يتهيأ لبنان لدخول مرحلة جديدة من الفوضى السياسية والشارعية نتيجة التداخل بين تصاعد التأزم السياسي الناجم عن الشغور الرئاسي والخلاف على الصلاحيات في غياب رأس الدولة، وبين التحرك المطلبي الناقم على الطبقة السياسية والتردي الاجتماعي ومظاهر الفساد، والذي أخذت مطالبه تتعدد وتتشعب من دون قيادة موحدة له بعدما انطلق من الاحتجاج على أزمة النفايات المنزلية منذ أكثر من شهر.
وتعرض مجلس الوزراء برئاسة الرئيس تمام سلام، إلى خضة جديدة أمس بانسحاب وزراء تحالف «حزب الله» و «تكتل التغيير و الإصلاح» النيابي بزعامة العماد ميشال عون (6 وزراء من 24 ) من اجتماعه قبل ظهر أمس، احتجاجاً على اعتماد صيغة الأكثرية في إنفاذ مراسيم القرارات بدل الإجماع، في ظل إصرار عون على إجماع الوزراء، لا سيما المسيحيين، بالنيابة عن رئيس الجمهورية، بإصدار سلام 70 مرسوماً الأسبوع الماضي هي نتاج قرارات صدرت عن الحكومة، رفض الوزراء الستة توقيعها احتجاجاً على عدم الأخذ بمطلب تعيين قائد جديد للجيش بدل التمديد للقيادات العسكرية.
وشهدت الجلسة مناقشات حادة، حين طرح سلام حلاً موقتاً لمشكلة النفايات التي عادت تتراكم في بيروت ومناطق جبل لبنان، يقضي بتخصيص مبلغ 100 مليون دولار أميركي لإنماء منطقة عكار تنفق عبر الهيئة العليا للإغاثة، من أجل التفاوض مع فعالياتها على استخدام أحد المكبات فيها لنقل هذه النفايات، فرفض وزراء تكتل عون و «حزب الله» البحث بأي بند، مسجلين تحفظهم عن كل ما يجري في الحكومة. ورأى وزير الخارجية جبران باسيل أن رئيس الحكومة يمس بوكالة الوزراء المسيحيين عن رئيس الجمهورية. وحصل نقاش بين باسيل وبين وزراء «المستقبل» و «اللقاء النيابي الديموقراطي»، وتضامن وزير «حزب الله» حسين الحاج حسن مع باسيل، معتبرا أن إصدار المراسيم الـ70 «يسبب ثورة»، مؤكداً رفض المس بالشراكة التي يطالب بها ممثلو عون.
وأعقب انسحاب الوزراء الستة من الجلسة اجتماع لـ «تكتل التغيير والإصلاح» أعلن إثره الوزير باسيل، أن رئيس الحكومة «يستبيح صلاحيات الرئيس ونحن لدينا وكالة عنه...». ورأى أن «الوزراء المسيحيين المتبقين في الحكومة يتحملون مسؤولية المسّ بصلاحيات رئيس الجمهورية». وقال باسيل: «سننزل (إلى الشارع)، والساحات ساحاتنا، ونتضامن مع الحركة في الشارع، وننبه من أن تعميم (تهمة) الفساد أمر لا يفيد من يطالب بإزالته».
وفيما تلاقى عدد من الفرقاء السياسيين مع الحراك المدني والشعبي في رفض نتائج فض العروض لمناقصة تلزيم الشركات العارضة معالجة النفايات في 6 مناطق توزعت على مساحة لبنان، نظراً إلى ارتفاع أسعارها، قرر مجلس الوزراء إلغاء نتائج هذه المناقصات، بعدما كان الوزراء الستة انسحبوا من الجلسة، شهد الحراك المدني مساء أمس حشداً جديداً في ساحة رياض الصلح وسط بيروت، انضمت إليه قيادات سياسية معارضة ويسارية. ونظمت تحرك أمس مجموعة «بدنا نحاسب»، احتجاجاً على تعرض القوى الأمنية يوم السبت الماضي بالقمع للمتظاهرين الذين لبوا دعوة حملة «طلعت ريحتكم»، التي دعت إلى تجمع حاشد عصر السبت المقبل. وشارك في التجمع مواطنون عاديون لا ينتمون الى أحزاب، بعد أن بدأت القوى الأمنية إزالة المكعبات الأسمنتية التي كانت أقامتها أول من أمس بين ساحة الاعتصامات وبين مداخل السراي الحكومية بطلب من الرئيس سلام.
وأخذ التأزم الجديد في مجلس الوزراء بعداً جديداً بعدما كانت جلسة الحوار السابعة عشرة بين تيار «المستقبل» و «حزب الله» برعاية رئيس البرلمان نبيه بري شهدت خلافات حادة بين الجانبين لم يعكسها البيان الصادر عنها، إذ توخى تبريد الساحة بعد أعمال الشغب التي حصلت الأحد في وسط بيروت، فالمتحاورون أكدوا «حرصهم على حرية التعبير والتظاهر السلمي في إطار القوانين، ودعمهم مؤسسات الدولة في حماية الاستقرار والأمن والمؤسسات». كما شددوا على «أولوية الحوار والتفاهم بين مختلف الأطراف لمعالجة الأزمات، وعلى تحمل الدولة مسؤولياتها».
وعلمت «الحياة» أن ممثلي الحزب نفوا الاتهامات بعلاقته بالمجموعات التي مارست الشغب في وسط بيروت الأحد الماضي، ودعوا «المستقبل» إلى التفاهم مع العماد عون، في نقاش أخذ طابع المماحكة، وفق قول أحد المجتمعين حول سبل تفعيل عمل مجلس الوزراء، وحض العماد عون على عدم تعطيل أعماله. وقال المصدر إن ممثلي «المستقبل» طالبوا الحزب بأن «يعلن بوضوح أنه لم يعد يريد استمرار الحكومة فنحن دخلنا الحكومة وإياكم من أجل تمرير مرحلة الشغور الرئاسي بأقل الأضرار»، لكن ممثلي الحزب أشاروا إلى أنهم لا يريدون من سلام الاستقالة «لكننا متضامنون مع العماد عون ولن نقبل بكسره، وقد ننزل معه إلى الشارع لأن خياراتنا مفتوحة في هذا الصدد». وهو ما اعتبرته مصادر «المستقبل» تهديداً من الحزب بتصعيد الموقف. ولفت أحد المشاركين في الحوار إلى أن ممثل بري في الجلسة خاطب ممثلي «حزب الله» بالقول: «أنتم لا تريدون للعماد عون أن ينكسر لكن الذي يحصل هو أننا نحن الذين ننكسر بتعطيل مجلسي النواب والوزراء وحصول الشلل في المؤسسات».
وأصدرت كتلة «المستقبل» بياناً اعتبرت فيه أن «الحق في التعبير السلمي الذي بدأه ناشطون في المجتمع المدني سريعاً ما جرى استغلاله من قبل مجموعات اندست لترفع شعاراتها وعباراتها وأهدافها غير المؤتلفة مع الغايات الأساسية لهذا التحرك وترافق ذلك مع قيام مجموعات أخرى، مدفوعة لغاياتٍ سياسية وأهدافٍ حزبية، وبأساليب عنيفة، إلى حرف التعبير الديموقراطي والسلمي عن أهدافه وبالتالي إلى جرّ البلاد إلى المجهول المعلوم الذي يدخل لبنان في فوضى معروفة النتائج بهدف العمل على «إسقاط النظام» وتعطيل عمل الحكومة ومجلس النواب من أجل إسقاط المؤسسات الدستورية الأخيرة.
ورأت الكتلة أن» استعمال التظاهرات السلمية منصة من بعض الأحزاب للاعتداء على كرامات الناس والممتلكات العامة والخاصة وسط العاصمة والتعدي على مؤسسات الدولة والقوى الامنية، هو أمر مستنكر ومرفوض، ولا يمكن القبول به، إذ إنه في حقيقة الأمر يعتبر رسالة تهديد صريحة غير مقبولة ممن وقف وراء هذه التجاوزات».
وإذ شددت الكتلة على ضرورة التظاهر بترخيص من وزارة الداخلية واستنكرت التعرض لضريح الرئيس رفيق الحريري، أكدت «دعمها الكامل للحكومة واستمرارها في تحمل مسؤولياتها، وان عليها أن تجهد في العمل وفقاً للآلية الدستورية المنصوص عليها في المادة 65 من الدستور، والتي تنص على أن مجلس الوزراء يتخذ قراراته توافقياً وإذا تعذر ذلك فبالتصويت». وشددت على أنه ليس «للوكيل الذي هو مجلس الوزراء، الذي تناط به صلاحيات رئيس الجمهورية في حال خلو سدة الرئاسة، صلاحيات تفوق صلاحيات الأصيل وهو رئيس الجمهورية». وكررت دعمها الرئيس سلام.
ومساء رفضت فاعليات عكار مقايضة إنماء عكار بالمطامر، فيما تكرر مشهد محاولة بعض المتظاهرين اقتحام حاجز القوى الأمنية أمام السراي، برمي قنابل حارقة، وتبع ذلك مواجهات.
مجلس الوزراء اللبناني يلغي مناقصة النفايات
كشفت الجلسة الاستثنائية التي عقدها مجلس الوزراء اللبناني امس، والتي خصصت لمعالجة ازمة النفايات المستفحلة وما يرافقها من احتجاجات على الارض، عن عمق الانقسام بين المكونات السياسية، وحجم الارتباك الذي يرافق ادارة شؤون البلاد.
وترك انسحاب وزراء «التيار الوطني الحر» و «حزب الله» و «الطاشناق» من الجلسة، علامات استفهام حول مصير الجلسة العادية لمجلس الوزراء غداً، خصوصاً انه جاء على خلفية ما كشفه وزير «حزب الله» حسين الحاج حسن خلال انسحابه من الجلسة بأنه «تبين ان حوالى 70 مرسوماً موقعة وذاهبة باتجاه النشر»، ما يشير الى «اصرار الفريق الآخر على سلوك طريق الاستهتار والتفرد والتهميش».
لكن انسحاب هؤلاء لم يؤثر في اتخاذ قرارات بسبب وجود النصاب القانوني، اذ قرر مجلس الوزراء دعماً اقترحه رئيس الحكومة تمام سلام لمنطقة عكار بقيمة مئة مليون دولار توزع على 3 سنوات (اعترض عليه وزراء «التيار الوطني الحر» و «حزب الله»)، كما قرر اعتماد اقتراح وزير البيئة محمد المشنوق عدم الموافقة على نتائج المناقصات في خصوص معالجة النفايات المنزلية الصلبة وذلك بعد أقل من 24 ساعة على صدورها وذلك بسبب ارتفاع كلفتها مقارنة بما تتقاضاه الشركة المشغلة حالياً.
وبدأ سلام الجلسة بطرح أولوية إيجاد حل موقت لأزمة النفايات الراهنة بصرف النظر عن موضوع فض العروض لتلزيم الشركات معالجة النفايات، باعتبار أن المطلوب جمع نفايات بيروت وضواحيها قبل أن تبدأ الشركات التي سيقع عليها الاختيار في مجلس الوزراء عملها. واقترح تصوراً للحل يقضي باختيار مكب موقت لهذه النفايات في منطقة سرار في عكار، على أن يقترن مع قرار من الحكومة بتخصيص مبلغ 100 مليون دولار تنفق على 3 سنوات لمشاريع إنمائية لعكار. وكان هذا المخرج مدار اتصالات في الساعات الـ48 الماضية أجراها سلام ووزير الداخلية نهاد المشنوق مع فعاليات عكار لضمان قبولها باعتماد المكب الموقت لنفايات بيروت وضواحيها.
وقالت مصادر وزارية إن سلام قدم شرحاً مستفيضاً للوضعين السياسي والبيئي وكرر في مداخلته ما جاء في مؤتمره الصحافي الأحد الماضي عن الوضع السياسي المتأزم وتفاقم أزمة النفايات والنقمة الشعبية، مشدداً على أنه سعى الى مقاربة الأزمة بشفافية وصدق مبدياً تفهمه لمطالب المواطنين وتحركاتهم الاحتجاجية.
وقال: «أدعو زملائي الى أن نعالج أزمة النفايات الراهنة التي هي أزمة وطنية وزملائي جميعاً يعرفون طبيعتها التي لا أبعاد طائفية أو سياسية لها ولا بد من حل سريع لها، خصوصاً أن عبئها يلقى على كاهل البلاد والعباد»، وأوضحت المصادر الوزارية أن سلام أبلغ الوزراء أنه قبل الانتقال الى البت في ملف المناقصات العائدة للشركات التي تقدمت بعروض، «لا بد من أن يتجاوب مجلس الوزراء، بعيداً من الاعتبارات الطائفية والانقسامات مع اقتراح تخصيص الـ100 مليون دولار لمنطقة عكار العزيزة التي تشكو الحرمان والفقر، على أن تصرفها الهيئة العليا للإغاثة على مدى 3 سنوات متساوية، فتساعد أهالي المنطقة على الصمود وتمكننا من التواصل معهم كي يتجاوبوا مع استخدام المنطقة لجمع النفايات».
ورد وزيرا «التيار الوطني الحر» جبران باسيل وإلياس بوصعب على سلام فقال الأول: «قبل البحث بالنفايات نحن لدينا اعتراض على صدور 70 مرسوماً لم نوقع عليها وفق صلاحياتنا بالنيابة عن رئيس الجمهورية وهذا ينم عن إصرار على عدم الوفاق وتغييب المشاركة المسيحية ونحن نسجل تحفظنا على كل ما يجري في مجلس الوزراء». وأشار الى أن إصدار هذه المراسيم يخالف التفاهم السابق على أن يوقع 24 وزيراً على المراسيم والقرارات في ظل الشغور الرئاسي. وكرر رفضه إصدار هذه المراسيم، وتبعه وزير «حزب الله» حسين الحاج حسن الذي رأى أن الأمور تتدحرج في اتجاه سلبي وإصدار المراسيم الـ70 يشكل تصعيداً سلبياً غير مناسب على الإطلاق وهو يؤدي الى ثورة، «ونحن نرى أن هذا يضرب الشراكة، خصوصاً أننا سبق أن قررنا أن يكون القرار في مجلس الوزراء بالإجماع ونرفض تجاهل الشراكة». وأكد التضامن الكامل مع «التيار الوطني الحر».
باسيل والحاج حسن ودرباس
وكرر باسيل رفضه «التعرض لحقوق المسيحيين» التي يمثلها تياره، إلا أن سلام طلب مواصلة البحث في موضوع الجمع الموقت للنفايات وتخصيص المبلغ الإنمائي لمنطقة عكار باعتباره ملحاً. وجرى نقاش بين وزيري «التيار الوطني» ووزيري «حزب الله» من جهة ووزراء آخرين في «المستقبل» و «اللقاء النيابي الديموقراطي» ومستقلين من جهة ثانية، أيدوا فيها موقف سلام داعين الى التوافق على معالجة مشكلة النفايات. وخلال هذا السجال قال باسيل إن الاستخفاف بحقوق المسيحيين بلغ حد التعرض للبابا من البعض، في إشارة الى مداخلة سابقة لوزير الشؤون الاجتماعية رشيد درباس، الذي رد عليه مؤكداً «أنني تحدثت رداً على قولك إن البابا يحذر من هزيمة المسيحيين في الشرق الأوسط وإنك قلت إنهم إذا هزموا في لبنان يعني أنهم هزموا في كل العالم، وأنا أتحداك أن نعود الى التسجيلات فأنا أجبتك بالقول ليس صحيحاً أن المسيحيين مهزومون في لبنان. وإذا كنت أنت تقول ذلك بالنيابة عن البابا فلا أعتقد أن هذا موقف البابا. وإذا كان الأمر كذلك ليعلنه البابا. وهذا ليس تعرضاً للبابا، وأنا حين ألتقي القاصد الرسولي في لبنان (السفير البابوي) أسمع منه كل كلام جيد. ولا أحتاج الى شهادة منك». إلا أن باسيل لم يرد.
وتحدث الوزيران أكرم شهيب ووائل أبو فاعور فقالا: «إنكم تتحدثون عن حقوق المسيحيين، فيما نبحث بمعالجة مشكلة ملحة هي تفادي تراكم النفايات مجدداً في العاصمة، وأنتم تتناولون أموراً تظهر أنكم في واد والناس في واد آخر». وأيدا اقتراح سلام عن عكار.
وقال شهيب لوزراء «التيار الحر» و«حزب الله»: «إذا اعتقد أحد أن النزول الى الشارع هو حل فنحن نعتبر أن اللجوء الى الشارع يقود الى المجهول. وشاهدنا يوم الأحد كيف بدأ الأمر وكيف انتهى بالشغب وبنزول القبائل. إن قبائل الزنتان موجودة عندنا في البلد أيضاً. وما حصل، على رغم أن المطالب المطروحة نظيفة، يدل على أن لعبة الشارع خطيرة، خصوصاً أن هناك شارعاً مقابل كل شارع، وأضاف: «وإذا اعتقد أحد أن بالإمكان الوصول الى اتفاق دوحة آخر أو اتفاق طائف آخر ويريد إيصال الأمور الى هذا المستوى، فعلينا أ ن ندرك جميعاً أن لا أحد من الدول يهتم لنا أو سينشغل بنا».
وسأل: «إلى أين تأخذون البلد؟ في ظل هذا الوضع والتصعيد الذي يقود الى المجهول لا يعود الكلام عن الشراكة وجدول أعمال مجلس الوزراء صالحاً». وعلّق على أعمال الشغب التي حصلت الأحد الماضي في وسط بيروت، مؤكداً أن رجال القوى الأمنية هم أولاد الناس. وهم يجوعون ويعطشون مثل الناس. وإذا تفاقمت الأمور لاحقاً فإن كل واحد يلتحق بعشيرته، ولا يجوز إيصال الأمور الى هذا الحد من الخطورة.
«هذه كبيرة»
وأشار مصدر وزاري الى أن وزير العدل علّق على ما اعتبره تهديداً من الوزير الحاج حسن بالثورة بالقول: «تتحدثون بالشراكة وتزايدون ولو كنتم تريدونها لما كنتم افتعلتم 7 أيار 2008 وضربتم الشراكة بعرض الحائط».
وتدخل سلام أكثر من مرة مطالباً بالعودة الى مناقشة اقتراحه في شأن تخصيص المبالغ لعكار، مشيراً الى أن المراسيم الـ70 التي جرى إصدارها بعد رفض الوزراء الستة الآخرين إقرارها قبل أسابيع، «لا رائحة سياسية فيها وتمس مصالح الناس. ففيها ما يعود لأشخاص يحتاطون من فقدان جنسيتهم وفيها ما يتعلق بتعويضات لموظفين... إلخ».
وعندما أصر سلام على البت باقتراحه في شأن عكار، حاول باسيل رفض البحث بأي أمر قبل البت باعتراضه على إصدار المراسيم، ثم قال سلام للأمين العام لمجلس الوزراء: سجلْ اعتراضهم على هذا القرار (وافق عليه 17 وزيراً، وكان يمكن أن يكونوا 18 لولا وجود الوزير ميشال فرعون خارج البلاد)، فما كان من باسيل إلا أن قال: «لا يجوز أن يؤخذ اعتراضنا بهذه الطريقة. وهذه كبيرة جداً...». ثم انسحب الوزراء الخمسة الذين يمثلون تكتل التغيير (وبينهم وزير الطاشناق أرتور نظريان الذي لم يدل بأي مداخلة) و «حزب الله» (تغيب وزير المردة ريمون عريجي بداعي السفر).
وأعقب ذلك البحث بملف مناقصات شركات معالجة النفايات فقدم وزير البيئة محمد المشنوق مداخلة اعتبر فيها أسعار الشركات مرتفعة، فأقر مجلس الوزراء إلغاءها.
وأوضح وزير الاعلام رمزي جريج بعد الجلسة «ان وزراء «تكتل التغيير والاصلاح» و «حزب الله» تركوا الجلسة بعد إقرار موضوع الدعم لعكار، وبعد خروجهم تابع المجلس جلسته لأن النصاب متوافر، وتم عرض موضوع نتائج المناقصات في ملف النفايات، واتخذ المجلس بصدد نتائج المناقصات القرار الذي اتخذه بناء على اقتراح وزير البيئة».
وكان سلام طلب قبل عقد الجلسة في السراي الكبيرة والمحاطة بجدار اسمنتي نصب أول من أمس، للفصل بين المحتجين وبين السراي، بإزالة الجدار فوراً على اعتبار انه اجراء «غير مناسب». وغاب عن الجلسة الوزيران ميشال فرعون وريمون عريجي بداعي السفر. واستهل سلام الجلسة بـ «التذكير بضرورة تحمل الحكومة مسؤولياتها باعتبارها المؤسسة الدستورية الوحيدة الصامدة في ظل الشغور الرئاسي الذي شكل شللاً في السلطة التشريعية وتسرب الشلل الى السلطة التنفيذية».
وقال انه تم «طرح اقتراح سلام على المجلس الذي قرر بصدده إعطاء الهيئة العليا للإغاثة سلفة خزينة بقيمة ما يوازي 100 مليون دولار اميركي توزع على السنوات 1015 - 2017 لتنفيذ بعض المشارع التنموية ومشاريع البنى التحتية والخدمات العامة في محافظة عكار على ان تحدد هذه المشاريع والخدمات في قرارات تصدر عن رئيس مجلس الوزراء. وأعرب سلام عن أمله بأن يساهم هذا القرار بإيجاد حل فوري لأزمة تراكم النفايات المنتشرة».
وحين سئل جريج عما اذا كانت السلفة لعكار بمثابة رشوة للقبول بطمر نفايات بيروت وضواحيها، اكد «أهالي عكار لا يرتشون، نحن ننصفهم».
وكانت حماوة الخلاف داخل الجلسة رشحت الى الخارج بعد مغادرة باسيل الذي تحدث عن «مسرحية تستكمل في الداخل». وقال الحاج حسن: «انسحبنا ايضاً بسبب الانقلاب على الشراكة والتفاهم. هناك اصرار من الفريق الآخر على عدم الاستماع الى مطالبنا وتحديداً الى مطلب الشراكة الحقيقية».
وكان «تيار المرده» سارع الى تأكيد «التزامنا وتضامننا مع حلفائنا في الانسحاب من الجلسة».
مواقف من المناقصات
وكانت التصريحات التي سبقت الجلسة كشفت عما يمكن توقعه منها، فطلبت وزيرة المهجرين أليس شبطيني «تبريراً لأسعار المناقصات المرتفعة». ورأى وزير الصحة وائل أبو فاعور ان «المنــاقصات تستدعي إعادة النظر بالأمر ومطمر الناعمة غير مطروح للنقاش». ودعا وزير المال علي حسن خليل إلى «إعــادة النظر في أسعار الشركات والاعـتراض يكون في مجلس الوزراء». وأكد وزير العدل أشرف ريفي انه لن يكـــون «شريكاً في اتفاقات المحاصصة».
ورأى «حزب الله» في بيان أن «أزمة النفايات تشير بوضوح إلى المسؤولين عنها، فتفاصيلها غير خافية على أحد، وصدمنا بالأرقام المالية الفضيحة في العروض المقدمة، وندعو إلى إيقاف مهزلة التداعيات السلبية للأزمة». وأكد الحزب أن «حق التظاهر السلمي والاعتراض البناء مشروع، وأن الحلول المنصفة تهدئ النفوس».
أسعار المناقصات وانتماء الشركات الفائزة
وكانت نتائج المناقصات التي توصلت اليها اللجنة المعنية ونشرت في وسائل الاعلام كشفت عن حجم الفوارق بين أسعارها وبين أسعار الشركة المشغلة حالياً اي «سوكلين» والممدد لها حالياً بفعل الأمر الواقع. وتحدثت وسائل الاعلام المحلية عن «ارتباطات الفائزين في المناقصات مع نافذين سياسيين في المناطق التي تتوزع عليها الشركات الرابحة».
واستدعت هذه الاتهامات نفياً من سياسيين، فأكد باسيل ان «لا علاقة له بأي شكل من الأشكال بموضوع الشركات المتقدمة الى المناقصة».
وقال رئيس «اللقاء الديموقراطي» النيابي وليد جنبلاط «ان نتيجة فض عروض مناقصات النفايات بمثابة فضيحة كبرى، ووانا لست معنياً بالإشاعة المغلوطة التي تقول إنني أبحث عن حصة في مناقصات النفايات لا من قريب ولا من بعيد، وإن زج اسمي مراراً وتكراراً فيها إنما يهدف للتشويش أمام الرأي العام لا أكثر ولا أقل».
وسارع الرئيس التنفيذي لمجموعة «إندفكو» الصناعية نعمة افرام، الذي كانت مجموعته فازت بمناقصات النفايات، إلى التأكيد «أننا لا نجيد عقد الصفقات ولم نطلب من أي من أصدقائنا في الأحزاب السياسية مساعدتنا في المناقصات». ودافع عن الأسعار المقدمة. |