يغادر روس ماونتن لبنان و... لا يغادره. يترك البلاد مسؤولاً انسانياً ومنسقاً لنشاطات الامم المتحدة فيها. غير انه يعود قريبا الى بيروت حيث يملك منزلاً، كأب ومتأهل من لبنانية. غداً، يختتم ماونتن "ولايتين" امضاهما في الربوع اللبنانية. وبعده، يبدأ السويسري فيليب لازاريني الآتي من الصومال "مشواره" خلفاً له.

 

على وقع جدل "حام" بين الامم المتحدة ووزارة الخارجية والمغتربين، ووسط احتجاجات على نقص التمويل من الجانبين الفلسطيني والسوري، قوّم ماونتن لـ"النهار" ايامه اللبنانية. ايام بدأت اواخر التسعينات، مع مرحلة اعادة الاعمار، وتكاد تنتهي منتصف 2015 بأزمة رئاسية وخشية مستمرة على... الاستقرار.

- كنت هنا اواخر التسعينات. كان هناك رئيس للجمهورية. الجيش السوري كان في البلاد، فيما كان الاسرائيليون في الجنوب، ثم تركوا. لم تكن في تلك الفترة أزمة رئاسية. كذلك لم يكن لدينا تدفق للاجئين من سوريا على غرار ما هي الحال اليوم. على رغم كل شيء، يبقى لبنان صاحب مناعة. احدى نقاط الجذب فيه هو ان الحياة في بعض البلاد تسير وكأن لا شيء آخر يحصل.

- من الصعب القول ما اذا كانت الامور تسير نحو الافضل او الاسوأ. شهدت البلاد نهاية التسعينات، مرحلة اعادة اعمار. يبدو الوضع السياسي الداخلي اليوم اكثر تعقيدا. سابقا، حصلت انتخابات وتغيرت الحكومة. اليوم، ثمة قلق نتيجة غياب رئيس للجمهورية، والضغط الهائل على رئيس الحكومة تمام سلام، في ظل العمل المذهل الذي يقوم به من اجل عدم المس بآخر المؤسسات الحكومية في لبنان وابقائها قادرة على العمل لمصلحة البلاد.

- كان موقف الحكومة اوضح سابقاً. اليوم وفي ظل المسائل الراهنة، يبدو التوصل الى توافق حيال المواقف والاعمال اكثر تعقيدا بين وزراء ينتمون الى احزاب مختلفة (...).

- (...) لا نواجه المشكلة نفسها تحديداً، الا انه من المؤكد ان عملانية الحكومة تؤثر على الجميع. من المهم ان يصار الى ايجاد وسائل تضمن وصول كل الموارد. من المأسوي في هذه الفترة، انه - وعندما تظهر الحاجة الى تمويلات اضافية - يبدو كأن لبنان سيخسرها نتيجة النقص في الحصول على موافقات بيروقراطية.

- كانت لبرنامج الامم المتحدة الانمائي تجربة ناجحة الى حد ما في هذا الصدد، في العمل مع الحكومة وبلدية صيدا. المسألة ككل تدور اليوم حول توافر مكب، أقله على المدى القصير. ربما حصلت اختراقات (...).

- لا اعتقد ان الوكالة تخرق القوانين اللبنانية. هم يعملون مع وزارة الشؤون الاجتماعية، وكما قال الوزير، فهو مخول القيام بذلك. انها مسألة تتعلق بالاولاد الذين يولدون هنا ومن اهل لاجئين. من مصلحة لبنان ان يصار الى التأكد من ان هؤلاء الاولاد ليسوا عديمي الجنسية (STATELESS) وان هناك اعترافا بهم بطريقة أو بأخرى، بانهم لاجئون وسوريون. عندما يحين الوقت، يعودون الى وطنهم. من المؤكد ان لا نية لدى مفوضية الامم المتحدة او الامم المتحدة او اي طرف آخر في توطين الناس هنا. نحن واعون جداً لدقة الوضع والقلق في هذا المجال. وبصراحة، يبدو لبنان مذهلاً في تحمله السكان. لبنان يتحمل نسبة لاجئين أكبر من اي دولة في العالم. يجب الاقرار بذلك ودعم البلاد في هذه المهمة. من المعلوم ان منح الجنسية يمر باجراءات مختلفة ولا يمكن نيلها الا من خلال والد لبناني. لذا لا اعتقد ان المسألة مطروحة. نتفهم الانشغالات والقلق في هذا المجال نتيجة الاعداد الكبيرة. واعتقد ان الجميع يتمنى ان يعودوا غداً، لكن للأسف لا يبدو الأمر منطقياً اليوم.

- مجدداً اتفهم الرغبة في رؤية خيارات تتعلق بعودة السوريين الى بلدهم (...) كأمم متحدة، لم تكن لدينا أفضل التجارب مع "المناطق الآمنة". نحتاج الى حظر للطيران (NO FLY ZONE) وكذلك الى موافقة اطراف النزاع على منطقة حظر طيران. وبغير ذلك، يمكن ان تتحول (المنطقة) هدفاً. لنرَ كيف ستتطور الأمور. نتفهم رغبة اللبنانيين والسوريين في العودة الى بلدهم. واعترف - ليس فقط بقدرة البلاد على تحمل هذا العبء - ولكن أيضاً بتفهمها في اعتبار ارغام الناس على العودة خياراً غير مطروح. يحتاج لبنان الى دعم أكبر. تلقينا عبر "خطة الاستجابة" التي اطلقتها الحكومة اللبنانية وبالتعاون مع الامم المتحدة نحو 30 في المئة مما طلبناه. وهذا أفضل من العام الماضي، الا ان الطريق ما زال طويلاً. نحن قلقون حيال خفض التمويل المتعلق ببطاقات الطعام، وكذلك بالنسبة الى الفلسطينيين. ثمة قلق على المستوى الانساني وعلى الاستقرار. "خطة الاستجابة" تغطي الأمور الانسانية واللاجئين وكذلك نسبة من اللبنانيين الفقراء ونشاطات تتعلق بالتنمية، غير ان المقاربة ككل تتعلق بما يمكن ان نفعله لابقاء لبنان مستقرا في ظل الضغط الهائل الذي يواجهه. واذا نظرنا الى هذا البعد، يبدو من الحيوي ان يكون اللاجئون على امتداد البلاد - وعلى رغم انهم يتركزون جنبا الى جنب في مناطق تحتضن اللبنانيين الفقراء اي في 250 موقعاً - الا انه من المهم ان يتمكنوا من الحصول (على طعام). بحسب تقديرنا، فان الحد الادنى المطلوب لعائلة لاجئة هو 435 دولاراً اميركياً. حصة الطعام منها هي 150 دولاراً، فيما تحصل عائلة من 5 افراد اليوم على 65 دولاراً فقط شهرياً. من هنا، لاحظنا ان نسبة الاستدانة بين السكان باتت عالية. حتى قبل الخفض الأخير، لدينا مؤشرات تدل على ان اكثر من نصف اللاجئين هم تحت خط الفقر. وعندما يكونون في وضع مزرٍ يلجأون، لتغطية الفجوة، الى الاستدانة. لسوء الحظ نرى ان بعضهم يرسل الاولاد الى العمل. نحن قلقون حيال ما يمكن ان يحصل وخصوصا اننا نرى ارتفاعا في الزواج القسري، والاستغلال الجنسي. كما اننا نلاحظ في المنطقة ككل، ارتفاعا في الاعمال المعادية للمجتمع، على رغم ان المسألة لم تتحول قضية كبيرة في لبنان. من المهم ايجاد طريقة للتعاطي مع هذه الفجوة.

- (...) نعم لدينا قلق في هذا الشأن. لذا شددنا، وضمن الخطة، على القيام بالمزيد بالنسبة الى المجتمعات المضيفة، ولا سيما في المناطق حيث يتنافس اللاجئون واللبنانيون الفقراء على خدمات الصحة والتعليم والعمل وغيرها. انا مسرور لان البرنامج توسع الى حد ما. ثمة جهات مانحة باتت تتجاوز فكرة ان لبنان هو بلد ذو دخل متوسط الى مرتفع. عمل السوريون في لبنان لفترة طويلة في الزراعة وتجارة البناء، وهذه أعمال لا يقوم بها اللبنانيون. من هنا لا منافسة فيها (...) كما ان هناك اعتقاداً مفاده ان هؤلاء الناس يتلقون مالاً كبيراً من المجتمع الدولي ويمكن ان ينافسوا في العمل، لكن الأمر ليس كذلك. من المهم رؤية كيف تتم ادارة الموارد لمصلحة لبنان.