنجاز التسوية سريعا سيعني حتما أن الظروف الاقليمية على خلفية الاشتباك السعودي – الايراني لم تنضج بعد، وأن سقوط تسوية "الوقت الضائع" سيفتح الافق على مرحلة جديدة من الشغور الرئاسي المديد. |