أكد رئيس الحكومة اللبنانية تمام سلام أن «التحديات التي تواجهها البلاد، بلغت مرحلة لم تعد تسمح بالتباطؤ في البحث عن مخارج من الاستعصاء الراهن، وتأخير القرارات الملحة التي تخدم المصلحة الوطنية العامة، وأولها قرار بانتخاب رئيس الجمهورية، من شأنه تصحيح الخلل القائم في البنيان الدستوري، وبث الروح في الحياة السياسية».
وقال سلام في بيان لمناسبة الذكرى الـ72 للاستقلال: «للعام الثاني على التوالي، نحيي الذكرى في ظل استمرار الشغور في منصب رئيس الجمهورية، رأس الدولة ورمز وحدة الوطن. ويعرف اللبنانيون جميعاً أن هذا الوضع، هو نتاج الصراع السياسي المتمادي الذي أضعف المؤسسات الدستورية، وعطل الحياة السياسية، وألحق أبلغ الضرر بالاقتصاد الوطني»، مشيراً إلى أن «هذا الواقع خلق حالة غير مسبوقة من العجز والشلل، انعكست سلباً على حياة اللبنانيين في الداخل، وأضرت بصورة بلدهم في الخارج، وأثارت في نفوسهم أسئلة كثيرة حول الحاضر والمستقبل، في ظل التحديات الأمنية والمخاطر الاقتصادية والاجتماعية التي تهدد لبنان».
ولفت سلام إلى أن «البلاد شهدت الأسبوع الماضي، تطوراً أمنياً خطيراً تمثل في الجريمة الإرهابية في برج البراجنة، التي حصدت عشرات الشهداء من المدنيين الأبرياء وأعادت تذكير اللبنانيين بأن المعركة مع الإرهاب الظلامي مستمرة وصعبة ومديدة»، مشيراً إلى أنه «قبل هذه الجريمة وبعدها، حقق الجيش والقوى الأمنية إنجازات باهرة حظيت بتقدير واحترام كبيرين من اللبنانيين جميعاً، لكن الحصانة الأمنية تحتاج لكي تكتمل إلى مناخ سياسي وطني سليم، يسد أي ثغرة يسعى الإرهابيون إلى النفاذ منها للتخريب وزرع الفتنة. وقد كان لنا، في ردود الفعل الوطنية الجامعة على الجريمة المشؤومة، مثال طيب على الجو السياسي الإيجابي المطلوب، الذي يعزز المناعة الوطنية ويدفن الشر في مهده».
ورأى سلام «أن الاقتصاد الوطني يتعرض من جهته إلى ضغوط كبيرة أدت إلى تراجع حاد في كل القطاعات المنتجة التي تسهم في النمو. ونشأت هذه الضغوط عن الوضع السياسي الداخلي، وعن التطورات الإقليمية التي حرمت لبنان من أسواق عديدة، وألقت عليه عبئاً هائلاً هو عبء النازحين السوريين الذي يواجهه بإمكانات محدودة وسط شح كبير في المساعدات الدولية»، لافتاً إلى أن «الملاءة المالية الجيدة للدولة، واستقرار الليرة، لا يلغيان الحاجة الملحة لتوفير الأجواء الملائمة لتعزيز الدورة الاقتصادية وتحفيز النمو. ومثل هذه الأجواء لا يؤمنها سوى استقرار تحققه حياة سياسية طبيعية». واعتبر «أن تعطيل مفاصل الدولة وإضعاف هيبتها، وإبقاء الحياة العامة في البلاد رهينة التجاذبات والمناكفات والعرقلة، كما حصل في أزمة النفايات، باتت تشكل جريمة بحق لبنان لن تغفرها الأجيال القادمة». وقال: «إنني أراهن على حكمة القيادات اللبنانية ووطنيتها، وأرى في الحوارات القائمة والأجواء الإيجابية المحيطة بها كوة أمل في جدار الأزمة، يمكن أن تفتح باب الحلول التي تنقل البلاد إلى حال أفضل، وتحصنها إزاء تداعيات الأحداث الهائلة الدائرة في جوارنا».
أضاف: «آن الأوان للخروج من هذه الدوامة التي استنزفت لبنان وأنهكت اللبنانيين. وآن الأوان لهدم المتاريس المتقابلة، والخروج إلى المساحات المشتركة، وهي مضيئة وكثيرة ورحبة تتسع للجميع. وآن الأوان لاتخاذ القرارات الوطنية الجريئة، وتقديم التنازلات لمصلحة لبنان، الذي يستحق منا في ذكرى استقلاله، أن نعيد إليه المعنى الذي أراده له آباؤنا المؤسسون في 22 تشرين الثاني(نوفمبر) عام 1943. وآن الأوان لنقدم لأبنائنا، المحلقين عالياً في الوطن والمهاجر، وعداً بغد لبناني أفضل، على قدر أحلامهم وطموحاتهم».
ووجه سلام تحية حارة «لأبنائنا العسكريين المحتجزين في أيدي الإرهابيين، ونشد على أيديهم وعلى أيدي أهاليهم الصابرين، مؤكدين لهم أنهم في قلب لبنان ووجدانه، ومجددين العهد بأننا لن ندخر أي جهد في سبيل إعادتهم أحراراً سالمين. كما ننحني إجلالاً لذكرى جميع الشهداء الذين سقطوا من أجل الوطن في جميع المناطق اللبنانية، ونخص بالذكر شهداء القوى العسكرية والأمنية، المنتشرة في الداخل وعلى الحدود، والتي أظهرت في الأيام الماضية مرة جديدة، أنها بيقظتها وكفاءتها واندفاعها وتفانيها، كانت ولا تزال الحصن الحصين للجمهورية».
ووضع رئيس الحكومة بمناسبة عيد الاستقلال، إكليل زهر على ضريح والده الرئيس الراحل صائب سلام.
هولاند
وتلقى سلام رسالة تهنئة بذكرى الاستقلال من الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند، أشار فيها إلى «أن الصداقة التي تميز العلاقات بين بلدينا وشعبينا ترتدي أهمية كبيرة خصوصاً في هذه الأوقات الصعبة التي تعرض فيها بلدانا، في وقت واحد تقريباً، لأعمال إرهابية بغيضة. إنني أجدد تعازيّ وأعبر عن شكري لمشاعر التضامن مع فرنسا، التي أبديتموها وعموم اللبنانيين، بعد اعتداءات باريس». وقال: «علينا أكثر من أي وقت مضى أن نكون موحدين في هذه الظروف الاستثنائية من أجل الحفاظ على قيمنا المشتركة. إن فرنسا تقف إلى جانب لبنان، في مواجهة التهديدات والتداعيات المأسوية للنزاع في سورية، لكي يتمكن من الدفاع عن سيادته ووحدته واستقراره ووحدة أراضيه. وسوف تواصل فرنسا تقديم المساعدة إلى لبنان لكي يتمكن من تخطي التأثيرات السلبية للأزمات، وذلك عبر استمرار مشاركتها في قوات «يونيفيل» ودعمها للجيش وقوى الأمن اللبنانية التي تلعب دوراً بالغ الأهمية في الظرف الراهن».
أضاف: «إنني أحيي الجهود الشخصية التي تقومون بها من موقعكم كرئيس للوزراء، من أجل صون وحدة البلاد وتجاوز النزاعات السياسية وتأمين حسن سير العمل الحكومي على رغم الأزمات، وأؤكد لكم دعم فرنسا لكم في هذه المهمة الصعبة».
وأكد هولاند أن «لبنان يحتاج أكثر من أي وقت مضى إلى رئيس للجمهورية وإلى مؤسسات عاملة، لكي يتمكن من مواجهة كل التحديات، وإن فرنسا سوف تواصل العمل مع كل الأطراف المعنيين لكي يتلاقى اللبنانيون ويضعوا حداً لحالة الشغور الراهنة. كما ستواصل جهودها لمساعدة لبنان على مواجهة تدفق مئات الآلاف من اللاجئين الفارين من القتال والاضطهاد في سورية، الذي يشكل عبئاً ليس بإمكان اللبنانيين تحمله وحدهم». وقال: «باسم فرنسا وباسمي شخصياً، أتقدم منكم ومن الشعب اللبناني بأحر التمنيات بالسلام والازدهار، لكي يبقى لبنان مثالاً للتعددية والحرية والتسامح، لجميع بلدان المنطقة وشعوبها التي تتطلع إلى هذه القيم». |