التاريخ: آب ١٣, ٢٠١٥
المصدر: جريدة النهار اللبنانية
واشنطن تخلت... لم تتخل عن برنامج تدريب "المعارضة المعتدلة" بعد خيبة "الفرقة 30"
هل تعدّ واشنطن قوة سورية جديدة؟
موناليزا فريحة
بعد خيبة "الفرقة 30" في سوريا، تتناقض المعلومات عن مصير البرنامج الاميركي لتدريب "المعارضة السورية المعتدلة" وتسليحها لمقاتلة تنظيم "الدولة الاسلامية". فلماذا أخفق البرنامج؟ وهل باتت واشنطن حقاً تفكر في قوة سورية جديدة؟
 
علناً، تبدو الادارة الاميركية مصرة على عدم التخلي عن جهودها لتدريب مسلحي المعارضة السورية. والناطقة باسم وزارة الدفاع "البنتاغون" الكوماندر اليسا سميث كانت آخر من أكد التمسك بالبرنامج، قائلة: "نواصل التدريب وعلى رغم الصعوبات الاولية، تبقى (وزارة الدفاع الاميركية) ملتزمة بحزم بناء قدرات المعارضة السورية المعتدلة".

تدريب "معارضين معتدلين" بدأ في أيار الماضي لمقاتلة الجماعة الجهادية التي سيطرت على مناطق في العراق وسوريا وأقامت فيها "خلافة". وأعلنت واشنطن في حينه أنها تنوي تدريب نحو 5400 مقاتل سنوياً على ثلاث سنوات. ومذذاك، بدأ مئات العسكريين الاميركيين يشاركون في المهمة، إذ إن "البنتاغون" حدد أكثر من سبعة آلاف مقاتل سوري يمكن تأهيلهم. ولكن منتصف تموز لم يرسل الى سوريا الا نحو 60 منهم بحجة أن " العسكريين الاميركيين يصطدمون بصعوبات في عملية الانتقاء والتدقيق الامني للمرشحين".

وحتى هؤلاء الـ60 لم يبق منهم الا القليل، فقد أثرهم في ساعات، بعدما قتل منهم من قتل وخطف من خطف على يد "جبهة النصرة" الفرع السوري لتنظيم "القاعدة".
 
"الجميع مسؤولون"
هذه المأساة أبرزت مجدداً الاخفاق الذريع لاستراتيجية الرئيس الاميركي باراك أوباما لسوريا. والاسوأ أن هذا الفشل كان متوقعاً.
ميكاه زنكو من مجلس العلاقات الخارجية، وهو مؤسسة للرأي مقرها واشنطن، رأى أن "الجميع مسؤولون عن هذا الفشل... لا أعرف أحداً فوق رتبة كولونيل لم يكن يعتقد أنها فكرة رهيبة".

الفكرة بذاتها كانت مفاجئة وجاءت بعد تردّد أميركي طويل في الانخراط في النزاع السوري. فبعدما غزا "داعش" شمال العراق في حزيران الماضي، وسيطر على الموصل، ثانية كبرى المدن العراقية، واجهت الادارة الاميركية ضغوطاً لوضع خطة لوقف التنظيم المتشدد. وتسارعت الامور عندما أعدم "داعش" صحافيين أميركيين أمام الكاميرا في نهاية الصيف.
البرنامج هدف الى تدريب المقاتلين "المعتدلين" وتسليحهم لمحاربة "داعش" في سوريا، من دون الانزلاق الى مواجهة مباشرة مع قوات الرئيس السوري بشار الاسد.

أساساً، كانت وكالة الاستخبارات المركزية الاميركية "سي آي إي" تدير برنامجاً لتدريب المعارضة السورية، الا أنه فشل، فارتأت الادارة الاميركية تطوير برنامج منفصل بقيادة "البنتاغون". وبعد سقوط الموصل، عززت الادارة الاميركية موازنة البرنامج من 200 مليون دولار الى 500 مليون. ولكن على رغم هذا المبلغ استمرت المشكلة في الاستراتيجية .
 
مشكلة متشعبة
المشكلة متشعبة في رأي جايسون ليال، الخبير في حركات التمرد في جامعة يال، "الا أنها كلها تنبع من التناقض الأساسي في السياسة الاميركية لسوريا". ففي محاولة لتجنب مواجهة مع قوات الاسد، حصر المسؤولون الاميركيون مهمة القوة بمحاربة "داعش"، الأمر الذي يقيد عدد المجندين المحتملين. الى ذلك، شكلت المتطلبات الصارمة للتدقيق والتي تهدف الى التأكد من أن لا صلة للمتدربين بمجموعات متطرفة مشكلة اضافية، نظراً الى الطبيعة المائعة للتحالفات في الميدان السوري والتي تفترض أن كثيرين من المقاتلين لهم نوع من الصلات مع متطرفين.
وقال الاستاذ في جامعة كولومبيا البروفسور أوستن لونغ إن "هذين القيدين قوضا الجهود للتعبئة... ووجها ضربة مزدوجة الى البرنامج".

كذلك انتقد الكولونيل المتقاعد متين غورجان الذي ترك الجيش قبل ستة أشهر، في حديث الى صحيفة "حريت"، بشدة برنامج التدريب الذي تشارك فيه بلاده، معتبراً ان فشله كان متوقعاً منذ البداية. وشرح أن "البيئة الأمنية في سوريا مائعة، وهناك مستويات عالية من الشكوك، اضافة الى تغيرات سريعة في التحالفات على المستوى المحلي"، موضحاً أن "زعيم جماعة في مدينة قد ينام عضواً في داعش ويستيقظ عضواً في "النصرة". وفي هذه الحال "يمكن استراتيجية تسليح مدنيين التحول ضد أصحابها".
 
قوة جديدة
ولا تزال الادارة الاميركية تظهر اصراراً على برنامجها. لكن مجلة "دايلي بيست" أوردت أمس أن المسؤولين الكبار في "البنتاغون" تجاوزوا منذ وقت طويل هذه القوة، ووجدوا مجموعة أخرى لمحاربة "الدولة الاسلامية".

ونسبت الى مسؤول دفاعي أن قوة مدربة وكفيّة ومنظمة برزت كقوة فاعلة، "ولا خوف من أن تتخلى عن القتال أو تغير انتماءها"، مشيراً الى أنه يتحدث عن "وحدات حماية الشعب" الكردية.

لكن الادارة الاميركية ترفض حتى الآن الاقرار علناً بفشل البرنامج، وتتذرع بأن بناء قوة سورية يتطلب وقتاً. وأفاد مجلس الامن القومي التابع للبيت الابيض أنه بينما لا تزال واشنطن ملتزمة بناء "معارضة سورية معتدلة"، ثمة قوات أخرى أيضاً ضمن الاستراتيجية.

ومع ذلك، لا يفوت المسؤولون الاميركيون أن تبني واشنطن القوة الكردية شريكاً علنياً يعقد الاستراتيجية الهشة أصلاً. وأبلغ مسؤولان دفاعيان أميركيان "الدايلي بيست" أن أنقرة لن ترحب بدعم قوة كردية على حدودها الجنوبية، وكذلك بعض الدول العربية.