اخترقت الجولة التي بدأها البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي امس على منطقة عاليه جانبا من المشهد الداخلي، واتخذت أبعادا بارزة بدخولها من خلال مواقف الراعي وأركان طائفة الموحدين الدروز الدينيين والسياسيين الذين كانوا في محطات استقباله، على صلب الازمات الحارة التي تعيشها البلاد سياسيا واجتماعيا وخدماتيا. وتزامن اليوم الاول من هذه الجولة مع تصاعد حركة الاعتراضات في عدد من المناطق على خطة وزير الزراعة أكرم شهيب لإنهاء أزمة النفايات والتي وافق عليها مجلس الوزراء، واسترعى الانتباه ان الوزير شهيب وخطته حظيا بدعم قوي من البطريرك الراعي الامر الذي شكل احدى الرسائل البارزة في المواقف التي أطلقها البطريرك في اتجاهات عدة. فهو حيا شهيب على خطته التي وصفها بأنها "خريطة طريق للتخلص من وصمة العار على جبين اللبنانيين". كما خاطب شيخ عقل الموحدين الدروز الشيخ نعيم حسن في دارة الاخير قائلا: "نحن وإياكم أم الصبي ونناشد من هذه الدار السياسيين: يكفي تصالحوا" مشددا على ان الحل الوحيد "لينتظم كل شيء هو انتخاب رئيس للجمهورية". وخص ايضا التحرك المدني بلفتة شكر "لانهم يطالبون بوضع حد للفساد". ودعاهم الى "تصويب المطالب نحو مطلب أساسي هو المدخل الرئيسي لكل الامور وتلبية كل المطالب وهو انتخاب رئيس للجمهورية بأسرع وقت".
وفيما تكرر مشهد الاعتصامات احتجاجا على اعتماد مطامر في مناطق صيدا وبرج حمود ومجدل عنجر، علمت "النهار" أن موضوع أزمة النفايات الذي عاد الى دائرة العرقلة استدعى اتصالات وتحركا متجددا للوزير شهيب صاحب خطة الحل التي أقرّها مجلس الوزراء في جلسته الاستثنائية الاخيرة. وقالت مصادر وزارية أن الخطة استوفت قبل إقرارها التغطية السياسية والفنية والمالية. وكان رئيس الوزراء تمام سلام حازما عندما وجد أن الجلسة ستنتهي من دون إقرار الخطة فقال: "غدا لن تكون هناك حكومة". كما أن وزيري الكتائب سجعان قزي ورمزي جريج ووزير الاتصالات بطرس حرب هددوا بالاستقالة إذا لم تقر الخطة. لكن المصادر لاحظت أن الطرف الذي يعطّل إنتخابات رئاسة الجمهورية وعمل الحكومة هو الذي يعطّل الان خطة النفايات ويطالب بمقايضة تسهيل هذه الخطة بموضوع الترقيات العسكرية الامر الذي اعتبرته مصادر بارزة في قوى 14 آذار محاولة لتغطية ما يدور في سوريا حيث تتسارع وتيرة التطورات لغير مصلحة النظام و"حزب الله". ودعت الى ابقاء عين على الحوار وعلى الحكومة وعلى الشارع والاقليم لتكوين فكرة واضحة عما يجري.
درباس وفي هذا السياق، صرح وزير الشؤون الاجتماعية رشيد درباس لـ"النهار" بأن الوزير شهيّب يعالج الامور "بهدوء والمطلوب هو ضوء أخضر من القوى السياسية للانطلاق في تنفيذ خطة النفايات، علما أن حضور وزيري حزب الله والتيار الوطني الحر حسين الحاج حسن والياس بوصعب جلسة مجلس الوزراء الاستثنائية كان بمثابة موافقة إيجابية على الخطة".
قزي وأوضح الوزير قزي من ناحيته لـ"النهار" إن "مشاركتنا في الجلسة لم تكن لإقرار الخطة والسبب أننا لسنا خبراء، بل كانت مشاركتنا لدعم الخطة سياسيا، وهذا بيت القصيد". واستغرب "إنفاق 300 مليون دولار على عكار والبقاع الغربي وبرج حمود قبل رفع كيس نفايات".
وقالت مصادر معنية إن الايام المقبلة يفترض ان تشهد وتيرة سريعة لتذليل العقبات الظاهرة والخفية التي تعرقل انطلاق تنفيذ الخطة، خصوصا أن الرئيس سلام يضغط بقوة في هذا الاتجاه قبل ان يغادر بيروت الى نيويورك ليرأس وفد لبنان
الى دورة الجمعية العمومية للامم المتحدة بدءا من 24 ايلول. وسيلقي سلام كلمة لبنان في 29 منه ويشارك في القمة الدولية للتنمية في 26 و27 منه، كما يرأس وفد لبنان الى اجتماع مجموعة الدعم الدولية للبنان في 30 منه وستكون له مجموعة لقاءات على هامش الجمعية العمومية مع عدد من رؤساء الوفود المشاركين ومن أبرزهم الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند.
زيارة هولاند وفي هذا السياق، نقل مراسل "النهار" في باريس سمير تويني أمس عن الناطق باسم وزارة الخارجية الفرنسية رومان نادال خلال المؤتمر الصحافي الاسبوعي ردا على سؤال عن زيارة الرئيس الفرنسي للبنان، ان الزيارة هي قيد التحضير ولكن لم يعلن أي موعد لها.
وكان الرئيس الفرنسي اعلن انه سيقوم بعد اجتماع مجموعة الدعم الدولية للبنان في نيويورك في 30 أيلول بزيارة للبنان لتفقد أحد المخيمات التي تستضيف لاجئين سوريين لتحديد سبل مساعدتهم وانه سيجتمع بعدد من السياسيين اللبنانيين للبحث معهم في آخر تطورات الازمة اللبنانية.
وأثار الاعلان عن الزيارة مجموعة تساؤلات أولها بروتوكولي وهو: كيف يمكن الرئيس الفرنسي القيام بزيارة للبنان في غياب رئيس للجمهورية؟ والتساؤل الثاني سياسي ، فإذا تخطى الرئيس الفرنسي العقبة البروتوكولية فانه لن يقوم بزيارة لبنان وجعبته فارغة من أية حلول يعرضها للازمة اللبنانية. أي ان هولاند لن يأتي الى لبنان ليتشاور مع السياسيين اللبنانيين بل لتقديم حلول تكون قد طرحت خلال اجتماع مجموعة الدعم للبنان وتم التوافق عليها بين الاطراف على انه يمكن تطبيقها.
والرئيس الفرنسي يعلم ان نجاح زيارته للبنان مرتبط بايجاد حلول تؤدي الى ملء الفراغ الرئاسي وتفعيل العمل الحكومي والبرلماني للتوصل الى انتخابات نيابية جديدة. كما انه يعلم ان الملف اللبناني مرتبط بايجاد حلول للازمة السورية وليست في الأفق القريب أو المتوسط أي مؤشرات إيجابية قد تؤدي الى حل الازمة السورية. فهل ان باريس التي تضع الملف اللبناني في أولوياتها قادرة على اجتراح الحلول للبنان بمعزل عن الوضع الإقليمي؟ |