التاريخ: آب ٢٩, ٢٠١٥
المصدر: جريدة الحياة
تعزيزات حوثية لقمع انتفاضة الحديدة
الرياض - أحمد الجروان { جازان - يحيى الخردلي { المكلا - عبدالرحمن بن عطية { صنعاء، عدن - «الحياة» 
أرسلت جماعة الحوثيين تعزيزات عسكرية إلى محيط مدينة مأرب، فيما احتدمت المعارك في مدينة تعز بين مسلّحي الجماعة ومسلحي «المقاومة الشعبية» الموالية للحكومة الشرعية اليمنية. وتواصل القتال في محافظات تعز ومأرب وإب والحديدة والبيضاء، وأكدت مصادر المقاومة سقوط عشرات من الحوثيين بين قتيل وجريح على الجبهات، بالتزامن مع غارات كثيفة لطيران التحالف، استهدفت مواقع للجماعة ومخازن ذخائر.

وكشفت مصادر أمنية أن الجماعة أرسلت تعزيزات تضم مئات من المسلحين الحوثيين إلى جبهات القتال الدائر منذ خمسة أشهر في محيط مدينة مأرب، تحسُّباً لبدء المعركة الفاصلة في المحافظة، وذلك بعد وصول قوة عسكرية ضخمة لقوات التحالف معزّزة بمروحيات «أباتشي» إلى مأرب قبل أيام، في سياق التحضير لحسم المواجهة مع الحوثيين، والزّحف نحو محافظتي الجوف وصنعاء لتحريرهما.  

وفيما أكدت المصادر إرسال الجماعة تعزيزات أخرى إلى محافظة الحديدة، لقمع الانتفاضة المسلّحة التي تقودها «قبيلة الزرانيق» لطرد الجماعة من المحافظة، أفادت مصادر المقاومة في محافظة إب باستمرار المواجهات في مديرية بعدان مع قوات الحوثيين، مؤكدة أن ميليشيا جماعتهم استخدمت الأسلحة الثقيلة لقصف منازل مواطنين شرق المديرية. إلى ذلك، أكدت مصادر السلطة المحلية في مدينة عدن (جنوب) وصول طائرة مساعدات سعودية، هي العاشرة منذ تحرير المدينة منتصف الشهر الماضي، وأوضحت أن الطائرة التي أرسلها مركز الملك سلمان للإغاثة، نقلت عشرة أطنان من المواد الطبية. 

وفيما بدأت قوات الأمن الموالية للحكومة الشرعية في عدن، نشر عناصرها للسيطرة على الوضع الأمني في المدينة بالتعاون مع عناصر «المقاومة الشعبية»، أعلن مسؤولون عسكريون الانتهاء من ضم أول لواء من «المقاومة الشعبية» إلى الجيش الشرعي، وعدد عناصره حوالى خمسة آلاف جندي. وتحدّثت مصادر المقاومة في محافظة البيضاء عن عشرين إصابة في صفوف الحوثيين بين قتيل وجريح، وذلك في مكمنين في مديرية ذي ناعم، بالتزامن مع اشتباكات عنيفة شهدتها مناطق المديرية. 

وأضافت أن بين القتلى قيادياً حوثياً بارزاً. وشن التحالف أعنف غاراته أمس على مواقع يسيطر عليها الحوثيون في مدينة إب، وأفادت مصادر محلية وشهود أن القصف استهدف معسكر قوات الأمن الخاصة ومقار شرطة المحافظة والمباحث  ومبنى المعهد العالي لإعداد المعلمين، والمتنزّه السياحي. وأشارت المصادر إلى أن الغارات دمّرت مخزن أسلحة ثقيلة، ومنزل اللواء المتقاعد محمد أحمد السنباني. وتحدثت مصادر الحوثيين عن سقوط 11 مدنياً، وكان السنباني قائداً سابقاً للواء إب العسكري. 

وطاولت غارات التحالف مواقع للحوثيين غرب مأرب وجنوبها، كما ضربت مواقع في محافظة عمران شمال العاصمة، ودمّرت آليات حوثية في محافظة صعدة، معقل الجماعة، إلى جانب استهدافها منازل قادة حوثيين ومواقع عسكرية ومخازن ذخائر في مناطق ساقين والحمزات وضحيان. على صعيد آخر (أ ف ب) روى شهود أن مسلحين من تنظيم «القاعدة» نفّذوا أحكاماً بجلد عشرة رجال علناً في الشحر بمحافظة حضرموت. 

وذكر مسؤول أن العشرة دينوا بتهمة الكفر وتعاطي المخدرات وتناول الكحول. اعترضت الدفاعات الجوية السعودية مساء أمس صاروخاً سمع دوي انفجاره على المرتفعات الحدودية في حين تمكن طيران التحالف من تدمير منصة إطلاق صواريخ «سكود» أثناء اعتراض الصاروخ. 

وفي الرياض أشارت مصادر لـ«الحياة» أن قوات التحالف تمكنت من السيطرة على ثلاث مناطق في محافظة صعدة، فيما استمر القصف الجوي على مناطق في صعدة يستخدمها الحوثيون كمخازن للذخائر والصواريخ. 

وأكد المتحدث الرسمي للمجلس التنسيقي للمقاومة رشاد علي الشرعبي لـ «الحياة» أن الحوثيين مستمرون في حصار مدينة تعز ويمنعون حركة التنقل ودخول المواد الغذائية إلى المدينة. وكشفت مصادر يمنية لـ «الحياة» أن الحوثيين وقوات صالح تكبدت خسائر في الأرواح والآليات العسكرية أمس بفعل المواجهات الضارية في الحديدة ضد قبائل الزرانيق الموالية للشرعية، ووصلت الى ميناء الحديدة ناقلة تحمل 29 ألف طن من البنزين بعدما سيطرت المقاومة الشعبية على الميناء بمساعدة قوات التحالف التي شنت هجوماً بالطائرات على الميناء في الأيام الماضية لضمان إيصال المساعدات إلى المتضررين في شمال اليمن.

ليلة سقوط المكلا في يد تنظيم «القاعدة» واختفاء الدولة

المكلا - عبدالرحمن بن عطية 
في الثاني من نيسان (إبريل) 2015 استيقظ أهالي المكلا ليجدوا مدينتهم وقد قعت في قبضة «القاعدة» (أنصار الشريعة)، واختفاء أي أثر للدولة. كان المشهد دراماتيكياً. ألسنة الدخان واللهب تتصاعد من مبان حكومية، منها ديوان المحافظة والنيابة العامة ومبنى الإذاعة وبعض البيوت المجاورة. طائرات مروحية تقصف ولكنها لا تصيب الهدف عناصر ملثمون تابعون للتنظيم ينهبون البنك المركزي. فرار مئات السجناء بعد اقتحام السجن المركزي لتحرير «أمير»التنظيم الذي سكن القصر الرئاسي وتولى أمور البلاد والعباد. حادثة فرار السجناء ونهب المصارف ليستا بالأمر الغريب. حدث يتكرر دائماً في دولة مثل اليمن!

كانت المدينة انفصلت بكل معنى الكلمة عن الدولة المركزية، لا يوجد فيها جيش ولا شرطة. شلل كامل للحياة وتعثر كثير من الخدمات، في ظل هدوء وصمت مريب يسكن المدينة، توقف جميع الدوائر الحكومية والتعليم وانقطاع المشتقات النفطية والكهرباء.

يتحدث مشايعو»القاعدة» أمام الناس عن رحمته وعدالته. أما الآخرون، وهم الغالبية، فيتحدثون عن هيمنته وخطره. وكان الخوف والفرار نصيبهم، فهم في نظر التنظيم مجرد لصوص وإرهابيين وعملاء. هكذا انقسم المجتمع أفقياً منذ اليوم التالي للسقوط. بقيت نسبة من السكّان خارج هذه الثنائية، وهؤلاء علقوا بين المواطنين الصالحين والأشرار، فئة صامته.

جاءت بداية عملية السقوط، بحسب سلسلة الأخبار والتقارير الصحافية المنشورة، باقتحام عشرات من عناصر «أنصار الشريعة» المكلا ليلة الأربعاء، وما أن حل صباح الخميس حتى كانت المدينة في قبضة من سموا أنفسهم «أبناء حضرموت». بدأت العملية باقتحام السجن المركزي في المكلا، في إطار مخطط مسبق لإخراج أحد أمراء التنظيم ويدعى «خالد باطرفي» الذي لعب دور الإعلامي، كونه يعود إلى أسرة حضرمية، بينما الأمير الفعلي الذي خطط وقاد العمليات كافة حين كان «باطرفي» في غياهب السجن لم يكن معروفاً.

وأشارت مصادر إلى أن اقتحام السجن المركزي تمّ في الساعات الأولى من منتصف ليلة الأربعاء، من خلال قوة قتالية بلغت أربعة أطقم وجهوا أسلحتهم إلى قوات حراسة السجن التابعين لقوات الأمن المركزي وطالبوهم بتسليم أنفسهم... تم الأمر كما أرادوام، فاقتحموا السجن وأخرجوا من أرادوا ووجهوا خطاباً إلى السجناء: «من أراد أن يكون معنا فلينضم». وبالفعل انضم إليهم كثيرون، وكانت حصيلة الفارين حينها أكثر من 360 سجيناً، بينهم من كان عليه أحكام وقضايا جنائية.

رافق هذا الاقتحام ثلاثة اقتحامات أو خمسة مماثلة في مواقع عدة مختلفة، انفجار عبوة ناسفة في منطقة «المعاوص» مدخل المكلا من جهة الشرق التي تتمركز فيها نقطة عسكرية تابعة للجيش، بعدها تم اقتحام البنك المركزي الذي استمرت سرقته ما يقارب ثلاثة أيام، لعدم تمكنهم من فتح الخزانة المركزية.

وقالت مصادر مقربة من قادة التنظيم، إن هذه الاقتحامات جاءت بمثابة خطوة استباقية للسيطرة على المكلا بسبب الأوضاع الحرجة التي يشهدها اليمن بشكل عام والجنوب بشكل خاص بتمدد تحالف الحوثيين وميليشيات صالح ومحاولة سيطرتهم على المحافظات الجنوبية، هكذا يردد أعضاء التنظيم «نحن جئنا لحمايتكم»!

وفي غضون السيطرة على كل مفاصل المدينة، سلمت إدارة المدينة، بحسب اتفاقات أبرمت مع التنظيم، إلى ما يسمى بـ«المجلس الأهلي الحضرمي» الذي يضم عدداً من المشايخ والأعيان والتجار من أبناء المدينة وقد نجح في إصلاح بعض المرافق، وأخفق في البعض الآخر، بينما بقي عناصر التنظيم يديرون الجانب الأمني في مديريات ساحل حضرموت، إذ شكلوا جهازاً أسموه «إدارة الحسبة» (الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر)، مهمته الإقتصاص وإقامة الحدود الشرعية وفصل النزاعات بين الناس، ومنع كثير من الفعاليات المدنية كالحفلات الغنائية وبعض العادات والتقاليد، ومنع بيع القات، وغيرها، طوال فترة سيطرته حتى اللحظة، رافقت ذلك محاولات استقطاب عدد من الشبان وضمهم إلى معسكرات التدريب الخاصة.

وتشهد المدينة بين الحين والآخر عدداً من المسيراتالمطالبة برحيل التنظيم، واحتجاجاً على بعض ممارساته، وعلى انقطاع الخدمات الرئيسة كالكهرباء. وفي تصريح إلى «الحياة» قال الناشط محمد بن علي جابر: «إن هذه التظاهرات التي شهدتها المكلا في وقت سابق، وشهدتها أمس، تأتي بمثابة رفض وتنديد بالممارسات التعسفية ضد المواطن البسيط بحرمانه من أبسط حقوقه». وطالب المواطنين بالالتحاق بصفوف المتظاهرين السلميين لصد هذه الممارسات، مؤكداً أن «أرض حضرموت ليست بؤرة للإرهاب وأبناؤها المعروفون بخلقهم وبنشر الإسلام يرفضون ويدينون أشكال التطرف والإرهاب كافة».

ومن جانب آخر أفاد مصدر خاص«الحياة» أن «القاعدة» ينوي الانسحاب بشكل تدريجي من المدينة مبتعداً عن تصدر المشهد الأمني، إذ سيسلم أبناء المدينة كل المرافق ، ويبقي عناصره موجودين بشكل خفي. وقال شهود محليون، إن حركة التنظيم بدأت تقل، كما شوهدت جماعة تحمل آليات عسكرية ودبابات في وقت متأخر من الليل، باتجاه محافظة شبوة. لكن القيادي الميداني في «القاعدة» أبوعمر النهدي قال في خطاب ألقاه في جمع من المتظاهرين: «إن التنظيم لم يأت بموافقتكم، ولن يستطيع أحد أن يخرجنا من حضرموت، لأني أنا من أبناء حضرموت، ومن يتكلم عن حضرموت؛ فنحن أبناؤها»! كما قال «أن نقاتل الحوثي في الجبهات، ونخسر الدماء، ثم نرحل، فهذا أمر غير منصف». وهذا يتنافى مع الوعود التي قدمها التنظيم إلى المواطنين عبر ممثليه، متعهداً أن يخرج من المدينة فور زوال خطر تقدم ميليشيات الحوثي والرئيس المخلوع علي عبدالله صالح، تجنباً لتحويل المدينة إلى ساحة حرب، خصوصاً بعد الاستعدادات العسكرية التي تشهدها حضرموت وتشكيل قيادة المنطقة العسكرية الثانية، وتجنباً لتكرار سيناريو تدمير زنجبار في محافظة أبين عام 2012، التي كان يسيطر عليها التنظيم، وحولها إلى ساحة مواجهة، ما أدى إلى تدميرها، وتهجير كل سكانها.