التاريخ: آب ١٣, ٢٠١٥
المصدر: جريدة الحياة
«هدنة» تركية - إيرانية في سورية
أسفرت وساطة تركية - إيرانية عن هدنة موقتة لثلاثة أيام في مدينة الزبداني شمال غربي دمشق قرب حدود لبنان، وبلدتي الفوعة وكفريا المواليتين للنظام السوري في ريف إدلب قرب حدود تركيا، في وقت وسع التحالف الدولي- العربي غارته لتشمل فصيلاً رئيسياً في «جيش الفتح» الذي يقاتل قوات النظام في ريف إدلب، بالتزامن مع مقتل وجرح 160 مدنياً بغارات على غوطة دمشق وبحث الدول الأعضاء في مجلس الأمن إقرار بيان رئاسي يدعم جهود المبعوث الدولي ستيفان دي ميستورا. 

وقال نشطاء معارضون و «المرصد السوري لحقوق الإنسان» أمس، إن مفاوضات بين «حركة أحرار الشام الإسلامية» ووفد إيراني في تركيا أسفرت عن هدنة موقتة لمدة يومين بدءاً من صباح أمس، تستمر خلالهما المفاوضات للوصول الى اتفاق دائم يتضمن خروجاً آمناً لمقاتلي المعارضة من الزبداني التي تتعرض لحملة من قوات النظام و «حزب الله» مقابل إدخال مواد غذائية لبلدتي الفوعة وكفريا الشيعيتين المواليتين للنظام واللتين تعرضتا لحوالى 1400 قذيفة في اليومين الماضيين.

وقال مصدر ميداني سوري لاحقاً: «تم تمديد هدنة وقف العمليات العسكرية في مدينة الزبداني وفي مدينتي الفوعة وكفريا لمدة 24 ساعة إضافية تنتهي صباح السبت المقبل»، فيما أفاد ثلاثة مسؤولين قريبين من النظام بأن الهدنة جاءت نتيجة وساطة قامت بها تركيا التي تدعم مقاتلي المعارضة الذين يحاربون الرئيس بشار الأسد وإيران التي تسانده بقوة.

وتمثل هذه الخطوة أحدث المؤشرات حتى الآن على ظهور نهج جديد في المنطقة تجاه الصراع السوري، الذي أسفر عن مقتل ربع مليون شخص وتشريد عشرة ملايين. واستؤنفت قبل أيام المفاوضات بين «أحرار الشام» والوفد الإيراني برعاية تركية، بعدما حذرت «أحرار الشام» في بيان من مساع إيرانية لـ «تفريغ الزبداني من السنة العرب».

وأعلن التوصل الى الاتفاق عشية وصول وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف الى دمشق ولقائه الأسد. ونقلت «وكالة الأنباء السورية الرسمية» (سانا) عن ظريف قوله إن المحادثات «كانت جيدة وتركزت على حل الأزمة في سورية، وآن الأوان للاعبين الآخرين وجيراننا أن يهتموا بالحقائق ويرضخوا لمطالب الشعب السوري ويعملوا من أجل مكافحة التطرف والإرهاب والطائفية”.

وقال «المرصد» في تقرير أمس، إن الطيران السوري شن غارات على غوطة دمشق أسفرت عن مقتل «37 على الأقل بينهم 4 أطفال وجرح 120 آخرين»، لافتاً إلى مقتل «13 مدنياً بسقوط قذائف على دمشق».

في الشمال، أفاد «المرصد» بأن 18 شخصاً بينهم 8 مدنيين و10 مقاتلين قتلوا «جراء القصف الذي استهدف مقراً لجيش السنة في منطقة أطمة ليل (أول) أمس من طائرات حربية يعتقد أنها تابعة للتحالف الدولي، والانفجارات في مستودع ذخيرة ومعمل تصنيع قذائف». وينضوي «جيش السنة» في إطار «جيش الفتح» الذي طرد قوات النظام من معظم محافظة إدلب.

سياسياً، تمكنت روسيا بعد مفاوضات مكثفة مع نظرائها الغربيين من تمرير فقرة في مشروع بيان رئاسي في مجلس الأمن تدعو «كل أطراف» النزاع الى محاربة الإرهاب، في وقت استعد المجلس لتبني مشروع البيان الذي نص على أن المجلس «يجدد تأكيد عزمه على معالجة كل عوامل التهديد الإرهابي ويدعو كل الأطراف الى التزام إنهاء الأعمال الإرهابية التي يرتكبها تنظيما داعش والنصرة وكل الأفراد والمجموعات الأخرى والكيانات المرتبطة بتنظيم القاعدة».

وتعد هذه اللغة في شأن الإرهاب «جديدة في مواقف وبيانات المجلس»، وفق ديبلوماسي في المجلس. وقال إن «ما يلفت أثناء المشاورات هو مدى التقارب الروسي- الأميركي الذي بات أكثر وضوحاً في شأن الملف السياسي في سورية»، مشيراً الى أن «الدول الأوروبية في مجلس الأمن توقعت موقفاً أكثر حزماً من الولايات المتحدة». واعترضت فنزويلا على نص مشروع البيان رافضة قبول ما جاء فيه من دعوة الأطراف السوريين الى «تطبيق بيان جنيف١ بما فيه تشكيل هيئة حكم انتقالية بصلاحيات تنفيذية كاملة».

ونص مشروع البيان على دعم المجلس جهود دي ميستورا ومقاربته للحل السياسي. ويطلب «من كل الأطراف أن تعمل بشكل عاجل نحو التطبيق الشامل لبيان جنيف الهادف الى إنهاء العنف وانتهاكات حقوق الإنسان وإطلاق عملية سياسية يقودها السوريون تؤدي الى انتقال سياسي يلبي تطلعات الشعب السوري ويمكنه بشكل مستقل وديموقراطي من تحديد مستقبله، بما في ذلك إنشاء هيئة حكم شاملة انتقالية بصلاحيات تنفيذية كاملة تشكل بناء على مبدأ القبول المتبادل فيما تضمن استمرارية عمل المؤسسات الحكومية».

أميركا تواصل تدريب المعارضين... وتركيا تؤكد الحماية لـ «المنطقة الآمنة»

قالت وزارة الدفاع الاميركية (بنتاغون) ان الإدارة الأميركية لا تنوي التخلي عن جهودها لتدريب مسلحي المعارضة السورية على التصدي لتنظيم «داعش» رغم البداية المتعثرة التي تؤثر في صدقية الولايات المتحدة، في وقت اكدت انقرة اتفاقها مع واشنطن على اقامة منطقة آمنة شمال سورية.

وأكدت الناطقة باسم البنتاغون الكومندان اليسا سميث لوكالة «فرانس برس» الثلاثاء عدم وجود نية لوقف او تقليص البرنامج. وقالت «نواصل التدريب»، مشيرة الى انه «رغم الصعوبات الأولية، تبقى (وزارة الدفاع الاميركية) ملتزمة بحزم بناء قدرات المعارضة السورية المعتدلة».

وأعلنت الولايات المتحدة في ايار (مايو) انها بدأت تدريب معارضين معتدلين على مقاتلة الجماعة المتطرفة التي سيطرت على مناطق في العراق وسورية اعلنت فيها «خلافة». وتنوي الولايات المتحدة تدريب حوالى 5400 مقاتل كل سنة لثلاثة اعوام. لكن عدداً من افراد وحدة اولى من هؤلاء المقاتلين كانت تضم 54 رجلاً مدربين ومسلحين من قبل واشنطن دخلوا سورية في تموز (يوليو) الماضي افشلوا وقتلوا او خطفوا من قبل «جبهة النصرة».

ويشارك مئات العسكريين الاميركيين في مهمة التدريب اذ ان البنتاغون حدد اكثر من سبعة آلاف مقاتل سوري يمكن ان يتم تأهيلهم. لكن لم يرسل الى سورية حتى الآن سوى نحو ستين منهم لأن العسكريين الاميركيين يصطدمون بصعوبات في عملية الانتقاء والتدقيق الامني للمرشحين. فهم لا ينسون تجربة افغانستان في الماضي حيث تم تدريب وتسليح مقاتلين لمحاربة الاتحاد السوفياتي من قبل الولايات المتحدة في سبعينات وثمانينات القرن الماضي، انتقلوا بعد ذلك الى صفوف حركة طالبان وتنظيم القاعدة.

وعلى رغم هذه البدايات المتعثرة، تنوي الولايات المتحدة تخصيص حوالى 600 مليون دولار لبرنامج التدريب والتأهيل. ويرى محللون انه قد يلعب دوراً حاسماً في محاربة تنظيم «داعش» الذي تمكن من تجنيد سوريين وعراقيين سنّة معادين للحكومتين العلوية والشيعية.

وقال اندرو تابلر الخبير في الشؤون السورية في «معهد سياسة الشرق الادنى» في واشنطن: «من المؤكد ان دخول طلائع المقاتلين المدربين (من قبل واشنطن) كان فاشلاً». وأضاف: «لكنني لا ارى بديلاً لذلك. لا يمكن دحر تنظيم الدولة الاسلامية ببضعة أكراد وما تبقى من نظام (بشار) الاسد في بلد ذي غالبية سنّية».

وكانت الولايات المتحدة أعلنت مؤخراً انها يمكن ان تستخدم قواتها الجوية للدفاع عن مواقع مسلحي المعارضة الذيم دربتهم. وهو تغيير مهم لكنه لن يكفي على الارجح لتغيير مسار النزاع. وفي الوقت نفسه أعلنت واشنطن وأنقرة عن اتفاق يهدف الى انشاء منطقة خالية من تنظيم «داعش» في شمال سورية قرب حدود تركيا.

وأدى النزاع الذي بدأ في آذار (مارس) بتظاهرات ضد الحكومة السورية قمعت بعنف الى سقوط اكثر من 240 الف قتيل بينهم 12 الف طفل خلال اربع سنوات، كما يقول «المرصد السوري لحقوق الانسان» ودفع نصف السكان الى الفرار. وباتت المعارك تدور بين النظام ومسلحي المعارضة والاكراد والمتطرفين.

وحتى الآن عرقلت المصالح الاستراتيجية المتضاربة للدول الفاعلة الجهود لمكافحة تنظيم «داعش» لكن بعد الاتفاق حول البرنامج النووي الايراني الذي اعلن في تموز عبر الرئيس الاميركي باراك اوباما عن بعض التفاؤل مطلع آب (اغسطس). وقال اوباما لصحافيين: «اعتقد ان نافذة (فرصة) فتحت قليلاً للتوصل الى حل سياسي في سورية (...) خصوصاً لأن روسيا وايران باتتا تدركان ان اتجاه الامور ليس جيداً بالنسبة لـ (بشار) الاسد».

لكن اذا كان احتمال تحقيق خرق ما باتجاه السلام يبدو بعيداً حتى الآن، يشير ديبلوماسيون الى بعض التوافق في المصالح بين الجهات الفاعلة الكبرى في المنطقة التي تخشى من ان يشكل انهيار سورية فرصة هائلة لتنظيم»داعش». الا ان مصير الاسد يمكن ان يشكل عقبة كبرى في تسوية النزاع اذ ان الولايات المتحدة والمعارضة السورية تطالب برحيله بينما تخشى روسيا وايران خسارة حليف متعب لكنه مفيد.

منطقة آمنة

الى ذلك، قالت تركيا إنها اتفقت مع الولايات المتحدة على بنود إقامة «منطقة آمنة» في شمال سورية في إطار حملتها لمواجهة تنظيم «داعش» لكن وزارة الخارجية الأميركية نفت مثل هذا الاتفاق. ونقلت قناة «سي إن إن ترك» الإخبارية عن فريدون سينيرليو أوغلو وكيل وزارة الخارجية التركية قوله إن البلدين اتفقا على إنشاء منطقة طولها 98 كيلومتراً وعرضها 45 كيلومتراً تحرسها دوريات لمقاتلين من «الجيش السوري الحر»؟ وفي بيان آخر صدر لاحقاً، نقلت وزارة الخارجية التركية عن سينيرليو أوغلو «السيطرة على هذه المنطقة وحمايتها من (الدولة الإسلامية) ستتولاها قوات المعارضة السورية... وستتولى الولايات المتحدة وتركيا توفير الدفاع الجوي الضروري الدعم لتحقيق هذا».

لكن مارك تونر من وزارة الخارجية الأميركية قال حين سئل في شأن التقرير: «لا يوجد اتفاق على نوع ما من المنطقة». وصرح تونر أنه لم ير التصريحات الرسمية ولا يمكنه ان يتعامل معها. وقال: «أنا لا أنفي ما قاله». وتابع في أفادة صحافية: «كنا واضحين تماماً في أحاديثنا الرسمية وغيرها قائلين انه لا توجد منطقة ولا ملاذ آمن ونحن لا نتحدث بشأن ذلك هنا. إننا نتحدث عن جهود مستمرة لطرد الدولة الاسلامية من المنطقة».