نجح الحراك الشعبي والشبابي في لبنان، الذي انطلق ضد أزمة النفايات قبل أكثر من أسبوعين وتطور إلى احتجاج ناقم ضد الفساد والطبقة السياسية الحاكمة، في اجتذاب عشرات آلاف المواطنين اللبنانيين الى التظاهرة المركزية التي دعت إليها منظمات وهيئات من المجتمع المدني وانضم إليها ناشطون يساريون وهيئات نقابية، في ساحة الشهداء وسط بيروت عصر أمس، فشكل ذلك إنذاراً مهماً للزعامات والأحزاب السياسية والطائفية اللبنانية وسط الأزمات المتعددة التي يعيشها لبنان وتنعكس تردياً حياتياً وخدماتياً على اللبنانيين. وتميز حراك الأمس بالإقبال الكثيف على رغم عدم اشتراك الأحزاب التي اعتادت إنزال مئات الآلاف الى ساحة الشهداء، وتخطى بحجمه قدرة أحزاب صغيرة شاركت في الحشد، منها الحزب الشيوعي وحركة «التجدد الديموقراطي» و «حزب الخضر» وشلل يسارية أخرى وغيرها، ليعبر المشاركون، وبعضهم ينزل إلى الشارع للمرة الأولى، عن وجع الناس وسخطهم على المسؤولين والمحاصصة الطائفية التي لم تنجح في انتشال اللبنانيين من تراجع الخدمات والرعاية الاجتماعية، وسط الشلل الذي أصاب المؤسسات الدستورية واستمرار الشغور في رئاسة الجمهورية منذ أكثر من سنة و3 أشهر.
واستطاعت الهيئات الداعية، أي «طلعت ريحتكم»، «بدنا نحاسب»، «عالشارع» و «فلوا عنا»، ولجنة أهالي المخطوفين والمفقودين وغيرها، ضبط المشاركين وتجنب المواجهات التي سبق أن حصلت الأسبوع الماضي مع القوى الأمنية، فتشكلت مجموعات تنظيمية من 500 شاب رافقت التظاهرة التي انطلقت من أمام وزارة الداخلية، للاحتجاج على القمع الذي تعرض له متظاهرو أيام السبت والأحد والإثنين الماضية وعلى استمرار توقيف 7 أشخاص في أعمال الشغب التي سبق أن حصلت في وسط بيروت. وحالت هذه المجموعات دون دخول عناصر مشاغبة ساهمت في افتعال الصدامات مع القوى الأمنية في الأيام الماضية. وانضمت التظاهرة الى التجمع الرئيسي في ساحة الشهداء.
ورفع المتظاهرون لافتات طالبت باستقالة وزير البيئة محمد المشنوق وبمحاسبة وزير الداخلية نهاد المشنوق. واختلط الشباب مع مشاركين من كبار السن وبعض الفنانين. وبلغ صدى الاحتجاج جاليات لبنانية في الخارج، مثل لندن وواشنطن وبروكسيل وكندا، حيث نفذت مجموعات لبنانية وقفات تضامنية مع ناشطي بيروت.
وتقدم المتظاهرين عناصر قوى الأمن الداخلي من دون أن يحملوا أسلحة، وسلكت طريق سبيرز- برج المر- باب إدريس- شارع ويغان من أمام مبنى البلدية وصولاً إلى ساحة الشهداء.
ورفع المتظاهرون الأعلام اللبنانية دون غيرها، واللافتات التي تضمّنت مطالبهم وانتقاداتهم للطبقة السياسية من دون استثناء. وأظهرت اللافتات المرفوعة غياب الوجود الحزبي، وتناولت القضايا الاجتماعية والمعيشية والانتخابات النيابية ومحاسبة وزير الداخلية نهاد المشنوق واستقالة وزير البيئة محمد المشنوق. وانضمت إلى التجمع في ساحة رياض الصلح مجموعات من جميع المناطق اللبنانية، من عكار إلى أقصى الجنوب مروراً بكسروان وجبيل والمتن والشوف وعاليه وكذلك من البقاع وبعلبك- الهرمل.
ولعل شعار «بدنا نحاسب» كان الأبرز بين الشعارات المرفوعة، وكذلك شعار «حلّوا عنا» و «كلكن يعني كلكن»، إضافة إلى: «الشرعية للشعب»، «قصر زعيمك كلو نظيف لأنو زبالتو عندك»، «ع التّغيير»، «ريحتكم وصّلت إلى كندا»، «الشعب يريد النسبية»، «هذه الحكومة زبالة»، «Game Over»، «بدنا نتزوّج»، «سير ألكس فرغسون رئيساً»، «بدنا نحاسب على نهب المال العام»، «ما تكون خروف»، «طفح الكيل» (عكار)، «14 و8 عملوا البلد دكانة»... ورفع مشاركون صورة لزعماء ضمّت ميشال عون ونبيه بري وسعد الحريري ووليد جنبلاط ومحمد رعد وسمير جعجع طالبين منهم الرحيل، وهتف مشاركون: «ثورة شعبية يا شعبي».
وعند التقاء التظاهرة بالمحتشدين الذين غطوا جزءاً كبيراً من ساحة الشهداء، توجّه عدد كبير منهم وبشكل مفاجئ إلى ساحة رياض الصلح هاتفين «ثورة ثورة»، وكذلك هتفوا ضد «128 مندساً في البرلمان»، ووقفوا قبالة الشريط الشائك الذي يفصل الساحة عن السراي الحكومية ولم يكن وراءه عناصر قوى الأمن ومكافحة الشغب، الذين ابتعدوا نحو المدخل الرسمي للسراي.
وفي ساحة الشهداء، تلت احدى الناشطات مطالب المتظاهرين، وتمثلت بشكل أساسي بـ: حل بيئي مستدام وصحي لأزمة النفايات، استعادة أموال البلديات من الصندوق البلدي المستقل، استقالة وزير البيئة محمد المشنوق، محاسبة وزير الداخلية نهاد المشنوق، محاكمة مطلقي النار على المتظاهرين، إجراء انتخابات نيابية شرعية لتغيير الطبقة الحاكمة وتحقيق دولة مدنية. وقال الناشط أسعد ذبيان: «نحن نختار متى المواجهة، ونحن هنا ليس لأننا ضعفاء، بل لأننا منضبطون وإذا كانواغير قادرين على ضبط جماعات تدخل بيننا فنحن قادرون على أن نضبط أنفسنا.
وعلمت «الحياة» أن أحزاباً عدة أعطت تعليمات لمحازبيها بعدم المشاركة في تجمع أمس، لا سيما «حزب الله»، الذي طالب مناصريه بعدم الانضمام إلى التظاهرة. وأمهل المتظاهرون الحكومة 72 ساعة لتلبية مطالبهم، تحت طائلة التصعيد اعتباراً من مساء بعد غد الثلثاء مساء حاولت مجموعة الاقتراب من الشريط الشائك قرب السراي.
وعلى الصعيد السياسي، يُنتظر أن يعلن رئيس البرلمان نبيه بري اليوم مبادرته بدعوة القيادات السياسية إلى طاولة حوار في خطابه لمناسبة الذكرى الـ37 لاختفاء الإمام موسى الصدر.
وقالت مصادر مطلعة على اتصالات تبريد التأزم السياسي الذي يعطل الحكومة، بفعل الخلاف على آلية قراراتها وعلى التعيينات الأمنية، إن المسعى الذي قام به رئيس «اللقاء النيابي الديموقراطي» وليد جنبلاط بإيفاده الوزير وائل أبو فاعور إلى العماد ميشال عون، انتهى إلى إحالة الأخير أبو فاعور إلى الرئيس الجديد لـ «التيار الوطني الحر» جبران باسيل. وكان أبو فاعور اقترح ترقية بعض الضباط الذين لهم وظائف محددة كأحد الاقتراحات لمعالجة أزمة التعيينات الأمنية.
سلام: غضب الناس مشروع والحكومة تذهب بانتخاب رئيس
وليد شقير اعتبر رئيس الحكومة اللبنانية تمام سلام، تعليقاً على تجمع الهيئات الشبابية أول من أمس في ساحة رياض الصلح والحشد الذي حصل خلاله أن «الناس فشت خلقها وأعربت عن غضبها، وهذا مشروع. وهو غضب لم يأتِ من فراغ، بل من إهمال وتراكم وسياسات وصدامات سياسية نتج منها عدم إيجاد حلول ومخارج لكثير من الاستحقاقات أبرزها تلبية حاجات الناس الحياتية اليومية التي تساعدها على الاستمرار والصمود، والنفايات أحد الملفات الكبرى التي أدى الصراع السياسي حولها الى ان تصبح في صلب المواجهة التي تتحمل مسؤوليتها الطبقة السياسية».
وأوضح سلام أمام زواره أنه صحيح أن هناك جهات تحرض وتؤجج وموجودة في أجواء ثورة وانقلاب سياسي، تشبه بالذي جرى في بلدان أخرى، في وجه ديكتاتوريات وأنظمة قمعية، لكن في لبنان ليس هناك وضع كهذا، لأن هناك نظاماً ديموقراطياً عريقاً يسمح للناس بأن تعبّر، وطالما هناك هذا التعبير السلمي، لا بد من أن يشتد ويستمر الى أن تعي القوى السياسية الأخطار التي تحدق بالبلاد».
وركز سلام أمام زواره على أولوية إنهاء الشغور الرئاسي كمقدمة لمعالجة الكثير من المشاكل قائلاً: «المعروف أنه في هذه الدوامة، هناك سعي دولي وإقليمي للتصدي لشؤون المنطقة، خصوصاً بعد الاتفاق على النووي الإيراني، الذي أفسح مجالاً للالتفات الى قضايا أخرى. ولبنان ليس من الأولويات قياساً الى حجم المصائب الكبيرة من الوضع السوري الى اليمن وليبيا والعراق، لكن هذا لا يعني أن الحل في لبنان غير ممكن، فهو الأسهل منالاً من كل الملفات الأخرى، التي تحتاج الى كثير من المساعي والترتيبات والمؤتمرات. فموضوع لبنان هو انتخاب رئيس للجمهورية من أجل اكتمال الجسم الديموقراطي والدستوري، وبالتالي يفترض ألا يأخذ جهوداً كثيرة من الدول. فالتجارب تثبت أنه حين تتفق الدول يتم إيجاد الحل. فانتخاب رئيس في لبنان لا يحتاج الى تحريك قوى كبرى وإجراءات جغرافية. وصحيح ان انتخاب الرئيس لا ينفي استمرار الصراع السياسي في لبنان والحاجة الى رعاية لبنان دولياً واقليمياً، لكن إذا بات لدينا رئيس نكون استكملنا ما يحتاجه البلد ومؤسساته ونظامه الديموقراطي ونكون أعطينا متنفساً لمعالجة قضاياه».
وسأل الزوار سلام عن كيفية تعاطي الحكومة مع المطالب التي رفعها الحراك الشبابي والمدني، فأشار وفق ما نقل هؤلاء عنه: «انكم شاهدتم كيف تعاملنا مع تظاهرة السبت ومرت الأمور بهدوء وسلام وحمينا المتظاهرين، وحاول البعض افتعال الشغب وكان واضحاً كيف سعت القوى الأمنية الى احتوائهم وآمل بأن يتم احتواؤهم في كل مرة تحصل تجمعات، هي من حقوق الناس. لكن ماذا إذا استمرت محاولات الشغب وصعب احتواؤها مستقبلاً»؟
وكان سلام استقبل في دارته الكثير من الوفود الشعبية والمناصرين الذين أيدوا سياسته وطالبوه بالبقاء في رئاسة الحكومة وعدم الاستقالة.
وقال سلام أمامهم عن مطالب المتظاهرين سواء التي تتعلق باستقالة وزير البيئة محمد المشنوق أو غيرها ان الحكومة تتألف من القوى السياسية وهي ائتلافية. والأمر يعود الى هذه القوى، الحكومة شبه مشلولة وشبه عاجزة، فليدعموا دورها ويتيحوا لها اتخاذ القرارات الحازمة والقوية في شأن الملفات وأبرزها النفايات. الوزير المشنوق ليس وحده المسؤول. وتمكينها من العمل يسمح للدولة بفرض هيبتها. وإذا كان الحكم مستضعفاً، ويريدون ذهاب الحكومة، ففي لحظة انتخاب رئيس الجمهورية تذهب الحكومة ويصبح الخيار أمام حكومات ربما أكثر انتاجية ووحدة وقوة. ما يحول دون استقالتها هو الخشية من الفراغ والفوضى اللذين لا يعرف أحد عواقبهما وسلبياتهما. وفي ظل الحجز القائم على معالجة الملفات فينشأ واقع من المؤكد ان تظاهرة من 20 ألفاً أو 200 ألف قد تنزل. لكن هذا لا يحل المشكلة وقد يؤدي هذا الوضع الى مزيد من الخراب والانهيار والأذى على كل اللبنانيين».
وأضاف: «لنذهب الى انتخاب رئيس. والحريص على البلاد والعباد، بمن فيهم الناس الذين يعبرون عن قضية نتفهمها في هذه الظروف الشائكة، يدرك ان هذا هو الحل».
وقال زوار سلام أنه ردد مراراً: «ليكن الضغط من أجل انتخاب رئيس. لا يكفي القوى أنه لم تعد لدينا ثقة في أحد وليستقل النواب والحكومة، ثم نذهب لانتخاب الطبقة السياسية نفسها ثم لا نحاسبها. لتكن الدعوة الى تفعيل البرلمان كي ينتخب رئيساً، وليس لتهديم المؤسسات».
وقال سلام أمام زواره أنه استجاب الى تمني رئيس المجلس النيابي نبيه بري التريث في دعوة مجلس الوزراء مجدداً بعد الخلاف على إصدار بعض المراسيم وقرارات الحكومة الأخيرة نظراً الى رغبته الدائمة في إعطاء الفرص لاتصالات تتوصل الى مخارج لتفعيل عملها، ولأن الرئيس بري مكون أساس في هذه الحكومة». وأضاف: «ليست المرة الأولى التي نتريث. قبل أسبوع، تريثنا في دعوة مجلس الوزراء للانعقاد. وقبل 3 أسابيع تريثنا وقبل حوالى 3 أشهر تريثنا. لكن إذا كانت الحكومة ستبقى من دون إنتاج فلماذا بقاؤها؟ وفهم زوار سلام منه أنه إذا لم تنجح الاتصالات في تذليل العقبات فإنه سيأتي وقت لا يستطيع ان يحتمل ما يجري.
|