التاريخ: تشرين الثاني ٩, ٢٠١٥
المصدر: جريدة النهار اللبنانية
لبنان: شظايا الميثاقية تُصيب ضفّتي 8 و14 آذار وحصار للقوى المسيحية ومشروع تجنيس جديد
آخر جرس إنذار قبل معاقبة لبنان دولياً وعزله عن النظام المصرفي العالمي
في ظل التعقيد الحاصل نتيجة اختلاط الاوراق على ابواب مجلس النواب، والذي بات يهدد التحالفات السياسية والتفاهمات القائمة على ضفتي 8 و 14 اذار، ويصيب بشظاياه الميثاقية الحياة الوطنية، مع قرار الكتل المسيحية مقاطعة جلسة يصر الرئيس نبيه بري على عقدها، والتهديد الذي يطول لبنان على الصعيد المالي بما يجعل التشريع ملحاً، يجري البحث عن مخرج لائق ينقذ التحالفات من جهة، ومبدأ الميثاقية من جهة اخرى، وقد يترجم بالاتفاق على عقد جلسة تشريع الضرورة، والاكتفاء بتمرير البنود المالية الملحّة، ومن ثمّ رفع الجلسة من دون الدخول في البنود الاخرى. كذلك تجري مشاورات لايجاد مخارج لقانون الانتخاب ومنها احياء عمل لجان تتولى مهمة توحيد الرؤى بـ"روزنامة واقعية".

واذا كان ماراتون الاتصالات سينشط اليوم عبر لقاءات ثنائية وثلاثية وزيارات لرئيس المجلس، علمت "النهار" أن حزب "القوات اللبنانية" و"التيار الوطني الحر" يتجهان الى مزيد من التصعيد، في مقابل القرار الذي اتخذ بعقد الجلسة التشريعية بمن حضر وفي غياب الكتل المسيحية الثلاث الرئيسية. وسيعلن الدكتور سمير جعجع هذا الموقف التصعيدي ظهر اليوم، "فلا شيء يتقدّم حالياً على معركة التصدّي لسابقة إسقاط الميثاقية، والاستنسابية باعتمادها، وخطورة ذلك بضرب العيش المشترك. أما الحلول فهناك متسع من الوقت للبحث فيها". لكن الرئيس نبيه بري يرى ان الميثاقية هي حضور مكونات من كل الطوائف وهذا متوافر للجلسة. وقال لزواره إنه مصر على عقدها اذا توافر لها نصاب الـ65 نائباً، فموعد الجلسة مثل ساعة "بيغ بن". وأضاف: "لقد اساؤوا فهمي بالميثاقية، وقد اعطيت وقتاً طويلا للوصول الى تفاهم، وخصوصا مع العماد ميشال عون. والآن سأطبق الدستور حرفياً".

وبدا أن كتلة "المستقبل" لا تزال تدرس المعطيات لاتخاذ قرار يراعي المحافظة على الميثاقية ولا يعرض أوضاع لبنان المالية للخطر في آن واحد، في حين تسعى قيادة "القوات" إلى إقناع "المستقبل" بعدم المشاركة في جلسة الخميس إذا كانت لا تتوافر فيها الميثاقية، متعهدة في الوقت نفسه تمرير القوانين الستة المتعلقة بالمالية قبل انتهاء المهلة، حتى لو اقتضى الأمر عقد جلسات في عطلة نهاية الأسبوع وما بعدها.

واذا كان بيت الوسط سيشهد اجتماعا اليوم للنواب سمير الجسر وألان عون وانطوان زهرا لمراجعة قانون استعادة الجنسية، فقد علمت "النهار" أن الاجتماع الذي عقد في بيت الوسط وضمّ الرئيس فؤاد السنيورة والوزير بطرس حرب والنواب جورج عدوان ومروان حماده وأحمد فتفت، للبحث عن مخرج يؤمّن مشاركة الجميع، تلقى جوابا سلبياً من "القوات" و"التيار" معاً عما طرح أولا، بأن يتفق على ادراج قانون الانتخاب في الجلسة التشريعية الأولى المقبلة، على أن تكلّف لجنة درس قانونين أو ثلاثة يمكن عرضها في جلسة عامة، وثانياً أن تشكل لجنة من القوى المشاركة في اجتماع بيت الوسط ومعهم ممثل لـ"التيار الوطني الحر" للاتفاق على صيغة موحّدة لاستعادة الجنسية، في ضوء الملاحظات المقدّمة من كتلة "المستقبل".

وتردد أن عدداً من نواب "المستقبل"، ولا سيما المسيحيين منهم يعتزمون التصويت على مشروع القانون كما قدمه نواب "التيار و"القوات" بحسناته وسيئاته. وقال نائب رئيس مجلس النواب فريد مكاري رداً على سؤال لـ"النهار": "سوف أحضر الجلسة الإشتراعية لأهميتها وأصوّت لمشروع قانون استعادة الجنسية كما قدمه نوابهما وليتحملوا مسؤولية نتائجه. وإذا كانت الميثاقية تهمّهم فليجدوا طريقة أو مخرجاً ما للمشاركة في الجلسة". وفي معلومات لـ"النهار" ان كتلة "المستقبل" النيابية ستتخذ موقفاً من مجمل الافكار غداً الثلثاء، لكنها غير متمسكة باقتراحات التعديل التي قدمها الجسر.

عقبات وتعقيدات
لكن العقبات تبدو كبيرة، فقانون الانتخاب لم يتفق عليه المسيحيون أولاً، ولا يشاركهم "تيار المستقبل" و"اللقاء الديموقراطي" في خيار النسبية ثانياً، ولا امكان لامرار مشروعهم القديم المعروف بالقانون الارثوذكسي ثالثا، مما يعني فشل كل امكانات التوافق لاقراره في مجلس النواب.

أما قانون استعادة الجنسية، فقد برز خلاف على حق المرأة اللبنانية في إعطاء الجنسية لابنائها، الامر الذي يعترض عليه المسيحيون أولاً، والشيعة ثانياً، لانه يسمح بتجنيس نحو 380 الفا غالبيتهم من التابعية الفلسطينية والسورية والاردنية والمصرية. فعدد اللبنانيات المتزوجات لأجانب هو ٧٦٠٠٣، ويشمل هذا الرقم ٤٨٠٠ لبنانية تزوجن فلسطينيين غير مسجلين في سجلات مديرية شؤون اللاجئين في لبنان، ومفاعيل منح الجنسية نتيجة الزواج من اجنبي يقدّر بنحو ٣٨٠٠١٣ شخصاً. وهذا الرقم سيعيد اللعب بالتوازنات الطائفية والمذهبية التي اصيبت بنكسة في التجنيس السابق.

وعلى الصعيد المالي، علمت "النهار" ان نوابا قدموا في عطلة نهاية الاسبوع الماضي مشروع قانون معجلاً مكرراً يرمي الى إدراج المعاهدة الدولية لتجفيف مصادر تمويل الارهاب ضمن ملحق للجدول الاساسي، وهذا ما تم فعلاً، بعدما كان حاكم مصرف لبنان أكد ضرورة المصادقة عليها اذ لم يبق الا لبنان والصومال بين الدول العربية لم يصادقا عليها بعد. والمعاهدة تضاف الى القوانين الثلاثة المدرجة على جدول أعمال الجلسة والمتعلقة بالتصريح عن الاموال عبر الحدود، وتبادل المعلومات الضريبية، ومكافحة تبييض الاموال.

الراعي
وكان البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي الذي التقى رئيس حزب "القوات" سمير جعجع، والنائب ابرهيم كنعان موفدا من العماد ميشال عون، دعا الى ايجاد مخرج يوفق بين تشريع الضرورة من دون تشنجات وانقسام المجلس. وقال في عظة الاحد: "يجد المجلس النيابي نفسه أمام أولويات وضرورات وطنية ينبغي أن يتم درسها وتحديدها والاتفاق عليها من جميع الأطراف السياسيين من دون الوصول إلى تشنّجات وتعقيدات تعطيلية وتفسيرات طائفية ومذهبية ومن دون فرضها فرضًا. ففي ظل الفراغ الرئاسي لا يمكن التشريع بشكل عادي، ولا الخلط بين الضروري الوطني وغير الضروري، وبالتالي لا يجوز انقسام المجلس وتعطيل كل شيء".

شبكة تجسس اسرائيلية
أمنياً، تمكنت المديرية العامة للأمن العام من القبض على شبكة تجسس اسرائيلية في منطقة الجنوب، حيث تم توقيف كل من السوري ر. أ. وزوجته اللبنانية س. ش.، واللبناني هـ. م. وبالتحقيق معهم اعترف الموقوفون بما نُسب إليهم، وأنهم تولّوا بتكليف من مشغّليهم الاسرائيليين جمع معلومات عن شخصيات وأهداف أمنية وعسكرية بغية استهدافها لاحقاً، وتصوير طرق ومسالك وأماكن حساسة داخل مناطق الجنوب، وإرسال الأفلام الى مشغّليهم لاستثمارها في اعتداءات لاحقة.

وعلمت "النهار" انه قبض على الشبكة قبل نحو اسبوعين وكان نشاطها يمتد من صيدا الى الشريط الحدودي. واللافت ان بعض أهدافها يتقاطع مع اهداف خلية "داعش" التي قبض الامن العام عليها الشهر الماضي، وعلى لائحة اهدافها اغتيال النائب السابق اسامة سعد والشيخ ماهر حمود، اضافة الى مراقبة شخصيات امنية منها المدير العام للامن العام اللواء عباس ابرهيم.

ماراتون بيروت
وبعيدا من التوترات السياسية والامنية والنفايات، شارك نحو 40 الف عداء وعداءة من 84 دولة في ماراتون بيروت الدولي الـ 13 واحتلت اخباره الشاشات ووكالات الانباء بدل صور النفايات التي باتت صورة لبنان في الفترة الاخيرة.

آخر جرس إنذار قبل معاقبة لبنان دولياً وعزله عن النظام المصرفي العالمي 
إقرار معاهدة الأمم المتحدة لتجفيف مصادر تمويل الإرهاب ضرورة وليس خياراً

موريس متى
تفتح أبواب مجلس النواب هذا الاسبوع وتتجدد معها الآمال بإقرار قوانين ملحة وضرورية للحفاظ على ما تبقى لهذا البلد من سمعة وثقة أمام المجتمع الدولي، وحماية قطاعه المصرفي والمالي من انهيار قد يكون محتماً في حال فشل هذه الجلسة التشريعية، التي يحمل رئيسها نبيه بري، جدول أعمال يضم، بعد إضافة القوانين والمشاريع التي تم ترحيلها من جلسات تشريعية سابقة، 38 مشروعاً واقتراح قانون، معظمها مالي.

شارك لبنان في أعمال مجموعة عمل مكافحة تمويل تنظيم "داعش"، ومشروع مجموعة "إغمونت" لوحدات الإخبار المالي عن "داعش"، بالاضافة الى التزامه تسريع تبادل المعلومات بين الجهات المختصة في ما يتعلق بقضايا هذا التنظيم. ولكن يبدو أن جميع الخطوات التي اتخذها لبنان قد لا تبعد عنه كأساً مرّة قد يواجهها في الاسابيع المقبلة، في حال عدم إقرار مجلس النواب لسلسلة تشريعات ضرورية، ومعاهدة الامم المتحدة.
عقدت لجنة العمل المالي "غافي" اجتماعها الدوري في منتصف تشرين الأول الماضي، وبحثت خلاله في كل ملفات الدول التي لم تقر بعد القوانين والتشريعات المطلوبة بما يتعلق بعملية تجفيف مصادر تمويل الارهاب وتبييض الاموال. لبنان شارك في هذه الاجتماعات بصفته عضوا مؤسسا في مجموعة MENAFATF وهي مجموعة العمل المالي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، وتم الاتفاق على انشائها عام 2004 وهي تتكوّن من غالبية الدول العربية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، فيما تحظى دول اخرى ومنظمات اقتصادية دولية بصفة مراقب مع وجود السكرتارية في البحرين. خلال هذا الاجتماع، اتخذ قرار إدراج لبنان في لائحة الدول غير المتعاونة في ما يتعلق بمكافحة تمويل الإرهاب وتبييض الأموال. يومها، تدخل حاكم مصرف لبنان وجمعية المصارف على الخط بشكل طارئ، لشرح أسباب هذا التأخير الناتج من الازمة السياسية التي تعصف بالبلاد وأدت تالياً الى تعطيل العمل التشريعي فيه. بعد سلسلة مراسلات، تمكنت السلطات النقدية والمصرفية اللبنانية من الحصول على تمديد جديد، وللمرة الاخيرة، للمدة التي يجب أن يقر فيها لبنان، التشريعات المطلوبة، وتحدد تاريخ 31/12/2015، تاريخا نهائيا لإتمام هذه المهمة. بعد انتزاع هذه المهمة الجديدة بصعوبة، عقد حاكم مصرف لبنان سلسلة اجتماعات شاركت فيها جمعية المصارف، وتم الاتفاق خلالها على إجراء لقاءات مع المسؤولين السياسيين ورؤساء الكتل لحثهم على التعجيل في إقرار القوانين، بهدف تفادي وقوع الكارثة.

لقاءات ماراتونية
التشريع أصبح ضرورة أساسية لكي يبقى لبنان منخرطاً في العولمة المالية، وحتى لا يتم إدراجه ضمن لائحة الدول غير المتعاونة. قرع سلامة جرس الانذار في نهاية الاسبوع المنصرم، من عين التينة والسرايا بعد لقائه الرئيسين بري وتمام سلام، مؤكدا ضرورة كسر الجمود السياسي الذي يُلحق ضرراً بالاقتصاد، وإنجاح الجلسة التشريعية عبر إقرار القوانين المصرفية والمالية المطروحة. وتزامنت لقاءات سلامة مع اجتماعات عقدها مجلس إدارة جمعية المصارف برئاسة الدكتور جوزف طربيه، مع قيادات حزبية وسياسية، لمطالبتها بإنجاح الجلسة وامرار القوانين المصرفية وهي: مشروع القانون الوارد في المرسوم رقم 7982 المتعلق بالتصريح عن نقل الأموال عبر الحدود، مشروع القانون الوارد بالمرسوم رقم 8002 المتعلق بتبادل المعلومات الضريبية، ومشروع القانون الوارد في المرسوم رقم 8200 والخاص بتعديل القانون رقم 318 تاريخ 20/4/2001 لمكافحة تبييض الأموال.

إقرار المعاهدة إلزامي
رغم خطورة إمكان عدم إقرار القوانين الثلاثة المدرجة في جدول أعمال الجلسة، يبقى الخطر الاكبر في عدم إقرار الهيئة العامة موافقة لبنان على الانضمام الى المعاهدة الدولية لتجفيف مصادر تمويل الارهاب التي أقرتها الامم المتحدة يوم 9 كانون الاول 1999 وحملت الرقم 109/54،
(International Convention for the Suppression of the Financing of Terrorism).

هذه المعاهدة جاهزة منذ أشهر في أدراج مجلس النواب، ولم تقر حتى اليوم نتيجة الخلافات التي تدور بين الافرقاء السياسيين حول تعريف مفهوم "الارهاب"، فيما يبقى لبنان والصومال فقط بين الدول العربية التي لم تصادق على المعاهدة بعد.

عند اعلان جدول أعمال الجلسة التشريعية، كان لافتا عدم إدراج بند امرارها، ما إستدعى، بحسب ما علمت "النهار"، استنفاراً لبعض النواب وأركان القطاع المصرفي، على رأسهم حاكمية مصرف لبنان، لإيجاد حل للمشكلة. وفي هذا السياق، عُلم ان نوابا تقدموا في نهاية الاسبوع الماضي بمشروع قانون معجل مكرر يرمي الى إدراج هذه المعاهدة ضمن ملحق للجدول الاساسي، وهذا ما تم فعلاً.

هكذا سيعاقب لبنان
عدم إقرار هذه المعاهدة يعني حكما إنزال أشد العقوبات الاقتصادية والمالية في حق لبنان وعلى رأسها عزله عن النظام المالي العالمي، وتاليا منع مصارفه من التعامل مع المصارف المراسلة، كما يؤدي الى وقف كل العمليات المالية المتعلقة بالعملات الاجنبية وبالعمليات مع الخارج. وفي حال عدم إقرار هذه التشريعات يصبح لبنان، في نهاية السنة الجارية، الدولة الوحيدة مع جزر القمر خارج الشرعية المالية الدولية، ما يعرضه لخطر انقطاع تحويلات المغتربين، ووقف عمليات التصدير والاستيراد منه واليه، ووقف التعامل مع مصارفه، وتالياً جفاف سيولتها. كل هذه الأمور لا يستطيع بلد في العالم تحملها، وهذه اقصى عقوبة اقتصادية تقع على بلدان تفرض عليها عقوبات اقتصادية.

طبعا، إقرار هذه التشريعات ضروري أيضا لما يتعلق بمدى التزام لبنان قرار مجلس الأمن الدولي 2199 الخاص بمكافحة "داعش" و"النصرة" عبر تبادل المعلومات مع الجهات الإقليمية والدولية. مع التذكير بأن مجموعة "إغمونت"، وهي منتدى دولي لوحدات المعلومات المالية، ولبنان عضو فيها، قررت انشاء مشروع لتبادل المعلومات المتعلقة بـ"داعش" بهدف تحديد وتعقب الوجوه المالية للإرهابيين المحتملين ووسائل تمويلهم.

باختصار، في القاعدة الشرعية الضرورات تجيز المحظورات، ولبنان في حاجة ماسة الى هذه القوانين والى امرار المعاهدة، لتبقى التحاويل سهلة منه واليه، وليبقى من فيه قادراً على استعمال العملات الاجنبية، ومنخرطا في النظام المالي والمصرفي العالمي.