التاريخ: تشرين الأول ٣, ٢٠١٥
المصدر: جريدة النهار اللبنانية
أوباما: مشكلة سوريا في الأسد والغارات الروسية تتكثف وتتسع
"أستانا 2" للمعارضة "المعتدلة السلمية" يطمح إلى دخول معادلة "جنيف 3"
العواصم الاخرى - الوكالات أستانا - (قازاقستان ) - موسى عاصي
ما فعله الروس في سوريا خلال ثلاثة ايام كان كافيا لاعادة خلط الاوراق وفتح الباب واسعا امام مرحلة جديدة في الأزمة السورية، في ظل وقائع ميدانية روسية متسارعة أملتها الغارات الجوية على المواقع الاساسية والبنى التحتية لمجموعات من المعارضة المسلحة في المناطق السورية الشمالية المحاذية للحدود مع تركيا، حيث تحاول أنقرة منذ بضعة أشهر اقناع حلفائها باقامة حزام أمني محظور على الطيران.

أوباما
في غضون ذلك، شن الرئيس الاميركي باراك اوباما هجوماً عنيفاً على الدور العسكري الروسي في سوريا، معتبراً ان الغارات الجوية الروسية على المعارضة المعتدلة "ستبعدنا أكثر عن الانتقال السياسي وان معظم السوريين يرون في روسيا عدواً الان وان السنة في الشرق الاوسط سينظرون اليها بالطريقة نفسها". وقال إن "سياسة اميركا في سوريا واضحة وترى أن المشكلة في سوريا تتمثل في وجود (الرئيس بشار) الأسد".

وأكد أن "روسيا لا تفرق بين تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) وجماعات المعارضة الإسلامية المعتدلة في سوريا" . وأضاف: "من وجهة نظرهم هم جميعا إرهابيون. وهذا سيؤدي إلى كارثة". وجدد استعداده للعمل مع روسيا وإيران وشركاء التحالف للتوصل إلى انتقال سياسي في سوريا. واضاف إن "إيران والأسد هما تحالف السيد بوتين الآن وبقية العالم يمثل تحالفنا". ولاحظ انه "لم يكن كافيا لبوتين أن يرسل الى الأسد الأسلحة والأموال فأرسل طائراته وطياريه". لكن "السياسة الروسية في سوريا ستدفع المعارضة المعتدلة الى العمل السري وتعزز تنظيم الدولة الإسلامية". وحذر من أن "روسيا وإيران ستنزلقان إلى مستنقع إذا حاولتا دعم الأسد". وشدد على أنه لن يجعل سوريا تتحول إلى حرب بالوكالة بين أميركا وروسيا.

الغارات تتسع
ووسعت الطائرات الروسية غاراتها مستهدفة للمرة الأولى مواقع لتنظيم "الدولة الاسلامية" (داعش) في عقر داره بمدينة الرقة، حيث لم تجر صلاة الجمعة في المساجد للمرة الأولى منذ سيطرة التنظيم المتطرف على المدينة في آذار 2013. وبدت المدينة وطرقها خالية تماما من الناس والمقاتلين.

وعلمت "النهار" أن الطائرات الروسية تستخدم استراتيجية هجومية قائمة على شن غارات بلا توقف طوال ساعات، وعند توقف الغارات تواصل الطائرات الحربية وطائرات الاستطلاع التحليق على نحو شبه دائم، مما ادى الى شل حركة المجموعات المسلحة نهائيا. وفي معلومات مؤكدة، أن مجموعات تابعة لـ"جبهة النصرة" و"أحرار الشام" المنضويتين في "جيش الفتح" و"الحزب الاسلامي التركستاني"، أجلت مواقعها في ريف ادلب وخصوصا مستودعات الاسلحة والذخيرة الى الجبال الوعرة القريبة من الحدود التركية، وذلك بعد استهداف الطائرات الروسية عددا من مخازن الذخيرة لهذه الفصائل في ريف ادلب.
وفي محاولة للرد على الغارات الروسية، شن "داعش" هجوما على مواقع القوات النظامية في مدينة دير الزور.

الاهداف الروسية
وبعد ثلاثة أيام من بدء الحملة العسكرية الروسية، بدأت أهداف هذه الحملة تتضح شيئا فشيئاً، فالغارات الروسية لم تستهدف مواقع تابعة للمجموعات المسلحة بعيدة من خطوط التماس مع القوات النظامية السورية، ومواقع القوات الروسية لا سيما في اللاذقية، حيث حوّل الروس جزءا من مطار حميميم المدني (مطار باسل الاسد في اللاذقية) الى مطار عسكري يستخدمونه في غاراتهم اليومية، ويريدون ابعاد أي خطر من المجموعات المسلحة عنه، وعن المواقع النظامية في حلب وحمص وحماه خطوة أولى . 

بوتين وهولاند
وقد حضر الملف السوري بقوة على طاولة نقاش جمعت في باريس كلا من الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين والفرنسي فرنسوا هولاند، على هامش قمة رباعية حول اوكرانيا مع المستشارة الالمانية أنغيلا ميركل والرئيس الاوكراني بترو بوروشنكو، في محاولة لتضييق الخلافات بين الطرفين على هذا الملف. وقال مساعد للرئيس الفرنسي ان هولاند ناقش ثلاثة شروط فرنسية كي تتعاون مع روسيا في سوريا وهي: مهاجمة "داعش" و"القاعدة" دون سواهما، وضمان سلامة المدنيين وعملية انتقال سياسي تشمل رحيل الأسد عن منصبه.

ولم يعرف الموقف الروسي من الشروط الفرنسية، الا أن اوساطا ديبلوماسية قالت لـ"النهار" إن بوتين عاتب على هولاند بسبب التغيير الذي طرأ على الموقف الذي اتخذه في بروكسيل في 24 ايلول الماضي على هامش القمة الاوروبية حول اللاجئين، عندما اشار الى موافقة فرنسية على بقاء الاسد خلال المرحلة الانتقالية "الى أن تنظم انتخابات جديدة"، قبل أن يتراجع عن هذا الموقف أخيرا في خطابه أمام الجمعية العمومية للأمم المتحدة ويعود الى المطالبة بالرحيل الفوري للاسد.

وقالت الاوساط الديبلوماسية، إن موقف هولاند في بروكسيل كان بالتنسيق مع بوتين جزءاً من صفقة تسويات في الملفين السوري والاوكراني، لكن الرئيس الفرنسي تراجع عن "الليونة " في الملف السوري لسببين مرتبطين أحدهما بالآخر، الأول رفع بوتين السقف إذ "يرفض التخلي عن الاسد" ويضع مصيره في يد الشعب السوري في الانتخابات المقبلة، والثاني الضغط الذي مارسه وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس المعروف بموقفه المتشدد ضد الاسد، على الرئيس الفرنسي مستندا الى "التشدد الروسي" في عدم التخلي عن الأسد.

وقالت المستشارة الألمانية ردا على سؤال عن سوريا "انه بحث في الملف السوري خلال الاجتماعات الثنائية مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. ان تنظيم داعش هو العدو ولكن يجب أن تؤخذ في الاعتبار مصالح المعارضة السورية".

"أستانا 2" للمعارضة "المعتدلة السلمية" يطمح إلى دخول معادلة "جنيف 3"

انطلق في العاصمة القازاقية امس مؤتمر "استانا 2" للمعارضة السورية "المعتدلة والسلمية" كما تطلق الشخصيات الـ40 المشاركة في هذا المؤتمر على نفسها. والهدف الاساس لهذا اللقاء الثاني الذي ينعقد بدعوة من وزارة الخارجية القازاقية، هو التوصل الى اعلان مشترك يحدد بوضوح مواجهة الارهاب، الذي يمثله تنظيم "الدولة الاسلامية" (داعش)، أولوية للمواجهة لدى السوريين، وسبل مقاربة الانتخابات النيابية المقررة في ايار من السنة المقبلة، خطوة أولى نحو احداث التغيير على مستوى السلطة السياسية.

ويتميز مؤتمر استانا بأن معظم الحاضرين هم من المستقلين، يحاولون تشكيل تجمع جديد يفرض نفسه على المشهد التفاوضي متى حل زمن المفاوضات المنتظرة تحت عنوان "جنيف 3".
وقال أحد منسقي لقاء أستانا بسام بيطار في جلسة الافتتاح، إن هدف اللقاء هو محاولة التوصل الى موقف موحد من الأزمة و"نحاول العمل مع المجتمع الدولي الذي بدأ يغير رأيه بعد وصول الخيارات العسكرية الى حائط مسدود" .

وبدأ النقاش في الجلسة الاولى من اللقاء الذي يستمر حتى ظهر الأحد، باقتراح المشاركة في الانتخابات النيابية. ولم يوافق عدد من الحاضرين وأولهم نائب المنسق العام لهيئة التنسيق الوطنية السورية عارف دليلة، على الاقتراح على اساس أنه يتعارض مع وثيقة "جنيف 1" التي تدعو الى تشكيل هيئة حكم انتقالي تتولى التحضير للانتخابات، في حين لاقى الاقتراح قبولاً لدى عدد آخر.

ودافعت رئيسة حركة المجتمع التعددي رندة قسيس في حديث الى "النهار" عن اقتراح المشاركة في الانتخابات "وفق آلية واضحة ومحددة وتحت اشراف دولي". وقالت: "اننا ننتظر منذ خمس سنوات تشكيل هيئة الحكم الانتقالي من دون نتيجة، واستمرار الانتظار يعني استمرار تأخير الحلول السياسية، والبدء بالمشاركة في الانتخابات التشريعية سينعكس على السلطة التنفيذية بلا شك".

واعتبرت ان "تنظيم داعش يشكل اليوم العدو الأول لدى الاطراف السوريين كافة، إن في السلطة أم في المعارضة، وعليه يجب التركيز على كيفية مواجهته لأنه يشكل خطرا كبيرا على كل الشعب السوري".

ويعول على مؤتمر استانا كثيرا لاحداث بعض التغيير على مستوى التحضيرات للمفاوضات المنتظرة بموجب الاقتراح الاممي الذي يدعو الى عقد جولات لمجموعات عمل سورية مشتركة بين النظام والمعارضة والمجتمع المدني. ويقضي الاقتراح الذي قدمه المبعوث الخاص للامم المتحدة ستيفان دو ميستورا بالمثالثة في هذه المجموعات بين النظام والمعارضة والمجتمع المدني. واذا فرض لقاء استانا نفسه كتجمع معارض جديد في المشهد السياسي السوري، فإن ذلك سيؤدي الى اعادة النظر في التحضيرات لعمل المجموعات المشتركة والمشاركين فيها وكيفية توزيع المقاعد وما اذا كان ذلك سيكون على حساب "الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية" الذي يصر على المشاركة مناصفة بينه وبين النظام السوري.

كما يعول على المؤتمر القازاقي لفرض معادلة دولية جديدة على مستوى مجموعة العمل الدولية، وذلك من خلال محاولة اعادة النظر بالمشاركين في هذه المحموعة وفق اقتراح دو ميستورا القائم على اساس مشاركة كل من روسيا والولايات المتحدة وتركيا وايران والسعودية ومصر. ويحاول لقاء الاستانا اشراك قازاقستان، كدولة مسلمة سنية مدنية توازي الى جانب مصر ، تركيا والسعودية اللتين تعارضان النظام السوري بقوة.

وينشط الديبلوماسيون القازاق منذ أشهر طويلة بعيدا من الأضواء بين عواصم القرار للأزمة السورية في محاولة لتقريب وجهات النظر من أجل "حل سلمي على اساس جنيف 1"، على حد تعبير نائب وزير الخارجية القازاقي عسكر موسينوف الذي أوضح في كلمته الافتتاحية للمؤتمر أن قازاقستان لا تملك أجندة خاصة بل دورها "ينحصر في ايجاد منصة للتفاوض بين السوريين"، وأن لقاء استانا ليس بديلا من المناقشات الأخرى.

ولقازاقستان علاقات مميزة مع جميع اللاعبين في الازمة السورية، وخصوصا مع الحليف التقليدي روسيا . وعلم أن مؤتمر أستانا يحظى بدعم روسي عكسته مشاركة عدد من المعارضين السوريين الذين يتخذون موسكو مقرا لهم فيه، وتنتظر موسكو نتائج المؤتمر وما سيصدر عنه لتحديد موقفها منه ومن امكان استخدام هذه النتائج في التحضيرات لـ"جنيف 3".

تركيا وحلف شمال الأطلسي يدعوان روسيا إلى تركيز غاراتها على مواقع "داعش"

دعت تركيا وشركاؤها في الائتلاف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة ضد تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) روسيا أمس، إلى وقف هجماتها على المعارضة السورية والتركيز على قتال التنظيم المتشدد وابدوا "قلقهم العميق" من الغارات الروسية في سوريا.

وجاء في بيان مشترك أصدرته تركيا مع الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وألمانيا وحلفاء من دول الخليج العربية، أن التحركات الروسية تمثل "تصعيداً جديداً" للصراع ولن تسفر إلا عن تأجيج التطرف. وأضاف: "نعرب عن قلقنا العميق في ما يتعلق بالحشد العسكري الروسي في سوريا وخصوصاً هجمات سلاح الجو الروسي في حماه وحمص وإدلب منذ أمس والتي أدت إلى سقوط ضحايا من المدنيين ولم تستهدف داعش (الدولة الإسلامية)".

واتهم رئيس الوزراء التركي أحمد داود أوغلو روسيا باستهداف مقاتلي المعارضة السورية المعتدلة بغاراتها الجوية من أجل دعم نظام الرئيس السوري بشار الاسد.

وفي تصريحات للصحافيين الاتراك على متن الطائرة التي نقلته من نيويورك حيث شارك في دورة الجمعية العمومية للامم المتحدة، رفض داود اوغلو اصرار موسكو على ان عملياتها الجوية التي بدأتها هذا الاسبوع تستهدف جهاديي "داعش".

ونقلت عنه صحف تركية بينها "حريت" و"ملييت" أن "النتيجة مقلقة جداً... العملية برمتها تستهدف مواقع الجيش السوري الحر... هذا بوضوح يدعم النظام السوري الذي شارف الانهيار". وقال: "لا أظن انه من المفيد تدمير المعارضة المعتدلة".

ولاحظ انه بينما ايران، الداعم الدولي الرئيسي الاخر للاسد، تقدم الدعم بالعناصر العسكرية على الارض، تتولى روسيا دعم النظام من الجو، مع العلم أنه "حتى الآن، كانت روسيا وايران بالتحديد تعارضان التدخل الخارجي في سوريا". واعتبر ان المواقع التي قصفتها روسيا في سوريا "ستفيد الدولة الاسلامية". وخلص الى ان الدعم العسكري الروسي لنظام الاسد ليس سرا، ذلك أن سفناً حربية روسية عبرت مضيق البوسفور في اسطنبول في الاسابيع الاخيرة "الكل يعرف ما الذي تحمله ووجهتها".

وبدأت الغارات الروسية في سوريا بعد أسبوع من زيارة الرئيس التركي رجب طيب اردوغان لموسكو حيث التقى الرئيس فلاديمير بوتين وشارك في مراسم تدشين مسجد.
ولم يتضح بعد ما اذا كان بوتين أبلغ اردوغان المخططات الروسية لشن غارات جوية خلال المحادثات.
وقال داود اوغلو ان روسيا لم تقدم بعد التقرير الكامل عن "مكان حصول التدخل".