بعد ساعات من اعلان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ان موسكو ستواصل تقديم الدعم للحكومة السورية لمواجهة "العدوان الارهابي"، صرح الناطق باسم وزارة الخارجية الاميركية جون كيربي بأن الوزير جون كيري أجرى امس اتصالاً هاتفياً مع نظيره الروسي سيرغي لافروف، هو الثالث في غضون عشرة ايام، سعياً الى استيضاح الغاية من التعزيزات العسكرية الروسية في سوريا، وحذر من أن الدعم المتواصل للرئيس السوري بشار الاسد من شأنه إطالة أمد الحرب فقط.
وفي البيت الابيض، كشف الناطق باسم الرئاسة الاميركية جوش ارنست بأن الرئيس باراك اوباما يمكن ان يتصل ببوتين في الايام المقبلة من غير ان يستبعد عقد اجتماع بين الرئيسين على هامش أعمال الدورة العادية للجمعية العمومية للامم المتحدة في نيويورك في وقت لاحق من الشهر الجاري. وقال إن موقف الادارة الاميركية من التحركات الروسية في سوريا لا يزال كما عبر عنه اوباما لدى لقائه عسكريين اميركيين الاسبوع الماضي ومفاده ان استراتيجية تعويم الاسد "محكوم عليها بالفشل". واضاف: "لقد قلنا بوضوح ان مزيداً من الدعم، عسكرياً او بأشكال أخرى لنظام الاسد سيأتي بنتائج عكسية لسبب رئيسي وهو ان الاسد قد فقد شرعيته لقيادة البلاد". وجدد الدعوة الى روسيا كي تتعاون مع الائتلاف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة لتقويض تنظيم "الدولة الاسلامية" (داعش) وتدميره في سوريا والعراق. قائلا: "يبدو ان الروس يتشاركون في هذا الهدف، ونود ان نراهم يعملون بالتعاون مع بقية الاسرة الدولية للدفع نحوه".
وأفاد كيربي إن كيري سيزور لندن نهاية الاسبوع للقاء وزير الخارجية البريطاني فيليب هاموند وكذلك مع وزير الخارجية الإماراتي الشيخ عبد الله بن زايد للبحث في قضايا إقليمية. وتستمر زيارته من الجمعة الى الأحد.
قلق فرنسي وفي باريس، قال وزير الدفاع الفرنسي جان - ايف لودريان خلال نقاش عن الازمة السورية في الجمعية الوطنية "ان الوجود الروسي، استنادا الى كل المعلومات المتوافرة لدينا، يتعزز في الوقت الحاضر في مرفأي طرطوس واللاذقية. انه يتعزز عسكريا". واضاف: "إن تعزيز الوجود الروسي في هذين الموقعين... والاعلان عن مناورات بحرية ضخمة في المتوسط قبالة السواحل السورية بعد بضعة أيام، يشكلان وضعا يبعث على القلق". وفي وقت سابق، قال رئيس الوزراء الفرنسي مانويل فالس إن باريس ترى أن من المستحيل التوصل إلى أي حل وسط أو ترتيب مع الأسد من أجل حل سياسي.
الاسد وفي المقابل، صرح الأسد في مقابلة مع شبكة "آر تي" الروسية للتلفزيون بأنه لا يمكن التوصل إلى حل سياسي في سوريا إلا بعد هزيمة الإرهابيين. واعتبر ان مشكلة اللاجئين السوريين الى اوروبا لن تحل الا بمكافحة الارهاب .
الوضع الميداني ميدانياً، أوردت وسائل الاعلام السورية الرسمية ان 20 شخصاً قتلوا نتيجة سقوط قذائف على أحياء عدة خاضعة لسيطرة قوات النظام في مدينة حلب بشمال سوريا فيما أصيب مائة آخرون بجروح. وفي شمال شرق سوريا، ارتفعت حصيلة الضحايا جراء تفجير سيارة مفخخة في أحد أحياء مدينة الحسكة الى سبعة قتلى و21 جريحا.
التحقيق في الاسلحة الكيميائية وفي نيويورك، عين الأمين العام للأمم المتحدة بان كي - مون الأرجنتينية فيرجينيا غامبا رئيسة لآلية التحقيق المشتركة بين الأمم المتحدة ومنظمة حظر الأسلحة الكيميائية "جيم" بموجب قرار مجلس الأمن الرقم 2235 الذي يدعو الى تحديد المتورطين في استخدام غاز الكلور وغيره من المواد الكيميائية أسلحة في سوريا.
بوتين يؤكّد دعم سوريا "في كفاحها ضد العدوان الإرهابي": لولا مساعدتنا لكان الوضع في البلاد أسوأ مما هو في ليبيا
دافع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أمس عن استراتيجيته القاضية بدعم نظام الرئيس السوري بشار الاسد، ردا على اتهامات واشنطن لموسكو بنشر معدات عسكرية وقوات في شمال سوريا.
في اطار قمة دو شانبه لمنظمة معاهدة الامن الجماعي التي تضم عددا من الجمهوريات السوفياتية السابقة، قال بوتين : "اننا ندعم الحكومة السورية في كفاحها ضد العدوان الارهابي واننا نقدم وسنواصل تقديم مساعدة عسكرية فنية لها" في اشارة الى العقود الموقعة مع دمشق لتزويدها اسلحة.
وجدد دعوته الى تشكيل ائتلاف واسع ضد تنظيم "الدولة الاسلامية" (داعش) يضم سوريا والعراق. وأكد ان الرئيس السوري بشار الاسد مستعد للعمل مع المعارضة السورية "السليمة" للتوصل الى حل سياسي للنزاع ، لكنه شدد على ان الاولوية هي للتصدي لـ"داعش". أضاف: "من المؤكد ان الحاجة الى توحيد القوى في المعركة ضد الارهاب تاتي اليوم في الطليعة"... والاولوية اليوم هي لضرورة توحيد قوانا ضد الارهاب. من دون ذلك من المستحيل تسوية مشاكل اخرى عاجلة مثل مشكلة اللاجئين". ولاحظ ان معظم المهاجرين السوريين الساعين للوصول الى اوروبا يهربون من المجموعات "المتطرفة" ولا سيما منها "داعش" وليس من قصف الجيش السوري المتواصل.
ورفض الانتقادات الموجهة الى دعم موسكو للسلطات السورية "الشرعية"، قائلا: "لو لم تساند روسيا سوريا لكان الوضع في البلاد اسوأ مما هو في ليبيا ولكان تدفق اللاجئين اكبر". وحض المجتمع الدولي برمته على وضع الطموحات الجيوسياسية جانبا والتخلي عن الكيل بمكيالين في جهود مكافحة الإرهاب. كما دعا إلى "التخلي عن سياسة استخدام تنظيمات إرهابية معينة بطريقة مباشرة أو غير مباشرة من أجل تحقيق أهداف ظرفية بما في ذلك تغيير الأنظمة التي لا تروق أطرافاً ما".
ووصف الوضع في سوريا والعراق والشرق الأوسط برمته بأنه خطير للغاية، وقال: "الإرهابيون يجاهرون بنيتهم استهداف مكة والمدينة والقدس، ومن خططهم أيضا توسيع نشاطاتهم لتشمل أوروبا وروسيا وآسيا الوسطى وجنوب شرق آسيا".
وأبدى قلقه من وجود متطرفين من دول أوروبية عدة ومن روسيا وجمهوريات سوفياتية سابقة في صفوف التنظيم الإرهابي، حيث يخضعون للتدريب القتالي ويتعرضون لغسيل دماغ ايديولوجي. و"إننا قلقون من احتمال عودة هؤلاء إلى أراضينا. ويتطلب منا العقل السليم ومسؤوليتنا عن الأمن العالمي والإقليمي، توحيد جهود المجتمع الدولي ضد هذا الخطر".
وذكر بأن روسيا دعت إلى الشروع دون إبطاء في تشكيل تحالف واسع لمواجهة المتطرفين، موضحا أن هذا التحالف يجب أن يضم كل القوى التي تساهم بقسط فعلي في مكافحة الإرهاب. وأضاف: "اليوم تكمن المهمة في توحيد الجهود، بما في ذلك جهود الحكومة السورية وقوات الحماية الشعبية الكردية وما يسمى المعارضة المعتدلة والدول الأخرى في المنطقة، من أجل مواجهة الخطر المحدق بكيان الدولة السورية ومكافحة الإرهاب".
بيسكوف الى ذلك، صرح الناطق باسم الرئاسة الروسية ديميتري بيسكوف في وقت سابق بأن اعتبار جهود روسيا متناقضة مع جهود غيرها من الدول في تسوية الأزمة السورية أمر سخيف. وقال: "لا شك في أننا نرمي إلى تحقيق أهداف مشتركة ونتفق على ضرورة تسوية تلك الكارثة التي نشاهدها في سوريا"، مبرزاً ضرورة بذل مزيد من الجهود من أجل مكافحة انتشار "داعش". ونفى وجود أي خلافات بين روسيا وغيرها من الدول في هذا الشأن.
وأفاد إن موسكو تقدم مساعدات للاسد لأنها تعتبر قواته الوحيدة القادرة على مواجهة انتشار "داعش"، وأن شركاء روسيا لا يقدمون أي ايضاحات عن الخطوات العاجلة التي يجب القيام بها من أجل وقف انتشار التنظيم الإرهابي. ولم يستبعد الناطق إجراء أي حوار من أجل ايضاح مواقف الأطراف المعنيين وإيجاد تفاهم وتوافق، وذلك ردا على تصريحات نظيره الأميركي جوش إرنست الذي لم يستبعد إجراء محادثات بين رئيسي الولايات المتحدة وروسيا في شأن تسوية الأزمة السورية. لكنه لفت إلى أنه لا يمكن البحث في أطر الحوار مع واشنطن في شأن الأزمة السورية من دون وجود أي اتفاق أو "إشارات" في هذا الشأن.
ونفى الأنباء التي تناقلتها وسائل إعلام عن إجراء موسكو مفاوضات في شأن مصير الأسد ووصفها بانها ـ"مغرضة". وقال: "أرغب في أن أذكر من جديد بأنه على مستوى وزير الخارجية وعلى مستوى الرئيس، موسكو أكدت أكثر من مرة أنها لا تعمل على هذه المسألة. وهذا يمكن أن يكون الرد الأفضل على مثل هذه الأنباء المختلقة". وأضاف: "مصير سوريا يقرره الشعب السوري, وليس المفاوضات المختلفة. لقد تحدثنا عن هذا بشكل واضح، لكن الإيحاءات والتكهنات عن هذا الأمر تزيد، وياللأسف، أكثر فأكثر في وسائل الإعلام المختلفة".
تصاعد الجدل في فرنسا حول الأسد وفالس يستبعد أي حل وسط معه
هل يؤدي القرار الفرنسي المشاركة في الغارات الجوية على تنظيم "الدولة الاسلامية" (داعش) في سوريا الى اعادة الحوار مع الرئيس السوري بشار الاسد؟ السؤال بدأ يطرح في فرنسا وارتفعت اصوات عدة تطالب باعادة النظر في الاستراتيجية الفرنسية ازاء سوريا.
وجرى أمس نقاش داخل الجمعية الوطنية الفرنسية حول الدور العسكري الفرنسي في سوريا من غير ان يعقبه تصويت. واذا كانت الطبقة السياسية الفرنسية، في ما عدا اليسار المتطرف، تدعم توسيع الغارات الجوية الفرنسية لتشمل الاراضي السورية ايضا وتستهدف "داعش"، فانها في المقابل تختلف على الموقف من الرئيس السوري نفسه. فهناك قسم من حزب "الجمهوريون" برئاسة الرئيس السابق نيكولا ساركوزي يدعو الى احياء الحوار مع الرئيس السوري باعتباره أهون الشرين مقارنة بـ"داعش".
وقال رئيس الوزراء السابق فرنسوا فيون، أحد كبار زعماء المعارضة اليمينية، الاثنين إن "الوقت حان لاعادة النظر في استراتيجيتنا الديبلوماسية والعسكرية". وأضاف ان الخيار الافضل في الوقت الحاضر "هو القيام بعملية واسعة بالتعاون مع روسيا وايران للقضاء على تنظيم "الدولة الاسلامية". وهذه العملية الكبيرة تفترض ان نضع جانباً في الوقت الحاضر مسألة مستقبل النظام السوري". وخلص الى انه "لا بد من مساعدة نظام بشار الاسد لانه على رغم كل سيئاته على وشك السقوط".
وبعدما ترددت في السابق في توسيع مشاركتها في الغارات الجوية الى الاراضي السورية خوفاً من ان يستفيد الاسد منها، عادت باريس وقررت المشاركة في طلعات جوية في الاجواء السورية تمهيداً للمشاركة في الغارات على "داعش".
أما الدافع الى ذلك، على حد قول وزير الدفاع الفرنسي جان - ايف لودريان الاثنين، فهو "تغير المعطيات" اذ "لم نعد نستطيع ان نسمح بابقاء سوريا معقل داعش خارج سياستنا في المشرق". واذا كان الرئيس فرنسوا هولاند قد خفف دعواته الى تنحي الرئيس السوري، فانه لم يتخل عن الدعوة "الى تحييده".
لكن رئيس الوزراء الفرنسي مانويل فالس قال إن باريس ترى أن من المستحيل التوصل إلى أي حل وسط أو ترتيب مع الأسد من أجل حل سياسي. وجاء في كلمة له أمام الجمعية الوطنية لايضاح قرار فرنسا بدء رحلات استطلاعية فوق سوريا: "لن نفعل شيئا يقوي النظام ... على العكس من ذلك الأمر الملح هو التوصل إلى اتفاق يطوي نهائياً صفحات جرائم الأسد... لا يمكن التوصل إلى حل وسط أو اتفاق مع رجل مسؤول عن سقوط كل هؤلاء القتلى وكل تلك الجرائم ضد الإنسانية". واستبعد مجددا إرسال قوات برية فرنسية إلى سوريا، لكنه أفاد أنه إذا انشئ تحالف إقليمي للتدخل ضد "داعش" فسوف تدعمه باريس.
|