التاريخ: أيلول ٦, ٢٠١٥
المصدر: جريدة الحياة
مطالبات درزية بـ «إدارة ذاتية» والنظام السوري يعزل السويداء
باريس - رندة تقي الدين < بيروت، لندن - «الحياة»، أ ف ب - 
رفع دروز سوريون معارضون سقف مطالبهم بعد اغتيال الشيخ وحيد البلعوس، مطالبين بـ «إدارة ذاتية» وفتح معبر حدودي مع الأردن، وسط اتساع رقعة الاحتجاجات في مدينة السويداء وقتل عناصر من أجهزة الأمن، فيما عزل النظام السويداء عبر قَطْع الانترنت والاتصالات، ومنع دروز ريف دمشق من الذهاب إلى المدينة الواقعة جنوب البلاد. وأُفيد أمس بوجود توجُّه فرنسي جديد للمشاركة في محاربة «داعش» في سورية، وسط تأكيد وزيرَي الخارجية الأميركي جون كيري والروسي سيرغي لافروف دعم جهود الأمم المتحدة لـ «إطلاق» عملية السلام السورية.

وأعلنت الخارجية الأميركية أن كيري أبلغ لافروف قلقاً من تقارير عن زيادة موسكو دعمها العسكري للنظام السوري. وأشارت في بيان إلى أن كيري «أكد أنه في حال صحت التقارير (عن زيادة هذا الدعم) فإن ذلك سيزيد التوتر ويؤدي إلى مزيد من خسائر المدنيين الأبرياء، وسيزيد تدفق اللاجئين واحتمال الصدام مع التحالف الدولي ضد داعش».

وكان البلعوس، الذي قُتِل مع 40 شخصاً بتفجير سيارتين مساء أول من أمس، يتزعّم مجموعة «مشايخ الكرامة» التي تضم رجال دين آخرين وأعياناً ومقاتلين، وهدفها حماية المناطق الدرزية من تداعيات النزاع السوري. وهو يتمتع بشعبية واسعة لدى أبناء الطائفة الدرزية، وعُرف بمواقفه الرافضة لأداء الدروز الخدمة العسكرية الإلزامية خارج مناطقهم.

وأفاد «المرصد السوري لحقوق الإنسان» بأن عشرات من أنصار البلعوس خرجوا إلى الشارع بعد انتشار خبر مقتله، وحمّلوا النظام السوري مسؤولية التفجيرين، ما أسفر عن مقتل «ستة عناصر من القوى الأمنية النظامية ليل الجمعة، خلال هجوم مسلحين على فرع الأمن العسكري» في المدينة. وتابع: «خرج عشرات المواطنين في تظاهرات أمام مقار حكومية، وأحرقوا عدداً من السيارات أمامها»، إضافة إلى تحطيم تمثال للرئيس السابق حافظ الأسد.

وأكد الإعلام الرسمي السوري الانفجارين، وحصيلة القتلى على أيدي «مجموعات تكفيرية». لكنه لم يأتِ على ذكر البلعوس، في حين أفادت مصادر موالية للنظام بأن محاولات جرت «بالتعاون مع العقلاء في المحافظة لتخفيف الانفعال، إذ تم تسلم كل الحواجز الأمنية من قبل أبناء المحافظة وقوات الدفاع الوطني» التابعة للنظام.

واعتبر الرئيس الجديد لـ «مشايخ الكرامة» رأفت البلعوس في بيان «جبل العرب (الذي يضم الدروز) منطقة محررة واستمرار عمل المؤسسات العامة والخدمية بإشراف الإدارة الذاتية المنبثقة من الهيئة الموقتة لحماية الجبل»، إضافة إلى «تكليف لجنة التفاوض السياسي التواصل مع الحكومات وهيئات ومؤسسات المجتمع الدولي لنقل الحقائق، واعتماد وضع الجبل تحت بند منطقة آمنة أو منطقة حظر جوي، وفتح معبر حدودي مع الأردن بالتنسيق مع حكومته».

إلى ذلك، كشفت صحيفة «لوموند» الفرنسية أمس عن توجُّه جديد للرئيس فرانسوا هولاند بخوض الحرب ضد «داعش» في سورية، وأنه سيشرح ذلك في مؤتمر صحافي يعقده غداً. وأكدت مصادر فرنسية لـ «الحياة» حصول تحول في سياسة باريس التي ترفض محاربة «داعش» تجنُّباً لمساعدة النظام السوري، مشيرة إلى أن فرنسا «ترى أن بشار الأسد الآن في حال ضعيفة وقواته ليست على ما كانت عليه عندما تشكّل التحالف الدولي- العربي». وأضافت المصادر أن «الموقف الفرنسي من الأسد والانتقال السياسي في سورية لم يتغير، وهولاند ما زال مصراً على انتقال سياسي على أساس بيان جنيف، وأن يسلم الأسد كل صلاحياته لحكومة انتقالية». وزادت: «مخطئ من يتحدث عن تغيير أو ليونة في الموقف الروسي إزاء ترك الأسد السلطة، فتصريحات الرئيس فلاديمير بوتين تُظهر عكس ذلك وأنه ما زال متشدداً في مسألة التمسُّك بالاسد».

النظام يعزل السويداء بعد احتجاجات... وتحطيم تمثال حافظ الأسد

فرض النظام السوري عزلة على مدينة السويداء ذات الغالبية الدرزية، وسط مساعٍ لاحتواء التوتّر في المدينة الواقعة جنوب دمشق وقرب حدود الأردن، ذلك بعد مقتل ستة عناصر من قوى الأمن ليل الجمعة - السبت، خلال حركة احتجاجات أعقبت مقتل رجل دين درزي بارز في انفجار سيارة مفخّخة.

وقال «المرصد السوري لحقوق الإنسان»، أن العشرات من أنصار الشيخ وحيد البلعوس، خرجوا الى الشارع وحمّلوا النظام السوري مسؤولية التفجيرين اللذين وقعا في السويداء الجمعة، وتسبّبا بمقتل 28 شخصاً بينهم البلعوس المعروف بمواقفه المنتقدة للنظام، إضافة الى إصابة نحو خمسين شخصاً بجروح.

وأضاف مدير «المرصد» رامي عبدالرحمن في اتصال هاتفي مع وكالة فرانس برس: «قتل ستة عناصر من القوى الأمنية النظامية ليل الجمعة، خلال هجوم لمسلّحين على فرع الأمن العسكري».

وكان البلعوس يتزعّم مجموعة «مشايخ الكرامة»، التي تضمّ رجال دين آخرين وأعياناً ومقاتلين، هدفها حماية المناطق الدرزية من تداعيات النزاع السوري المستمر منذ أكثر من أربع سنوات. وهو يتمتّع بشعبية كبيرة بين أبناء الطائفة الدرزية. وعُرف بمواقفه الرافضة لقيام الدروز بالخدمة العسكرية الإلزامية خارج مناطقهم.

وكانت السويداء شهدت خلال الأيام التي سبقت التفجيرين، تظاهرات شعبية حاشدة، قال سكان أنها كانت تحظى بدعم البلعوس، طالب خلالها المتظاهرون السلطات بالكهرباء والطحين وتأمين أمور حياتية أخرى. كما طالبوا باستقالة محافظ السويداء. وأثار انتشار خبر مقتل البلعوس توتراً شديداً.

وأفاد «المرصد السوري» بخروج «عشرات المواطنين في تظاهرات أمام مقار حكومية عدة. وأحرقوا عدداً من السيارات أمامها. وظلّت تُسمع طيلة الليل أصوات إطلاق نار في المدينة من دون أن تُعرف أسبابها». وأشار الى أن المتظاهرين «حطّموا تمثال الرئيس السابق حافظ الأسد في وسط السويداء».

وقال شاب من سكان السويداء رفض الكشف عن اسمه (24 سنة، طالب) لفرانس برس في اتصال هاتفي، أن منزله قريب من سوق الخضار ومبنى البلدية. وأضاف: «سمعت صوت تحطّم زجاج، وعندما نظرت من النافذة، رأيت عشرات الشبان يحطّمون سيارات مقابل مبنى البلدية، كما رشقوا المبنى بالحجارة». وأشار الى «هدوء حذر» السبت في السويداء.

وذكر سكان أن رجال الدين في المدينة طلبوا من الناس التزام الهدوء. وأشاروا الى انقطاعات في شبكة الإنترنت والاتصالات الهاتفية.

ونقلت نور (موظفة، 25 سنة) القاطنة في دمشق، عن ذويها المقيمين في السويداء، أن «عمال البلدية قاموا بتنظيف أماكن التفجيرات»، وأن هناك «حالة من التوتر والخوف».

من جهته، قال «الائتلاف الوطني السوري» المعارض، أن «تجمّع رجال الكرامة» في محافظة السويداء أعلن «جبل العرب منطقة محرّرة من عصابات الأمن وزمرهم، وإبطال دور اللجان الأمنية الأسدية، وتسليم الشؤون الأمنية لرجال الكرامة في كل مدينة وبلدة من المحافظة، ذلك بعد اندلاع احتجاجات واسعة».

وأضاف أن «ثوار السويداء سيطروا في شكل كامل على كلّ من فرع المخابرات الجوية، والأمن العسكري، الأمن الجنائي، والشرطة العسكرية، وفرع حزب البعث».

ودعا بيان صادر عن التجمع، «كل أبناء جبل العرب من عسكريين ومدنيين في كل المواقع، للقدوم الى الجبل والمشاركة في حمايته»، مؤكداً أن السويداء جزء لا يتجزأ من تراب سورية الحرة، وتقف ضد كل إرهاب واحتراب أهلي وتكافح أي تكفير واستبداد، واعتبار السويداء ملجأ لكل الضيوف الكرماء الذين حلوا بها، آمنين على أرواحهم وأرزاقهم فيها حتى يعودوا إلى ديارهم».

وقالت عضو الهيئة السياسية في «الائتلاف» سهير الأتاسي، أن «عملية الاغتيال التي قام بها نظام الأسد في حق الشيخ وحيد بلعوس من أجل تصفية انتفاضة السويداء، لم تفشل فحسب بل انقلب إجرامها على المجرم، وتعاظم بفعل هذا التصعيد الغضب الشعبي في المحافظة التي انتفضت في شكل شامل ضد الإجرام والقمع». وحذّرت الأتاسي من قيام النظام بـ «ارتكاب جريمة جديدة في حق أبناء السويداء المنتفضين في وجهه، واستخدام استراتيجيته المعهودة بدفع تنظيم داعش الى التغلغل في السويداء لخلط الأوراق وإحداث الفوضى فيها»، كما أكدت «أن حماية المدنيين في السويداء ومنع النظام من الانتقام منهم واجب عاجل يجب على المجتمع الدولي أن يتحمّل مسؤوليته»..

وكان «الائتلاف» دان جريمة «الاغتيال الإرهابية التي استهدفت الشيخ وحيد بلعوس والشيخ فادي نعيم»، ودعا الى «غضبة وطنية يكشفون بها عن معدنهم الأصيل، ويعبرون عن وقوفهم الأكيد إلى جانب الثورة السورية قولاً وفعلاً».

وقُتل البلعوس في انفجار سيارة مفخّخة استهدفته أثناء مروره بسيارته في ضهر الجبل في ضواحي مدينة السويداء. ثم انفجرت السيارة الثانية قرب المستشفى الذي نُقل إليه الجرحى والقتلى.

وأكد الإعلام الرسمي السوري وقوع الانفجارين وحصيلة القتلى. إلا أنه لم يأتِ على ذكر البلعوس. ودان مجلس الوزراء «التفجيرين الإرهابيين».

ووصف مصدر أمني رسمي في دمشق التفجيرين بأنهما «عمل إرهابي موصوف»، مضيفاً: «هذه الاستهدافات من طبيعة المجموعات الإرهابية المسلّحة».

إلا أن الزعيم اللبناني الدرزي وليد جنبلاط، اتّهم «نظام بشار الأسد» باغتيال البلعوس ورفاقه. وقال في تغريدة على تويتر، أن البلعوس «قائد انتفاضة ترفض الخدمة العسكرية في جيش النظام».

ويشكّل الدروز أقل من ثلاثة في المئة من سكان سورية. وتفيد تقارير بتخلّف شريحة واسعة منهم عن الالتحاق بالجيش للقيام بالخدمة الإلزامية. وسعى الدروز إجمالا منذ بدء النزاع في منتصف آذار (مارس) 2011، الى تحييد مناطقهم.

وسبق أن حصلت في العام 2000، مواجهات بين الدروز والبدو أسفرت عن وقوع قتلى. كما حصلت اشتباكات قبل أشهر بين الطرفين، في وقت سعت «الجبهة الجنوبية» في «الجيش الحر» الى طمأنة الدروز في مناسبات عدة.