لندن - إبراهيم حميدي تتكثف الاتصالات لضمان نجاح مؤتمر المعارضة السورية بمشاركة اقل من سبعين شخصاً في الرياض في بدايات الشهر المقبل وتشكيل وفد تفاوضي يقدم الى الاجتماع الوزاري لـ «المجموعة الدولية لدعم سورية» الذي قد يعقد في باريس في 13 كانون الاول (ديسمبر) المقبل، اضافة الى مناقشة قائمة «التنظيمات الإرهابية» التي سيقدمها الاردن ولن تشمل «حركة احرار الشام الاسلامية» و «جيش الاسلام» بعد استضافته اجتماع مسؤولي الامن في اليومين المقبلين.
وإذ ينقل وزير الخارجية وليد المعلم الاربعاء «تحفظات» دمشق على مخرجات فيينا مع سعي إلى قلب أولوياتها، يجتمع المبعوث الدولي ستيفان دي ميستورا مع قيادة «الائتلاف الوطني السوري» في اسطبول غداً قبل لقائه الثلثاء مع قادة فصائل المعارضة لحضهم على صوغ موقف موحد والاستعدادا لمؤتمر المعارضة.
وعلم أن مبعوثاً من دمشق وصل قبل يومين، الى موسكو لنقل تحفظات دمشق على نتائج اجتماع فيينا. وبعدما اعلن نائب وزير الخارجية فيصل المقداد من طهران رفض «الهيئة الانتقالية» انتقد وزير المصالحة السوري علي حيدر اي «برنامج زمني» يأتي من الخارج، فيما اشار الرئيس بشار الأسد الى انه لا يمكن بدء اي عملية انتقالية «قبل دحر الإرهاب واستعادة الأراضي». ويعتقد خبراء دوليون بأن حوالى ٢٠ في المئة من الاراضي السورية لا تزال تحت سيطرة القوات النظامية.
وإذ لا تزال دمشق تفضل مسار «منتدى موسكو» بين وفد الحكومة وبعض المعارضين على «جنيف-3»، تضمنت التحفظات، التي نقلت الى موسكو قبل وصول المعلم الاربعاء للقاء نظيره الروسي سيرغي لافروف، ان يتم قلب أولويات «البرنامج الزمني» لمخرجات فيينا، بحيث تبدأ العملية السياسية بإصلاحات دستورية عبر تشكيل لجنة مشتركة من النظام والمعارضة ثم إجراء انتخابات برلمانية مبكرة في ربيع العام المقبل بدلاً من ايار (مايو) او حزيران (يونيو) لدى انتهاء فترة مجلس الشعب (البرلمان) الحالي، اضافة الى المضي في نهج المصالحات الموضعية في نقاط الاشتباك. وكانت الأفكار الروسية، التي سربت قبل اجتماع فيينا الاخير، تضمنت في احد بنودها تشكيل لجنة دستورية لا يعيّن الأسد رئيساً ولا يرأسها، بحيث تشكل من المعارضة والنظام وتنتخب رئيسها للوصول الى اعلان دستور جديد في اجراء الانتخابات.
غير ان وزراء وممثلي ٢٠ دولة ومنظمة اقروا في ١٤ الشهر الجاري خريطة طريق نصت على تسلسل مختلف، ونص بيان فيينا على برنامج زمني لخوض مفاوضات بين وفدي الحكومة والمعارضة برعاية دولية لتشكيل «حكم غير طائفي وتمثيلي» يعقبه الوصول الى دستور جديد ثم اجراء انتخابات تحت اشراف الأمم المتحدة خلال ١٨ شهراً. هنا، نُقل عن وزير الخارجية الايراني محمد جواد ظريف رفضه ان ينص «بيان فيينا» ما اذا كانت الانتخابات في نهاية المرحلة الانتقالية ستكون برلمانية او رئاسية. اذ قال انه باعتبار ان السوريين سيقررون دستورهم، فهم يقررون ما اذا كان الرئيس سينتخب من البرلمان او في اقتراع مباشر، فجرى التفاهم على ترك عبارة الانتخابات مفتوحة من دون تحديد: برلمانية او رئاسية.
وإلى حين الاجتماع الوزاري المقبل، تتكثف الاتصالات في اكثر من اتجاه، بينها تواصل مسؤولين مع قادة فصائل وشخصيات معارضة لضمان نجاح مؤتمر المعارضة في الرياض في بدايات الشهر المقبل، بمشاركة اقل من 70 شخصاً من «الائتلاف» و «هيئة التنسيق» والشخصيات المستقلة والفصائل المقاتلة، بينهم اسماء وردت في القوائم الاميركية (١٥ شخصاً) والروسية (٣٨ شخصاً) والعربية (٢٥ شخصاً)، ذلك لوصول المشاركين الى موقف سياسي موحد ووفد تفاوضي منسق.
وعلم ان القاهرة استدعت على عجل المنسق العام لـ «هيئة التنسيق» حسن عبدالعظيم أمس لإبلاغه ضرورة الانضواء تحت مظلة مجموعة «اعلان القاهرة» وليس ان يقودها او «يغرد خارجها»، ذلك لأن القاهرة «تريد توفير كتلة سياسة وازنة تستطيع ان تقابل الائتلاف». لذلك، فهي شجعت قياديين في «اعلان القاهرة» للسفر الى فيينا وعقد اجتماعات مع مسؤولين أميركيين وروس وفرنسيين وعرب، الأمر الذي تطلب مبادرة وزير الخارجية القطري خالد العطية الى دعوة رئيس «الائتلاف» خالد خوجة وقادة فصائل اسلامية. ولم تنجح محاولات القاهرة الترويج لـ «اعلان القاهرة». وهي تكافح مع موسكو لخفض حصة «الائتلاف» في مؤتمر المعارضة او وفدها الى «جنيف-٣». وبعدما نجحت في موسكو في «كسر احتكار» تمثيل «الائتلاف» لوفد المعارضة على عكس ماحصل في «جنيف-٢»، فإنها تسعى الى «القضاء على دوره القيادي»، وهي تسعى كي لا تكون حصة «الائتلاف» أكثر من نصف مقاعد وفد المعارضة، الامر الذي لا توافق عليه دول عربية اخرى وتركيا وأميركا ودول غربية.
وتصطدم مساعي روسيا ودول اخرى بـ «تهميش الائتلاف» بمساعٍ مقابلة لدعمه، اذ انه جرى التفاهم على أن يشكل الكتلة الرئيسية في مؤتمر المعارضة المقبل بنسبة اكثر من 40 في المئة من الحاضرين، اضافة الى انه و»هيئة التنسيق» سيشاركان بصفتهما تكتلين على عكس بقية الكتل التي سيدعى ممثلوها بصفتهم الشخصية، اضافة الى ممثلي «الجيش الحر» والفصائل المعارضة.
وعلم ان دي ميستورا سيلتقي قادة فصائل المعارضة المسلحة في اسطنبول بعد غد. وقال أحدهم: «توصلنا الى موقف موحد مع الفصائل الاسلامية يعتبر مرجعية لأي حل سياسي». وبدأت فصائل مسلحة تسمية ممثلين لها في أي عملية سياسية او في مؤتمر المعارضة، يتوقع ان يكون بينهم ممثلون من «أحرار الشام الإسلامية» و «جيش الإسلام»، اضافة الى «جيش اليرموك» و «الجبهة الجنوبية» في «الجيش الحر».
وهنا، تأتي الخطوة التالية المعقدة المتعلق بتسمية «التنظيمات الإرهابية». اذ اقتصر الاتفاق في فيينا على قائمة مجلس الامن وتشمل «داعش» و «جبهة النصرة» قبل ان يوافق لافروف على تكليف الأردن عقد اجتماع بين مسؤولين أمنيين ليقدم مقترحات لقائمة ورفعها الى الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن. وسيعقد الاجتماع الأمني في الساعات المقبلة وسط انقسام كبير. ورشحت اسماء بعض الفصائل الى «القائمة السوداء» بينها «جند الأقصى» المنضوي في «جيش الفتح» الذي رفض قتال «داعش»، اضافة الى «جيش الأنصار والمهاجرين» المقرب من «داعش» و «الجيش التركستاني الإسلامي» المقرب من «جيش الفتح».
وترفض دول عربية بدعم أميركي مقترحات ايرانية او روسية لضم «احرار الشام» و «جيش الاسلام» الى القائمة بل ان بعض الدول العربية شجع دعوة ممثلين منها الى اروقة مؤتمر فيينا، لقناعة هذه الدول بضرورة «حصول أي اتفاق سياسي على شرعية وقبول شعبي»، اضافة الى أهمية «التوحد ضد الإرهاب». وكان لافتاً أيضاً، فتح موسكو أقنية تفاوضية مع «جيش الإسلام» بقيادة زهران علوش للتوصل الى هدنة في الغوطة الشرقية لدمشق لتجنيبه «سيف الإرهاب والغارات الروسية الثقيلة»، اضافة الى انتخابات الهيئة العامة للفاعليات المدنية في غوطة دمشق وتضم المجلس المحلي وعدداً من المنظمات المدنية والإغاثية والطبية، وهيئة سياسية تمثلها في أي عملية مقبلة. لكن لا تزال دول اقليمية أساسية تربط بين وقف النار وانطلاق العملية السياسية، الأمر الذي كان وارداً في «بيان فيينا».
وإلى الفصائل الإسلامية، هناك «عقدة» تتعلق بـ «وحدات حماية الشعب» الكردي. إذ إن تركيا، التي تشارك في المفاوضات الأمنية والسياسية، تعتبر هذه القوة «إرهابية» وتعتبر «الاتحاد الديموقراطي الكردي» حليفاً لـ «حزب العمال الكردستاني» بقيادة عبدالله اوجلان الوارد في «قوائم الإرهاب» بما فيها في اميركا. لكن في الوقت ذاته، «وحدات حماية الشعب» هي القوات التي توفر لها مقاتلات التحالف الدولي بقيادة أميركا غطاء جوياً في قتال «داعش» شمال سورية وشمالها الشرقي. كما أن خبراء أميركيين يدربون ويسلحون «الجيش السوري الديموقراطي» الذي يشكل مقاتلو «وحدات الحماية» أكثر من نصفهم اضافة الى مقاتلين عرب.
وسعت موسكو الى تشكيل تحالف بري يضم «وحدات الحماية» لقتال «داعش»، في وقت بدا ان قيادة «وحدات الحماية» تسير على حد دقيق بين الدعم الجوي والعسكري من أميركا والدعم السياسي من روسيا. وما زاد تعقيد الحسابات، وفق المسؤول، بدء الطيران التركي والأميركي توفير حماية جوية لتقدم فصائل اسلامية وتركمانية في منطقة تقع بين جرابلس على الحدود التركية ومارع في ريف حلب. هذا التطور يمنع ربط اقليم عين العرب بإقليم عفرين، وهو «خط أحمر» وضعته انقره للحيلولة دون تأسيس «كردستان سورية» جنوبها.
لذا، فإن هناك ضغطاً قوياً من موسكو وطهران كي يكون لـ «وحدات الحماية» سواء في شكل مباشر او عبر الإدارة الذاتية ممثلون في المفاوضات السياسية ومؤتمر المعارضة، يقابله ضغط بتهميش «وحدات الحماية» على اساس «التزام مبادئ بيان فيينا المتضمن وحدة سورية».
ويتوقع ان يخرج مؤتمر المعارضة بقائمة بالوفد المفاوض يقدم الى دي ميستورا الذي يكرر دائماً ان لديه قائمة بـ 40 شخصاً من الحكومة، كانت دمشق رشحت اسماءهم للجان الأربع الخاصة بـ «العصف الفكري»، بينما بات الحديث يجري حالياً عن وفد تفاوض يتناول العملية الانتقالية وبرنامجها الزمني. |