القاهرة - أحمد مصطفى مرّ اليوم الأول من المرحلة الثانية من الانتخابات النيابية المصرية بهدوء ومن دون معضلات أمنية، وسط معدلات مشاركة بدت أعلى قليلاً من المرحلة الأولى التي صوّت فيها أقل من ربع الناخبين، فيما أعلنت الحكومة برئاسة شريف إسماعيل أن برنامجها الذي ستعرضه على البرلمان عقب التئامه بات «في طوره النهائي».
وأنهى المصريون المغتربون مساء أمس الاقتراع داخل 139 سفارة وقنصلية مصرية في الخارج، قبل أن تبدأ عملية فرز الأوراق، فيما انطلق صباح أمس التصويت في 13 محافظة هي القاهرة والقليوبية والدقهلية والمنوفية والغربية وكفر الشيخ والشرقية ودمياط وبورسعيد والإسماعيلية والسويس وشمال وجنوب سيناء، لاختيار 282 نائباً، مقسمين بين 222 بالنظام الفردي من بين 2893 مرشحاً، و60 آخرين بنظام القوائم موزعين على دائرتي قطاع القاهرة (45 مقعداً)، وشرق الدلتا (15 مقعداً).
وتأتي القاهرة في صدارة المحافظات الممثلة داخل البرلمان بـ 49 مقعداً، تليها الشرقية بـ 30 مقعداً والدقهلية بـ 29 مقعداً، والقليوبية بـ 25 مقعداً، ثم الغربية بـ 24 مقعداً، والمنوفية بـ 20 مقعداً، وكفر الشيخ بـ 16 مقعداً. أما المحافظات الأقل تمثيلاً في هذه المرحلة فهي دمياط (7 مقاعد)، والإسماعيلية (6 مقاعد)، وشمال سيناء (5 مقاعد)، وبورسعيد (4 مقاعد)، والسويس (4 مقاعد)، فيما تعتبر جنوب سيناء الأقل تمثيلاً بثلاثة مقاعد.
واستنفرت الدولة لحشد الناخبين الذين يقدر عددهم في هذه المرحلة بنحو 28 مليوناً. وبدا الإقبال أمام صناديق الاقتراع متفاوتاً بين متوسط في لجان وضعيف في لجان أخرى، لكن في المحصلة تشير التوقعات إلى زيادة معدلات الحضور عن المرحلة الأولى التي بلغت نسبتا المشاركة في جولتيها 26 في المئة و21 في المئة على التوالي.
ونحجت السلطات في تمرير اليوم الأول للاقتراع في الداخل بلا معضلات أمنية، لا سيما في المناطق الملتهبة، وأبرزها شمال سيناء، والشرقية مسقط رأس الرئيس السابق محمد مرسي، إذ لم تسجل أي أعمال عنف، وإن كانت التجاوزات الانتخابية المتبادلة بين المرشحين ظهرت، لاسيما الرشاوى الانتخابية وخرق الصمت الانتخابي.
وأغلقت السلطات مساء أمس لجان الاقتراع التي شهدت استنفاراً أمنياً عالياً، تمهيداً لاستكمال التصويت الذي يختتم مساء اليوم قبل بدء فرز الأوراق، بالتزامن مع وصول نتائج تصويت المغتربين، للبدء في إعلان النتائج صباح غد. وأعلنت اللجنة العليا للانتخابات أن نحو 30 ألف مصري في الخارج صوتوا في الجوله الثانية حتى ظهر أمس.
وكان نحو 16 ألف قاض توجهوا إلى مقار اللجان الانتخابية، قبل ساعة من بدء عملية التصويت، وعاينوا مقار اللجان، في حضور مندوبي المرشحين. وأوضحت اللجنة المشرفة على الانتخابات أن العملية الانتخابية انتظمت في غالبية اللجان البالغ عددها 12 ألفاً و496 لجنة فرعية، فيما تأخر فتح 93 لجنة، وتوقف الاقتراع في 6 لجان بسبب توعك بعض القضاة.
وأشار الناطق باسم اللجنة عمر مروان إلى «ضبط شخص أثناء تصوير بطاقة الاقتراع، وآخر يقوم بتجميع البطاقات من الناخبين، وتمت إحالتهما على النيابة، وإخلاء سبيلهما بكفالة قدرها 1000 جنيه». وأضاف أن «اللجنة تلقت عدداً من شكاوى الناخبين تركزت على أن بعض القضاة رفضوا مساعدتهم في الإدلاء بأصواتهم، وتبين من فحص الشكوى بأن هؤلاء الناخبين ليسوا من ذوي الإعاقة الذين نص القانون على مساعدتهم».
وكان الاقتراع جرى وسط متابعة 81 منظمة غير حكومية محلية، و6 منظمات أجنبية ودولية، وسمحت السلطات لـ 68 سفارة أجنبية بمتابعة الاقتراع.
وأكد الناطق باسم غرفة عمليات «نادي قضاة مصر» محمد عبده صالح أن الغرفة لم تتلق حتى بعد ظهر أمس أي شكاوى تتعلق بالعملية الانتخابية، أو بوجود عقبات تواجه القضاة المشرفين على الانتخابات، موضحاً أن «العمل انتظم في كل لجان الاقتراع حيث توافد الناخبون للإدلاء بأصواتهم بكل دقة ونظام». وأشار إلى أن «غرفة عمليات النادي أجرت اتصالات بمحكمتي شمال وجنوب سيناء، واطمأنت إلى انتظام العملية الانتخابية فيهما، وأن القضاة وأعضاء النيابة العامة يشرفون على الانتخابات في مناخ يتسم بالأمن والاستقرار».
غير أن «التحالف المصري لمراقبة الانتخابات» أكد أن مراقبيه «رصدوا تنامي ظاهرة المال السياسي، وخرق الدعاية الانتخابية»، مشيراً إلى أن «لجان الاقتراع شهدت إقبالاً ضعيفاً من قبل الشباب، على عكس الإقبال الملحوظ من قبل السيدات وكبار السن».
وأوضح في بيان أن مراقبيه «رصدوا الكثير من التجاوزات التي شابت العملية الانتخابية، لا سيما الرشاوى الانتخابية التي تنوعت ما بين المالية والعينية، وخرق الصمت الانتخابي ومنع دخول بعض المتابعين بعض اللجان، إضافة إلى توجيه الناخبين». وأضاف أن «مراقبي التحالف في محافظة الغربية رصدوا اختفاء صفحة كاملة من كشوف أسماء الناخبين، في إحدى لجان الاقتراع، وطالب مندوبو المرشحين اللجنة العامة بسرعة التدخل وإرسال كشف آخر».
وكان كبار المسؤولين توافدوا على لجان الاقتراع للإدلاء بأصواتهم، وحرصوا على دعوة الناخبين إلى الاحتشاد لاختيار نوابهم، فأدلى الرئيس عبدالفتاح السيسي بصوته في إحدى لجان حي مصر الجديدة (شرق القاهرة) تُشرف عليها القاضية مروة بركات ابنة النائب العام الراحل هشام بركات الذي اغتيل في آب (أغسطس) الماضي. وتبادل السيسي وابنة الراحل حديثاً باسماً.
وحرص شيخ الأزهر أحمد الطيب عقب إدلائه بصوته على تأكيد أن المقاطعين للاقتراع «في منزلة العاقين لوالديهم»، منبهاً إلى أن «مصر تحتاج إلى أبنائها في هذه الظروف العصيبة التي تمر بها، وهي بمنزلة الأم والذي يتخلى عن أمه في هذه الظروف فهو عاق». ودعا المصريين، وتحديداً الشباب، إلى «النزول للإدلاء بأصواتهم والمشاركة بقوة، لأن لمصر حقاً عليهم، وهذا واجب وطني لا يصح التفريط به». وتساءل: «ماذا ينتظر الشباب للنزول والمشاركة؟ قيادات الدولة وشيخ الأزهر نزلوا أمامهم للإدلاء بأصواتهم». وأشار إلى أن «مهمات البرلمان المقبل ترسيخ قيم العدالة الاجتماعية والديموقراطية والمساواة بين المواطنين، وتوفير فرص عمل للشباب والقضاء على الفقر والبطالة ومحاربة الأمية».
وأدلى رئيس الحكومة شريف إسماعيل بصوته، مؤكداً أن حكومته «انتهت من إعداد 80 في المئة من برنامجها الذي ستعرضه على البرلمان الجديد عقب التئامه» نهاية الشهر المقبل. وأعرب عن أمله بتشكيل «برلمان قوي كي يحقق كل آمال المصريين».
وأوضح أن «برنامج الحكومة يتضمن تحقيق معدل نمو يصل إلى 5.5 في المئة لهذا العام، إلى جانب اتخاذ إجراءات لجذب استثمارات مباشرة قادرة على توليد فرص عمل لخفض معدلات البطالة». وأضاف أن «البرنامج سيعمل على تحسين الخدمات المقدمة إلى المصريين وتوسيع مظلة العدالة الاجتماعية، والعمل على ضبط الأسعار ومكافحة الغلاء، وتحسين البنية التحتية».
ونبه إلى أن «المشاركة في الانتخابات حق دستوري لكل مواطن، ويجب أن يشارك كل مواطن لنختار ممثلينا في البرلمان المقبل والانتهاء من الاستحقاق الثالث لخريطة الطريق حتى تصبح مصر مستقرة ونتقدم إلى الأمام»، متوقعاً زيادة الإقبال في الجولة الحالية.
وقال وزير الشؤون القانونية والنيابية مجدي العجاتي إن «الأجندة التشريعية التي أعدتها الحكومة لعرضها على البرلمان ستتضمن تشريعات تتعلق بتحقيق العدالة الاجتماعية، في ما يتعلق بالتأمين الاجتماعي والمعاشات والفئات الأكثر احتياجاً، إضافة إلى الاستحقاقات الدستورية التي أوجب الدستور ضرورة الانتهاء منها في دورة الانعقاد الأولى والتي من بينها بناء الكنائس والعدالة الانتقالية وقوانين الإعلام».
مشاركة تخالف التوقعات في شمال سيناء
القاهرة - أحمد رحيم خالف ناخبون في شمال سيناء التوقعات بغياب المشاركة هناك، وتحدوا تحذيرات الجماعات المسلحة، فاصطفوا أمام لجان اقتراع، خصوصاً في مدينة الشيخ زويد التي سعى تنظيم «داعش» في مطلع تموز (يوليو) الماضي إلى السيطرة عليها، لكن الجيش أحبط هجومه، وأعلن تكبيده خسائر غير مسبوقة في معركة استمرت ساعات.
واستبق الفرع المصري لـ «داعش» الذي يطلق على نفسه اسم «ولاية سيناء»، إجراء الاقتراع في شمال سيناء بتحذيرات من المشاركة في الانتخابات، وقُتل مرشح حزب «النور» السلفي مصطفى عبدالرحمن أمام منزله في العريش.
وتقع شمال سيناء ضمن 7 محافظات فازت قائمة «في حب مصر» التي شكلها مسؤولون عسكريون وأمنيون سابقون، بالتزكية بـ15 مقعداً مُخصصة لها لنظام القوائم، في ظل عدم منافسة أي قوائم أخرى على تلك المقاعد. أما بالنسبة إلى المقاعد الفردية، فقُسمت المحافظة إلى 4 دوائر تضم 5 مقاعد هي العريش ولها مقعدان، ورفح والشيخ زويد، وبئر العبد، ووسط سيناء، ولكل منها مقعد واحد.
وقرر الرئيس عبدالفتاح السيسي تقليص فترة حظر التجوال في المناطق المفروضة فيها في المحافظة، لتبدأ في الحادية عشرة مساء، بدل السابعة مساء، لمنح الناخبين فرصة للمشاركة في الاقتراع.
وحظر التجوال مفروض في مناطق عدة من شمال سيناء منذ نحو عام بعد هجوم دام استهدف مكمناً عسكرياً في الشيخ زويد وأسفر عن مقتل عشرات الضباط والجنود.
وأعلن الجيش قبل أسابيع تحقيق «نجاحات» بانتهاء المرحلة الأولى لأكبر عملية عسكرية يطلقها في شبه الجزيرة بمقتل «مئات المسلحين» والسيطرة على الطرق الرئيسة بين مدن العريش والشيخ زويد ورفح. وأطلق مرحلة ثانية من العملية بهدف إحكام السيطرة على تلك المدن من الداخل.
وبحسب شهود في العريش والشيخ زويد، اصطفت طوابير متوسطة أمام لجان الاقتراع في المدينتين، للمشاركة في الاقتراع. وفتحت السلطات لجاناً في العريش لاقتراع أهالي الشيخ زويد ورفح فيها، إذ يتواجد آلاف من سكان رفح والشيخ زويد في العريش بسبب الأوضاع الأمنية المضطربة في المدينتين، فضلاً عن تهجير السلطات مئات الأسر من أهالي رفح لإقامة منطقة عازلة على الحدود بين مصر وقطاع غزة.
وفي شمال سيناء 49 مقراً انتخابياً تضم 104 لجان فرعية، ولأكثر من 234 ألف مواطن حق الاقتراع. وتأخر فتح بعض اللجان بسبب عدم وصول قضاة إليها لفترات متفاوتة.
وجرى الاقتراع في شمال سيناء وسط إجراءات أمنية مشددة في كل مدن المحافظة ومراكزها، إذ أغلقت كل الطرق المؤدية إلى مقرات اللجان الانتخابية أمام حركة السيارات، خشية الهجوم على إحداها بسيارة مُفخخة، ووضعت حواجز وسواتر ترابية قبلها بمئات الأمتار، وأُغلقت الطريق الدولية الساحلية أمام مقر إقامة القضاة المشرفين على الاقتراع، وتمت تحويلات مرورية لمنع مرور السيارات أمام المقر. ولم يُسمح بالوصول إلى مقرات الاقتراع إلا سيراً على الأقدام، بعد الخضوع لعملية تفتيش دقيقة.
وجابت دوريات أمنية متحركة شوارع مدن شمال سيناء وميادينها بكثافة لافتة، وطوقت قوات الجيش والشرطة بأطواق أمنية عدة أقيمت من على مسافات بعيدة، سرادقات فرز صناديق الاقتراع بعد انتهاء الانتخابات اليوم. وأعلنت حال الاستنفار في كل مستشفيات المحافظة، وانتشرت سيارات الإسعاف عند نقاط قريبة من مقار الاقتراع. وحلقت طائرات حربية في سماء مدينتي رفح والشيخ زويد، على مدار اليوم، في محاولة لطمأنة الأهالي، لحضهم على الاقتراع، ولتأمين العملية الانتخابية.
وقال لـ «الحياة» الشيخ عبدالمنعم رفاعي، وهو واحد من مشايخ قبائل الشيخ زويد، إن الاقتراع في الدائرة الثانية تحديداً التي تضم مدينتي الشيخ زويد ورفح «شهد إقبالاً كبيراً، واصطف الأهالي في طوابير طويلة أمام اللجان». واعتبر أن «هذا الإقبال سببه المعاناة التي يلقاها أهالي شمال سيناء، منذ فترة، إضافة إلى تخوينهم باستمرار من قبل بعض وسائل الإعلام».
وأضاف أن «أهل سيناء أرادوا إرسال رسائل عدة، أولها إلى من يخوّنهم، بأنهم ليسوا إرهابيين كما يظنون، ورسالة أخرى إلى كل من يطمع في أرض سيناء، بأن هذه البقعة الغالية مصرية وستظل مصرية، وأهلها موجودون ويقترعون على رغم الظروف السيئة التي يعيشونها… الاقتراع بكثافة رسالة إلى الرئيس السيسي أيضاً بأن يغير نظرته عن هذه المنطقة وأن يأخذ رأي أهلها الحقيقيين وليس المضللين في حل معضلتها، ورسالة إلى الحكومة المصرية بضرورة البدء فوراً في تنمية سيناء، وبناء مدينتي رفح الجديدة والشيخ زويد الجديدة، وتوظيف أبناء سيناء في مشاريع التنمية، ورسالتنا إلى الشعب المصري بأن أهل سيناء رغم الظروف النفسية القاسية والمصائب التي ألمت بهم، لن يفرطوا في أرضهم، لو افترشنا التراب، ونطلب من أهلنا الضغط معنا على الحكومة لتنمية سيناء».
وأوضح رفاعي أن «إقبال القبائل على الاقتراع ليس بالضرورة سببه التعصب للقبيلة التي تملك مرشحاً، فخلال الفترة الماضية ناديت وآخرون بتنحية القبلية وانتخاب الأصلح، والآن الوضع في سيناء تغير ولم تعد القبلية حاكمة لاختيارات الناس».
وأضاف: «رغم أن الخوف موجود والتحسب لأي عمل إرهابي موجود، إلا أن أهالي سيناء تحدوا تلك المخاوف وخرجوا للاقتراع، وننتظر نظرة من الدولة إلى سيناء. وضعنا حجر الأساس لجسر المودة مع الحكومة التي لا بد من أن تنظر إلى هذه المنطقة، وإلا ستكون آخر مرة نتغلب فيها على مشاعر الحزن، وستغلبنا قسوة المعيشة. نرجو أن نكون بالفعل قد وضعنا ثقتنا في مكانها المناسب، ونتمنى من الرئيس السيسي أن ينظر إلى تلك الطوابير ويأخذ قراراً فورياً بوقف الهدم عند الشريط الحدودي في رفح، ويكفي الألف متر الأولى لتأمين الحدود. نقول كفانا هدماً». |