لندن - ابراهيم حميدي تتجه الإدارة الأميركية إلى إبلاغ الكونغرس «التخلي» عن برنامج تدريب وتسليح المعارضة السورية ضد «داعش» مقابل دعم تحالف كردي - عربي للتقدم نحو مدينة الرقة معقل التنظيم بالتزامن مع وجود دعم إقليمي للمعارضة بذخيرة ومضادات دروع لـ «مواجهة القوة الروسية» ووقف حملة القوات النظامية مدعومة بغطاء جوي لاستعادة مناطق المعارضة، في وقت أجرى نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف في باريس مع معارضين سوريين ومسؤولين فرنسيين لـ «استطلاع إمكانية حل سياسي وتشكيل حكومة برئاسة معارض تحت سقف الرئيس السوري بشار الأسد».
وأعلن وزير الدفاع الأميركي أشتون كارتر في لندن أن الرئيس باراك أوباما وافق على تغييرات عدة في برنامج تدريب وتجهيز مقاتلي المعارضة السورية المعتدلة الذي علق نهاية أيلول (سبتمبر) بسبب نتائجه المخيبة للآمال. وأضاف في مؤتمر صحافي مع نظيره البريطاني مايكل فالون: «وضعنا خيارات عدة للمستقبل»، لافتاً إلى أن أوباما «سيتحدث قريباً عن الاقتراحات التي وافق عليها».
وكانت صحيفة «نيويورك تايمز» الأميركية نقلت عن مسؤولين أميركيين أن اوباما قرر التخلي عن برنامج تدريب وتسليح المعارضة بإشراف وزارة الدفاع الأميركية (بنتاغون) وموازنة قدرها نصف بليون دولار أميركي لتدريب خمسة آلاف سنوياً لثلاث سنوات.
وأقيم البرنامج لتحقيق ثلاثة أغراض، وهي «الدفاع عن الأراضي» و «طرد داعش من مناطقه» و «العمل لتحقيق عملية سياسية» في سورية. لكنه تعرض لنكسات عدة بينها رفض عشرات المقاتلين التوقيع على تعهد بـ «عدم قتال القوات النظامية السورية» كان اقترحه مسؤولون في وزارة الدفاع الأميركية، إضافة إلى تسليم بعض العناصر المدربين سلاحهم إلى «جبهة النصرة» في ريف حلب وتعرض آخرين للخطف من «النصرة». وقال مسؤولون أميركيون إن «النتائج كانت كارثية» فالتدريب شمل فقط مجموعتين من 54 وسبعين مقاتلاً.
لكن تأكد أمس اتجاه إدارة أوباما إلى «التخلي» عن البرنامج وتقديم مقترحات جديدة. وأكد مسؤول أميركي أن البرنامج الجديد «سيركز على تحسين فاعليته» وسط أنباء عن دراسة مقترحات عدة بينها تكليف المتدربين بتحديد مواقع «داعش» بدلاً من قتال التنظيم أو تحويل جزء من موازنة البرنامج إلى الفصائل التي تقاتل القوات النظامية أو إلى «التحالف العربي - الكردي» الذي يضم حوالى 25 ألف مقاتل بينهم خمسة آلاف عربي للهجوم على الرقة معقل «داعش» شرق سورية. وبحسب المعلومات المتوافرة لـ «الحياة»، فان «وحدات حماية الشعب» الكردي اشترطت السيطرة على جرابلس على حدود تركيا قبل المساهمة في قتال «داعش» في الرقة، الأمر الذي سيعقد العلاقة بين واشنطن وأنقرة ويضيف إلى التوتر الضمني الحاصل لـ «عدم تلبية» إدارة أوباما مقترحات تركية بينها إقامة منطقة آمنة شمال سورية ودعم التحالف الهجوم الكردي على مدينة عين العرب (كوباني) قرب حدود تركيا.
وهناك تخوف من زيادة التوتر العربي - الكردي شرق سورية في حال تقدم الأكراد الصفوف المقاتلة في مدينة الرقة، في وقت برز إدراك لدى مقربين من أوباما بضرورة تحقيق «نصر رمزي ضد داعش» قبل تحقيق روسيا والقوات النظامية «نصر» كهذا في مدينة تدمر التاريخية وسط سورية.
وبحسب مسؤول أميركي، فإن كارتر أمر بإرسال أسلحة ومعدات إلى «مجموعة مختارة» من قادة المعارضة السورية ووحداتهم. وأضاف: «النموذج السابق كان قائماً على تدريب وحدات من المشاة. ونقوم الآن بالتغيير الى نموذج من شأنه ان يؤدي الى امكانيات قتالية عسكرية أكبر».
وتأكد أن أوباما رفض مقترحات جديدة قدم بعضها وزير الخارجية الأميركي جون كيري لإقامة منطقة آمنة أو «منطقة حظر القصف» شمال سورية وجنوبها، بل أن الرئيس الأميركي يعتقد أن التصعيد الروسي الأخير عزز قناعة أوباما بضرورة تجنب المواجهة العسكرية مع روسيا لقناعته أن الرئيس فلاديمير بوتين «سيغرق في المستنقع السوري». لكن في المقابل، وافقت واشنطن على مقترحات إقليمية لتعزيز الدعم العسكري للمعارضة السورية ومنع الطيران الروسي والقوات النظامية السورية من تحقيق انتصارات ميدانية كبرى في الأشهر الثلاثة المقبلة والتركيز على أن «الحملة الروسية هدفها دعم الرئيس الأسد والقوات النظامية وليس ضرب داعش». وأفيد بأن حوالى 500 صاروخ «تاو» أميركي وصلت إلى فصائل سورية معارضة وأن دفعة أخرى ستصل إلى «جيش الفتح» الذي يضم فصائل إسلامية ويعمل في ريفي حماة وإدلب و «الجيش الحر» الذي يعمل في مناطق مختلفة من البلاد بما فيها ريف درعا بين دمشق والأردن. ولم توافق واشنطن إلى الآن على مقترحات لتقديم مضادات للطيران لإحباط محاولات استعادة مناطق في أرياف إدلب وحماة وحلب. وبدا هناك اتجاه لـ «إفشال الحرب المقدسة» التي أعلنتها موسكو في سورية.
ومع تعرض البرنامج العلني لتدريب وتسليح المعارضة ضد «داعش» التابع لوزارة الدفاع الأميركية إلى نكسات، تتجه أنظار عدد من حلفاء المعارضة إلى البرنامج السري الذي تديره «وكالة الاستخبارات الأميركية» (سي آي أي) ويتضمن دعم المعارضة وتسليحها. وكانت هذه الأمور نوقشت ضمن اجتماعات جماعية وثنائية لـ «النواة الصلبة» التي تضم 11 من «أصدقاء سورية» وباتت تضم الآن تسع دول فقط بعد «إبعاد» مصر عنها بسبب «انحيازها» إلى النظام و»ابتعاد» إيطاليا طوعاً، في سياق بحث كيفية الرد على التصعيد العسكري الروسي الأخير وأبعاده السياسية والاستراتيجية خصوصاً بعد إعلان موسكو «الحرب المقدسة» ما قد يعني بدء «حرب مقدسة مقابلة».
وأعرب مسؤول أميركي عن «الغضب» من إطلاق الأسطول البحري الروسي صواريخ من بحر قزوين إلى سورية، حيث تحلق مقاتلات التحالف الدولي - العربي ضد «داعش»، ما كان يمكن أن يؤدي إلى صدام عسكري أميركي - روسي، خصوصاً أن موسكو لم تبلغ واشنطن بإطلاق الصواريخ.
على خط مواز، زار بوغدانوف باريس في اليومين الماضيين والتقى معارضين عسكريين وسياسيين سوريين ومسؤولاً فرنسياً. وعلمت «الحياة» أن جولة المسؤول الروسي هي «استطلاعية» لمقترحات تتضمن تشكيل حكومة وحدة برئاسة «شخصية سنية معارضة تتمتع بصلاحيات واسعة مع وجود الرئيس الأسد خلال المرحلة الانتقالية». وسمع بوغدانوف من باريس تجديداً للموقف الرسمي بـ «عدم قبول الأسد خلال المرحلة الانتقالية»، مقابل تأكيد شخصيات سورية للمسؤول الروسي بضرورة «التحرك بسرعة وطرح رؤية سياسية مقبولة من الشعب السوري وليس إعادة إنتاج النظام».
تقدم سريع لـ «داعش» قرب حلب حقق «داعش» تقدماً سريعاً باتجاه مدينة حلب ولم يعد يبعد عن أطرافها الشمالية سوى عشرة كيلومترات على الأقل، وذلك بعد أكثر من أسبوع على التدخل الجوي الروسي الذي تضمن شن 60 غارة وقتل 300 مقاتل معارض في ريف حلب، في وقت استمرت المعارك في ريف حماة.
وأعلن الجيش الروسي أنه قصف 60 «هدفاً إرهابياً» في سورية في الساعات الـ24 الأخيرة في تكثيف لضرباته منذ بدء التدخل العسكري في 30 أيلول (سبتمبر) وفق ما نقلت وكالات الأنباء الروسية.
وقال مساعد رئيس الأركان الروسي الجنرال إيغور ماكوشيف للوكالات، إن «المقاتلات الروسية قامت بـ67 طلعة من قاعدة حميميم الجوية (...) وقصفت 60 هدفاً إرهابياً» في محافظات الرقة واللاذقية وحماة وإدلب وحلب.
ونقلت وكالة الإعلام الروسية عن وزارة الدفاع قولها إن طائرات روسية قصفت مقر جماعة «لواء الحق» وقتلت 200 مسلح بينهم قائدان ميدانيان. وقالت الوزارة إن طائراتها شنت هجمات منفصلة بمنطقة حلب وقتلت مئة مقاتل آخرين.
وكان «داعش» سيطر على بلدات عدة في شمال مدينة حلب إثر معارك عنيفة ليلاً مع الفصائل المقاتلة. وأكد التنظيم المتطرف في بيان أنه وصل فعلياً إلى «مشارف مدينة حلب». وقال مدير «المرصد السوري» رامي عبد الرحمن لوكالة «فرانس برس»، إن ما يحصل هو بمثابة «أكبر تقدم لتنظيم الدولة الإسلامية باتجاه حلب».
وبعد سيطرته على بلدات عدة شمال حلب، لم يعد تنظيم «داعش» يبعد سوى عشرة كيلومترات على الأقل عن الأطراف الشمالية للمدينة وثلاثة كيلومترات عن مواقع القوات الحكومية في منطقة الشيخ نجار الصناعية خارجها.
وتشهد مدينة حلب معارك مستمرة منذ صيف 2012، وتتقاسم قوات النظام وفصائل المعارضة السيطرة على أحيائها.
وقال مظفر، أحد الطباخين العاملين مع قوات النظام في المنطقة لـ «فرانس برس»: «أصبح داعش على مقربة من مواقع الجيش السوري، لكن نعتقد أنهم أذكى من مهاجمتنا، تفادياً للرد الروسي». وأوضح عبدالرحمن أن التنظيم المتطرف «يستغل التشتت في صفوف الفصائل المقاتلة التي تستهدفها الغارات الروسية في محافظات عدة».
وعلق رومان كاييه الخبير في المجموعات الجهادية لـ «فرانس برس»، بأن «تنظيم الدولة الإسلامية أعلن مرات عدة نيته شن هجوم في حلب من دون أن ينفذه فعلياً»، مشيراً إلى أنه «كان ينتظر اللحظة المناسبة واستغل الضربات الروسية ضد الفصائل المقاتلة للتقدم». وبالنسبة إلى توماس بييريه، خبير الشؤون الإسلامية في جامعة أدنبرة، فإن «الروس يركزون ضرباتهم على الفصائل المقاتلة ولا يستهدفون تنظيم الدولة الإسلامية سوى نادراً». وأوضح بيرييه أن الائتلاف الدولي ضد المتطرفين بقيادة واشنطن «لم يعد يستهدف تنظيم الدولة الإسلامية بشكل كبير» في منطقة حلب.
وواصل الجيش النظامي السوري بدعم من «حزب الله» اللبناني والطيران الحربي الروسي، عمليته البرية ضد الفصائل الإسلامية في مناطق في وسط وشمال غرب البلاد لا وجود لتنظيم «داعش». وقال «المرصد السوري لحقوق الإنسان»: «نفذت طائرات حربية روسية المزيد من الغارات على مناطق في بلدة كفرنبودة بالريف الشمالي لمدينة حماه، كما قصفت قوات النظام مناطق في البلدة، بينما تدور اشتباكات بين قوات النظام والمسلحين الموالين لها من جهة، ومقاتلين من فصائل إسلامية من جهة أخرى، بالقرب من معان بالريف الشرقي لحماة، وسط سقوط عدة قذائف أطلقتها الفصائل على مناطق الاشتباك، كذلك نفذ الطيران الحربي غارة على أماكن في منطقة رسم المهران بناحية عقيربات».
وأكد الكرملين أن الجيش الروسي سيواصل ضرباته العسكرية طوال الفترة التي سيستغرقها هجوم الجيش السوري البري. وأعلن الجيش النظامي الخميس أن المساندة الروسية كانت فعالة لقواته، لافتاً إلى أنه أحرز تقدماً في منطقة الجب الأحمر الجبلية بين محافظتي حماة (وسط) وريف اللاذقية (غرب). وهي تعتبر ذات أهمية استراتيجية لإشرافها على منطقة سهل الغاب، التي تخوض فصائل «جيش الفتح»، وهو تحالف من فصائل إسلامية تضم «جبهة النصرة»، مواجهات منذ أشهر للسيطرة عليها.
وقال مصدر عسكري لوكالة «فرانس برس»: «للمرة الأولى انسحب عدد من الفصائل المسلحة التي تحاصر بلدتي كفريا والفوعة في ريف إدلب لتغطي الفراغ الناتج عن انهيارات المسلحين في منطقة سهل الغاب».
وبحسب عبد الرحمن، فإن الحملة البرية «تهدف بالدرجة الأولى إلى حماية مناطق سيطرة النظام في محافظتي حماة واللاذقية، لتشن قوات النظام بعد ذلك هجوماً مضاداً لاستعادة محافظة إدلب (شمال غرب)».
وفي حلب، قتل مصور صحافي سوري يعمل لحساب وكالة أنباء الأناضول التركية في هجوم انتحاري في ريف حلب الذي يشهد معارك عنيفة بين المتطرفين وفصائل إسلامية معارضة، وفق ما ذكرت الوكالة الجمعة.
فقد قتل صالح محمود ليلى (27 عاماً) لدى انفجار سيارة مفخخة الخميس في إحدى أسواق مدينة حريتان في ريف حلب الشمالي، ما أسفر عن مقتل عشرين شخصاً، كما ذكرت هذه الوكالة القريبة من الحكومة. وكان صالح محمود ليلى أصيب بحروق خطيرة في تموز (يوليو) خلال قصف للقوات النظامية على حلب. وبعد معالجته في مستشفى تركي، عاد إلى سوريا لتغطية الحرب المندلعة فيها منذ 2011.
وقدم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان تعازيه الى عائلة الصحافي وإلى وكالة أنباء الأناضول، مشيداً بالعمل «الواضح» و «المتفاني» الذي قام به.
في شمال شرقي البلاد، قال «المرصد»: «قتل ما لا يقل عن 14 عنصراً من تنظيم «الدولة الإسلامية» وأصيب أكثر من 20 آخرين بجروح، بينهم 11 في حالات خطرة، جراء انفجارات هزت مدينة الرقة قبيل منتصف ليل أمس الخميس– الجمعة، ولم يعلم حتى الآن ما إذا كانت هذه الانفجارات ناجمة عن ضربات صاروخية من قبل التحالف الدولي، أم من الطائرات الروسية»، إضافة إلى أن طائرة حربية استهدفت سيارة يستقلها قيادي في تنظيم «داعش» بحي المشلب في مدينة الرقة، ما أسفر عن مقتله. |