تعمقت أزمة الصحافة المصرية خلال الأسابيع القليلة الماضية، حيث تطورت عمليات الملاحقة من اعتقال الصحافيين والناشطين والعاملين في المجال الإعلامي، إلى وقف طباعة الصحف الورقية ومحاولة الحد من انتشارها وإسكات صوتها بطرق متفاوتة، وأغلبها غير مباشرة.
ويؤكد إعلاميون وحقوقيون أن عمليات المنع من الطباعة وقطع الإعلانات والتضييق على الصحف تمثل مرحلة جديدة من التضييق على الإعلام في مصر، في الوقت الذي لا يزال النظام يعتقل العشرات من الصحافيين ويودعهم السجون منذ شهور دون محاكمة أو توجيه تهمة، وأحيانا بموجب اتهامات واهنة لا تستوجب الاعتقال والإيداع في السجن.
وخلال الأيام القليلة الماضية أوقفت مطابع جريدة «الأهرام» طباعة جريد «المصريون» بسبب مقال لرئيس تحريرها جمال سلطان ينتقد فيه الرئيس عبد الفتاح السيسي، كما تم بعدها بأيام وقف طباعة جريدة «الصباح» الأسبوعية بسبب مقال أيضاً، فيما اضطرت جريدة «التحرير» أيضاً لإعلان وقف إصدارها الورقي والتحول إلى صحيفة الكترونية فقط، رغم أنها موالية للسلطات في مصر ولا تعاني من أي مشاكل منذ تولي السيسي السلطة، إلا أن بعض المصادر المصرية تتحدث عن أن أزمة مالية هي التي أطاحت بجريدة «التحرير» ونقلتها من أكشاك الرصيف إلى العالم الافتراضي.
وأصدرت جريدة «المصريون» بياناً أوضحت فيه أن مؤسسة «الأهرام» الحكومية أوقفت طباعة أحد أعداد الصحيفة بسبب مقال لرئيس التحرير جمال سلطان تحت عنوان «لماذا لا يتوقف السيسي عن دور المفكر الإسلامي؟». وهو المقال الذي ينتقد تركيز السيسي على مسألة الخطاب الديني، حيث اعترضت «الأهرام» على المحتوى بشكل علني وطلبت من إدارة الصحيفة استبدال المقال.
وقالت «المصريون» إن مؤسسة «الأهرام» اعترضت أيضاً على مقال في الصفحة الرابعة تحت عنوان «الغموض يحيط بزيارة السيسي إلى بريطانيا خوفاً من الاعتقال.. الرئيس و12 مسؤولا مهددون بالملاحقة.. وخبير: الدعوة الملكية تحميه من المساءلة»، وهو تقرير يتحدث عن المساعي الجارية أمام القضاء في لندن من أجل ملاحقة واعتقال السيسي بتهم تتعلق بارتكاب جرائم حرب، على خلفية قرار فض الاعتصامين في «رابعة» و»النهضة» قبل نحو عامين.
سلطان: المنع بعد الاعتقالات
وقال رئيس تحرير جريدة «المصريون» جمال سلطان في تصريحات صحافية إن المنع من الطباعة يأتي بعد جملة الاعتقالات التي طالت خمسة من الصحافيين العاملين في الجريدة. وأكد سلطان أن «الأهرام ليست جهة قرار أو منع، فهي مؤسسة تجارية وتعمل في ظل قواعد وإجراءات إدارية وقانونية تلتزم بها، لكن التدخل يأتي من جهات أخرى، وهي جهات أمنية بكل تأكيد».
واعتبر رئيس تحرير «المصريون» أن العمل الميداني أصبح مغامرة بالنسبة للصحافيين في مصر «لأن الجهاز الأمني متوتر جداً، ويقلق كثيراً من أي كاميرا في الطريق، ولا يفرق بين صحافي أو غير صحافي». وأضاف: «تعرضنا للعديد من المتاعب، فهناك خمسة من الصحافيين لنا اعتقلوا على فترات مختلفة، كان آخرها إلقاء القبض على ثلاثة صحافيين من أمام نقابة الصحافيين، ولم يتم الإفراج عنهم إلا بعد تدخل أعضاء في النقابة».
منع جريدة «الصباح»
ولاحقاً لمنع جريدة «المصريون» من الطباعة، منعت السلطات المصرية طباعة صحيفة «الصباح» الأسبوعية بسبب عنوان مقال لأحد الكتاب الشباب. وقال صحافيون عاملون في الجريدة في تدوينات عبر شبكة «فيسبوك» إن سبب منع الطباعة هو مقال بعنوان «كيف تصبح طفلاً للرئيس في تسع خطوات؟»، للدكتور أحمد رفعت، وجاء ردا على حوار الصحيفة ذاتها، مع رئيس حزب مستقبل وطن محمد بدران. ولم يتبين إن كانت جريدة «الصباح» قد تمكنت لاحقاً من الطباعة أم لا، كما لم تعلن إن كان من الممكن حذف المقال للتمكن من النشر أم لا.
منع جريدة «صوت الأمة»
وفي وقت سابق من العام الحالي تعرضت صحف مصرية للمصادرة والمنع من الطباعة، وقبل أسبوع واحد فقط من حادثة «المصريون» و»الصباح» تعرضت جريدة «صوت الأمة» للمصادرة بعد أن تمت طباعتها وتم إتلاف الكمية المطبوعة قبل توزيعها على الجمهور.
وجاءت مصادرة «صوت الأمة» وإتلافها بعد أن تصدر الصفحة الأولى من عددها تقرير عن صحة والدة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، والتي توفيت بعد تلك الحادثة بأيام، وأجبرت «صوت الأمة» حينها على حذف التقرير وتغييره وصدرت خالية من أي ذكر لوالدة الرئيس السيسي.
إلى ذلك، أصدر مجلس إدارة جريدة «التحرير» قراراً بوقف الإصدار الورقي اعتباراً من 1 أيلول/سبتمبر 2015 المقبل، مع استمرار البوابة الالكترونية للتحرير. وقرر المجلس برئاسة المهندس أكمل قرطام وقف الإصدار الورقى للجريدة، وتشكيل لجنة لتطبيق القرار وفقا لمقتضياته، على أن تضم اللجنة عدداً من الصحافيين والمحامين، وسط توقعات عن احتمال أن تضطر لتسريح عدد كبير من العاملين فيها.
العربي: رقابة مشددة على الإعلام
وقال الصحافي المصري قطب العربي، رئيس «المرصد العربي لحرية الإعلام» إن «الأحداث الأخيرة في مصر تؤكد وجود رقابة، بل رقابة مشددة على المطبوعات ووسائل الإعلام وسعي لتحويلها إلى إعلام الصوت الواحد، وهو ما يتنافى مع الدستور ومعايير حقوق الإنسان، ويتنافى مع المنطق في عصر الانترنت والقنوات الفضائية».
وأضاف في تصريحات خاصة لــ«القدس العربي» إن «حجم الرقابة والتضييق والملاحقة ضد الصحافيين في مصر شهد ارتفاعاً كبيراً منذ إنقلاب الثالث من تموز/يوليو 2013 ثم تصاعد في أعقاب تولي السيسي الحكم في مصر، وهو ما ينذر بالأسوأ خلال السنوات المقبلة»، مؤكداً أن أوضاع الصحافيين في مصر اليوم أسوأ مما كانت عليه خلال حكم الرئيس المخلوع حسني مبارك والذي ثار عليه المصريون في الخامس والعشرين من كانون الثاني/يناير 2011».
وبحسب العربي فان «حوالي 110 من الصحافيين لا يزالون قيد الاعتقال، اضافة إلى عشرات آخرين تعرضوا للاعتقال ومن ثم تم الافراج عنهم، فضلاً عن عشرات آخرين تعرضوا لاعتداءات مختلفة ومتباينة خلال الفترة الماضية». ويلفت إلى أن الصحف ووسائل الإعلام التي يتم التضييق عليها حالياً ليست محسوبة على المعارضة بل على السلطة الحالية، وإنما يتم إرهاب الصحافيين بها ومعاقبتها لأنها تجرأت على نشر انتقادات أو أخبار تتجاوز الخطوط الحمراء التي يضعها النظام، كما حصل مع «صوت الأمة» التي كادت تنشر تقريراً عن الحالة الصحية لوالدة السيسي، وهو تقرير لا يتضمن أي نوع من أنواع الانتقاد أو المعارضة للنظام، معتبراً أنها «رسالة إلى الصحافيين ومؤسساتهم بأن الحديث عن السيسي ليس مفتوحاً بالمطلق، ولو دون انتقاد له».
يشار إلى أن «المرصد العربي لحرية التعبير» الذي يرأسه الصحافي المصري قطب العربي وثق حتى الآن نحو 110 حالة اعتقال لصحافيين ما زالوا خلف القضبان في السجون المصرية، اضافة إلى عشرات الانتهاكات الأخرى. |