التاريخ: تشرين الأول ١٨, ٢٠١٥
المصدر: جريدة الحياة
التدخل الروسي في سورية سينتهي بحل سياسي وترجمته في لبنان لن تكون إلا برئيس تسوية
بيروت - وليد شقير 
يتقاذف فريقا الانقسام اللبناني النصائح بعدم المراهنة على تغييرات خارجية لإحداث اختراق في الأزمة السياسية، لكن لكل منهما في الوقت نفسه مراهناته على التطورات الخارجية أملاً بتعديلها موازين القوى لمصلحته وصولاً إلى تسوية تأتي بالرئيس الذي يفضل.

وإذا كان رئيس «التيار الوطني الحر» العماد ميشال عون، اعتبر أن التدخل العسكري الروسي يعزز وجهة نظره، فإنه استند إلى تشجيع حلفائه إياه على ترقب هذا التطور لأنه يفتح الباب على تحسين ظروفه وحظوظه في تحقيق مطالبه.

عاب خصوم عون عليه مراهنته هذه، التي لم يخفها، خصوصا أن مناصريه رفعوا صور فلاديمير بوتين ولافتات تمتدح التدخل الروسي الأحد الماضي، في ظل اختلاف القراءات اللبنانية لانعكاس تحرك الدب الروسي نحو المنطقة ليقلب قواعد اللعبة رأساً على عقب، فقوى 14 آذار تعتقد أن روسيا ستغرق في المستنقع السوري ولن تستطيع تغيير ميزان القوى، وأن إيران وحلفاءها أخذوا يتعرضون لاستنزاف أوراقهم، لا سيما في اليمن، فضلاً عن فشلهم في دمشق.

وإذا كان عون نجح في استنفار الحشد الشعبي، لا سيما المسيحي، إلى جانبه الأحد الماضي تحت شعار حقوق المسيحيين، فلأن جمهوره يثق بقدراته وتحالفاته، خصوصاً مع «حزب الله»، ويذهب معه إلى النهاية في توقع حصد نتائج الانتصارات التي يَعِده بتحقيقها، تماماً مثلما آمن به هذا الجمهور في مرحلة ١٩٨٨-١٩٩٠، التي انتهت بتوافق أميركي سوري على إخراجه بالقوة من قصر الرئاسة بدلاً من دعمه لتولي رئاسة الجمهورية.

دوامة تعطيل طويل الأمد

وترى أوساط مراقبة أنه مهما كانت صحة هذه المراهنة أو تلك، فإن النتيجة العملية للانقسام حيال المشهد الإقليمي هي أن لبنان دخل في دوامة من التعطيل الحكومي الطويل الأمد المفتوح على احتمالات مزيد من التصعيد، الذي وعد عون بأنه سيصل إلى التصادم، فيما قابله وزير الداخلية نهاد المشنوق بالتلويح بالاستقالة من الحكومة والخروج من الحوار «إذا بقي الوضع على ما هو عليه».

لكن ذهاب أي من الفريقين إلى النهاية في تهديده بخطوات دراماتيكية ما زال محكوماً، وفق معظم المصادر، بسقف الحفاظ على الحكومة ولو معطَّلةً، منعاً لتعميم الفراغ على السلطة التنفيذية، وأن الأسباب نفسها التي حالت دون استقالة الرئيس تمام سلام قبل 3 أشهر ما زالت قائمة، بحيث يصعب على عون سحب وزرائه منها لأن حليفه «حزب الله» ليس في وارد تأييد هذه الخطوة، فيما تصنف الأوساط القريبة من قوى 14 آذار تلويح المشنوق بالانسحاب منها ومن الحوار في خانة التحذير، لأن ليس هناك قرار في هذا الصدد من قيادة تيار «المستقبل» أو حلفائه.

وتفيد المعلومات في هذا الصدد، بأن المشنوق، كما قال في خطابه في الذكرى الثالثة لاغتيال اللواء الشهيد وسام الحسن، يلمس محاولة لاستنزافه وفريقه من قبل «حزب الله» عن طريق تأييد الأخير عون في تعطيل الحكومة ومنعها من الإيفاء بواجباتها إزاء مصالح الناس، وعبر امتناعه عن رفع الغطاء الجدي عن المخلين بالأمن كي تنفذ خطة البقاع الأمنية، وعدم تجاوبه مع مطلب «المستقبل» في إنهاء ظاهرة السلاح المنتشر تحت عنوان «سرايا المقاومة»، فضلاً عن أنه يواصل هجومه على التيار وعلى المملكة العربية السعودية بأعنف الحملات، ما يؤدي إلى تململ جمهور «المستقبل».

وذكرت مصادر «المستقبل» أن المشنوق سبق أن طرح ضرورة اتخاذ موقف من الاستمرار في الحكومة والحوار رداً على استنزاف التيار وسط جمهوره، خصوصاً أنه أخذ على عاتقه تغطية كل الخطوات الأمنية في مواجهة التشكيلات الإرهابية في المناطق الخاضعة لنفوذه، في أحد اجتماعات كتلة «المستقبل»، حيث جرى نقاش لم يتم استكماله بعد.

الأنظار على بري

وإذا كان تلويحا عون بالصدام والمشنوق بالانسحاب من الحكومة والحوار دليلين على المدى الذي بلغه التأزم من دون وجود أفق لمخارج منه، فإن الأنظار ستتجه إلى ما يمكن رئيس البرلمان نبيه بري أن يبذله من جهود على طاولة الحوار في 26 الجاري لتدوير الزوايا، فثمة من يعتقد أن مناقشات الأقطاب على هذه الطاولة قد لا تجلب الحلول لكنها قد تساعد في تمرير الوقت مع لجم التصعيد وإجراء «عصف فكري» وتمرين على مقاربة بعض القضايا التي يمكن أن تكون ضمن هذه السلة (مواصفات الرئيس، قانون الانتخاب وقانون الجنسية...) عندما يحين موعد انتخاب رئيس على وقع التطورات الإقليمية التي يمكن أن تتيح حلحلة في الوضع اللبناني.

ولدى قيادات محايدة قراءة هادئة للتطورات الإقليمية والظروف المحلية مختلفة عن مراهنات فريقي 8 و 14 آذار الخارجية، تتوقع -خلافاً للتقديرات- أن حرب روسيا في سورية ستطول، وأن موسكو ستلجأ إلى طرح الحل السياسي للحرب السورية في شكل جدي، لأنها لن تتورط في حرب طويلة تغرقها في المستنقع السوري كما يتمنى خصومها، وأنها تسعى للتحضير لهذا الحل بموازاة حملتها العسكرية من أجل قيام حكم انتقالي وفق خطة جنيف-1 تضم ممثلين للمعارضة والنظام، ويتم فيها تقليص صلاحيات الرئيس السوري إلى أقصى الحدود.

وفي معلومات أصحاب هذه القراءة من اتصالاتهم في الخارج، أن موسكو تجري لقاءات معلنة وأخرى بعيدة من الأضواء مع المعارضة السورية، على رغم موقفها العلني السلبي من الائتلاف الوطني السوري في هذا السياق، تحضيراً لصيغة هذا الحل، وأن هذا ما يفسر حرص الرئيس فلاديمير بوتين على لقاء القادة الخليجيين، حين استقبل كلاً من ولي ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، وولي عهد أبو ظبي الشيخ محمد بن زايد قبل زهاء 10 أيام في سوتشي، بهدف تطمين قادة الخليج إلى أنه لا يخوض حرباً ضد السنة في سورية.

ويتابع أصحاب هذه القراءة أن السعي إلى تسوية في سورية يعني التوافق مع الولايات المتحدة الأميركية ومع الفرقاء الإقليميين المعنيين عليها، انطلاقاً من التلاقي على محاربة «داعش» والإرهاب، وعندها سيتم إيجاد صيغة لبقاء الأسد في السلطة، الذي هو موضوع الخلاف الرئيسي مع هؤلاء الفرقاء،على قاعدة أن الحملة العسكرية لن تعيد الأراضي السورية التي تسيطر عليها المعارضة كلها إلى سلطة النظام. هذا فضلاً عن أن موسكو تبدي ليونة حيال هواجس الدول الخليجية في ما يخص خوضها حرب اليمن في مواجهة النفوذ الإيراني، وأن الكرملين سيشعر بأن الحل في سورية بات قريباً حين تحقق الدول الخليجية أهدافها في اليمن.

انعكاس إيجابي على لبنان؟

ويتوقع سياسي بارز من أصحاب الصلات الخارجية المتنوعة أن يؤدي البحث بحلول للأزمة السورية إلى انعكاس إيجابي على الساحة اللبنانية، باتجاه تزخيم الجهود لإنهاء الفراغ الرئاسي.

وفي اعتقاد أصحاب هذه القراءة أن المشكلة تكمن في أن التحضير لصيغة التسوية في سورية لم يقنع بعد الفريق المؤيد لعون بأن منطق التسوية في دمشق لن يأتي برئيس لبناني ينحاز إلى فريق، بل سيرجح حكماً رئيس تسوية في لبنان، يستطيع أن يكون جامعاً بين فريقي الانقسام العمودي في البلاد. ويقول هؤلاء إنه حتى لو أبقت التسوية السورية المفترضة في أحسن الأحوال، الأسد في السلطة لفترة، قصرت أو طالت، فإنه لن يبقى كما كان، وهذا لا يتيح لفريق لبناني أن يتصرف على أنه قادر على فرض رئيس يكون ترجيحه كسراً لفريق من اللبنانيين.

إلا أن أصحاب هذا الرأي يقرون بأنه في انتظار انقشاع الوضع الإقليمي والدولي على الملعب السوري، سيبقى لبنان في دائرة التأزم، وسيسبق التسويات تصعيد يتصدره عون على الصعيد السياسي من غير المستبعد أن يشمل الشارع، قبل الولوج إلى المخارج والحلول. والعبرة هي في كيفية إدارة المرحلة المقبلة بأقل الخسائر. لكن أفرقاء كثراً بينهم حلفاء لعون أخذوا يحسبون حساب المرحلة المقبلة ويسعون إلى استباق ما قد تفرضه من خيارات.