تمرّ اليوم سنتان على اغتيال الشهيد محمد البراهمي أمام منزله في اغتيال ثان لأحد السياسة في تونس ما بعد الثورة . كان لهذا التاريخ ولهذه الواقعة الاليمة انعكاس عميق على مجريات الامور في بلادنا باعتبار
انهما يمثلان نقطة الانطلاق المعلنة بشكل صريح لعملية مكافحة الارهاب وضرورة مقاومة الجريمة الارهابية في كلّ مظاهرها. هذا «الوعي»المشترك للظاهرة الارهابية شكّل نقطة فصل مع ما كان متداولا تحديدا منذ تاريخ 6 فيفري 2013 والمتمثل في وضع خطط امنية وقضائية لمكافحة العنف السياسي.معنى ذلك انّ تاريخ 25 جويلية 2013 يمثلّ نقطة الانطلاق لـ«مشروع» محاربة بالظاهرة
الارهابية على جميع المستويات وتحديدا على المستوى الامني والقضائي والقانوني. يصادف هذا التاريخ وهذه الذكرى الاليمة وصول مداولات ومناقشة مجلس نواب الشعب مشروع قانون مكافحة الارهاب ومنع غسل الاموال فصلا فصلا مراحله الاخيرة، اذ ينتظر ان تتم اليوم المصادقة على هذا القانون الاساسي. قانون جديد منتظر نادى به الجميع سوف ينهي عهدا اعتبره العديد من المتابعين «مظلما ومجحفا» لتشريع 2003 لن يترك من المؤكد اي متأسف عليه. فهل يحقّق هذا المولود التشريعي الجديد ذلك خصوصا وانّ المعالجة القضائية للظاهرة الارهابية متعثرة.
حتى نؤطر ذلك بشكل ادقّ يجوز طرح التساؤل حول طرق تعامل الجهات المعنية بمكافحة هذه الظاهرة التي يصفها البعض بـ«السرطانية»، هل نجحت في ذلك؟ بعبارة اخرى كيف يمكن تقييم المعاملة القضائية لهذه الظاهرة الارهابية انطلاقا من تسجيل اولى الجرائم داخل البلاد؟ كم من عملية ارهابية تمّ تسجيلها منذ 2011 ؟ من قام بها؟ وماهي القضايا المتفرعة عنها و النصوص القانونية المعتمدة والمناهج المتبعة لاعادة تاهيل ومراقبة المحالين في اطار هذا النوع من القضايا؟
رغم انه يمكن اعتبار ما وقع بمنطقة الروحية من اولى الجرائم الارهابية المسجلة بتونس بعد الثورة الا انّه يتحتّم توضيح بعض المسائل ذات العلاقة والتي من شأنها ان تفيد انّ ما وقع ويقع من اعمال تهدد امن البلاد والعباد مرتبط بمسار تاريخي ينطلق على الاقل منذ احداث سبتمبر 2001 . تلك الاحداث التي غيرت مثلما يعتبره البعض مسار تاريخ معاصر وكان لها اثر عميق ومباشر على المستوى العالمي. وضعت الولايات المتحدة الامريكية بعد هذه الحادثة الاليمة نصوصا قانونية تهدف الى مقاومة الظاهرة الارهابية تتميّز بخروجها عن مفاهيم واساليب التشريعات الجنائية
العامّة والعدلية من ذلك انّ التمشي بشكل عامّ يهدف الى «استباق الفعل الارهابي» والتدخل القضائي بتوفر قرائن العنصر المعنوي فحسب بمعنى انه لا يتحتم انتظار انجاز الفعل للتدخل وانما استباق ذلك بمجرّد التأكد من امكانية وقوع الفعل ترتيبا على معلومات ومعطيات واقعية واستخبارتية. اضافة الى ذلك فانّ هذا القانون اخذ منحى التشريع الكوني أي التشريع الذي لا ينحصر نفاذه في الاطار
الاقليمي وانما يمكن اعتماده دوليا بمجرّد اكسائه بصبغة التشريع الوطني. ولقد تولت تونس في هذه الاطار وضع قانون 2003 والذي لا يزال ساري المفعول الى حدّ الان. وتجدر الاشارة الى انّ هذا التشريع وقع اصداره مباشرة بعد تفجير معبد الغريبة بجربة خلال 2002 .وهي أول عملية ارهابية من نوعها تنفذ في ربوعنا.
تولت المحاكم انطلاقا من ذلك اعتماد هذا النصّ الاستثنائي ووقعت الاحالات بالآلاف طبقا لاحكامه مما ادى الى وقوع العديد من الخروقات الاجرائية والقانونية. هذا الواقع ادى الى توجيه العديد من الحقوقيين انتقادات لاذعة احيانا لطرق تعامل القوى الامنية عند تطبيق مقتضيات قانون 2003 وحالات التعسف المتكرّرة من مداهمات وإيقافات وإحالات على المحاكم. كما طالت الانتقادات الجهاز القضائي ومؤسسة النيابة العمومية تحديدا اذ تمّ اعتبار جزء كبير من الاعمال المنجزة في هذا الاطار نتيجة لـ«التوصيات» و»التعليمات» وصولا الى «تصفية الحسابات» وفق ما اعتبره البعض.
كما تركزت الانتقادات ايضا على محتوى هذا القانون والجوانب «الاستباقية» فيه من كونها تكتفي بتوفر بعض القرائن التي يقع تجميعها لتكييف الافعال وتوجيه الاتهامات وأخيرا الزجّ بالسجن. هذا الوضع ادّى في رأي العديد من الحقوقيين الى وقوع المظالم والانتهاكات وبالتالي وصف قانون 2003 بكونه «اداة قمع وجور في يد بن علي وما تمّ توصيفه بجهازه الامني القمعي وامتداده القضائي.
من الروحية الى... سوسة من 2011 الى يومنا هذا تعرضت البلاد الى العديد من العمليات الارهابية ذهب ضحيتها شهداء من الجيش والأمن وحتى المواطنين. تعداد كلّ هذه العمليات يخرج عن اطار هذا الملف لكن يمكن الاكتفاء ببعضها التي لها رمزية وخصوصية على مستوى مضامينها وأثارها.
أول عملية كان مسرحها منطقة الروحية خلال 2011 أين وجدت عناصرنا الأمنية والعسكرية نفسها في مواجهة مع مجموعة مسلحة. أسفرت كما هو معلوم عن سقوط ضحايا في صفوف الجيش بوفاة رقيب أول ومقدم إلى جانب إصابة آخرين هذا بالإضافة الى القضاء على احد عناصر المجموعة المسلحة. العملية كانت بمثابة الرجّة الكبيرة التي ابرزت خطورة التهديد الذي تعيشه البلاد
واليقظة الواجب توفرها للتصدي لما من شانه ان يحدث من أفعال من هذا القبيل. وفعلا فقد اسفرت التحركات الأمنية في سنة 2012 عن التفطن إلى عدد من المسلحين في منطقة بئر علي بن خليفة من ولاية صفاقس أين جدت مواجهات انتهت بمقتل مسلحين اثنين وحجز كمية من الأسلحة من نوع كلاشنكوف.كما انه تمّ تسجيل وقوع ف-ي 10 ديسمبر 2012 اشتباك دورية مشتركة بين حرس وأمن وإدارة الغابات مع عناصر مسلحة ذهب ضحيتها الوكيل بالحرس الوطني أنيس الجلاصي. تجدر الاشارة الى انه بعد اسبوع وقعت مداهمة منزل بدوار هيشر و القضاء على امراة اتضح انها زوجة احد العناصر الارهابية المشاركة في هذه العملية الاخيرة.
سنة 2013 لم تخل بدورها من ضربات موجعة إذ استيقظ التونسيون بتاريخ 6 فيفري على وقع أولى الاغتيالات السياسية التي استهدفت الأمين العام السابق لحزب الوطد شكري بلعيد والتي للتذكير كما اشرنا كانت توصف بكونها جريمة تندرج في اطار العنف السياسي والحال انّ الوقائع والتطورات أثبتت انها عملية ارهابية.
بعد ذلك حولت المجموعات الإرهابية وجهتها إلى جبل الشعانبي بالقصرين وانطلقت رحلة الألغام المتفجرة التي حصدت عديد الإصابات في صفوف الجيش الوطني بمختلف الرتب، وفي الوقت الذي تواصل فيه العناصر الأمنية بمختلف أسلاكها اقتفاء آثر الإرهابيين المتحصنين بالشعانبي استيقظت البلاد على وقع اغتيال سياسي ثان بتاريخ 25 جويلية 2013 استهدف النائب محمد البراهمي رميا بالرصاص أمام منزله ليعود بعدها العنف من جديد إلى جبل الشعانبي ومنعرجاته الخطيرة اين امتدت يد الارهاب والغدر في 29جويلية لحصد أرواح ثمانية عسكريين والتنكيل بجثثهم. كان ذلك مثلما نتذكر جميعا خلال شهر رمضان ...
لم يكن يوم 23أكتوبر 2013 خاليا من الدماء ليواصل كابوس الارهاب حصاد مزيد من الارواح ليكون ضحيته هذه المرة 6 عناصر من الحرس الوطني اثر ما عرف بمواجهات سيدي علي بن عون وإصابة آخرين والقضاء على احد المسلحين ،في نفس الشهر وتحديدا في 30 منه تم افشال عملية انتحارية كان سينفذها احد العناصر بشاطئ المنستير باستعمال حزام ناسف. كما طالت يد الغدر الجنوب حيث شهدت منطقة نقة من ولاية قبلي في نوفمبر 2013 مواجهات بين وحدات من الحرس الوطني ومجموعة مسلحة كانت تتحصن بأحد المنازل وقد أسفرت العملية عن إصابة عنصرين من الأمن والقضاء على احد عناصر المجموعة والقبض على البقية.
خلال السنة الفارطة شهد شهر فيفري تنفيذ عملية مداهمة منزل بجهة رواد بعد ورود معلومات عن وجود مجموعة مسلحة متحصنة به حيث أسفرت المواجهات عن مقتل كمال القضقاضي المتهم الرئيسي في مقتل شكري بلعيد وستة آخرين إلى جانب فقدان المجموعة الأمنية إلى احد زملائهم برتبة عريف، لم تمضي بضعة أيام ودائما في أريانة حتى جدت مواجهات بين فرقة مقاومة الإرهاب
ومجموعة مسلحة بمنطقة حي النسيم القي خلالها القبض على أربعة عناصر من بينهم احمد المالكي وهو المتهم في قتل محمد البراهمي، لكن يتواصل في الاثناء المسلسل الرهيب اذ تولت عناصر ارهابية في 16 فيفري 2014 نصب كمين راح ضحيته عنصران من الحرس الوطني وعون سجون الى جانب مواطن وإصابة آخرين. في 27 ماي تم استهداف منزل وزير الداخلية آنذاك لطفي بن جدو في القصرين حيث تم تننفذ هجوم مسلح أسفر عن وفاة أربعة أمنيين وجرح آخر. وفي جويلية من نفس السنة وتحديدا في 18 من رمضان شنت المجموعات الإرهابية هجومين باستعمال
الرشاشات على نقطتي مراقبة حصد خلالها أرواح 17 عسكريا لتليها في السادس من نوفمبر هجمة على حافلة عسكرية حصدت العشرات بين قتلى وجرحى. سنة 2015 أيضا كانت حافلة بالعمليات الإرهابية التي انطلقت منذ شهر فيفري بسلسلة من المواجهات المسلحة لتكون الضربة الموجعة في باردو 18 مارس أدى إلى مقتل 20 سائحا وجرح العشرات وهي المرة الأولى التي يتم فيها استهداف السياح والسياحة لتليها ثانية في احد النزل بسوسة والتي جدت بتاريخ 26 جوان المنقضي أسفرت عن سقوط 39 سائحا من جنسيات مختلفة وجرح العشرات.
قضايا وموقوفون بالآلاف والسير بطيء تجندت القوى الامنية والعسكرية لمتابعة وتقصي اثار العناصر الارهابية كان ذلك توازيا مع عمل استخبارتي وان راى فيه البعض «تباطؤا» وقلّة نجاعة الا انّه أدى الى الايقاع بالعديد من العناصر الارهابية المتورطة سواء بشكل مباشر او غير مباشر وبمختلف الطرق سواء بالتمويل او الايواء او الترويج للفكر الارهابي أو الدعوة لذلك او بالمشاركة الفعلية في ذلك. وهو ما أدى الى وقوع الاف من الايقافات من المشتبه في تورطهم في العملية الارهابية. وتفيد الارقام التي تحصلت عليها «المغرب» في هذا الاطار انّه تمّ في الفترة الممتدة ما بين اواخر 2012 الى حدود التاسع عشر من الشهر الجاري ايقاف 3241 مظنونا فيه وبالتالي وقعت على الجهاز القضائي.
أفاد مصدر موثوق به من وزارة العدل بان عددا من قضاة التحقيق بالمحكمة الابتدائية بتونس قد تعهدوا بملفات قضايا الإرهاب التي تجاوزت 1400 قضية , وتمّ البتّ في أكثر من 300 قضية بإحالتها على مختلف الجهات القضائية المختصة للحكم فيها , في حين مازالت الأبحاث متواصلة في البقية علما أن عدد الموقوفين في القضايا الإرهابيـة قد بلغ إلى اليوم أكثر من 1245 موقوفا وأن عدد 20 متهما فقط قد صدرت في شأنهم أحكام نهائية وهم بصدد قضاء العقوبة.
ان القضايا التي وقع الفصل فيها من طرف الجهاز القضائي لا تمثل في الواقع الا جزءا ضئيلا من الكمّ الهائل من الملفات المطروحة على القضاء منذ 2011 والتي لاتزال تنتظر الى حدّ الان الفصل فيها والبوح باسرارها. بطء في المعاملة القضائية حسب راي البعض غير مبرر ومفرط في الغموض والضبابية. هذا الموقف وتحديدا النقد الموجه للجهاز القضائي يجد ما يدعمه على ارض الواقع ومن خلال مواقف الاطراف المعنية نفسها وهنا يمكن تقسيم ذلك الى موقفين فمن ناحية هنالك من يعتبر داخل الجهاز القضائي انّ التثريب يتحمّله الجهاز الأمني باعتبار انّ الملفات المحالة من طرف هذا الاخير على المحاكم تشكوالعديد من النقائص على مستوى مكونات الادانة ومؤيدات الاحالة. في الجهة المقابلة يعتبر الجهاز الامني انّ القضاء لا يتعامل بشكل «ناجع» مع الملفات المعروضة عليه وأنه «يتسامح» في العديد من المسائل وصولا الى حفظ التهم وعدم سماع الدعاوى.
من الواضح ان هنالك جوّا متوترا نسبيا بين الجهتين القضائية والأمنية مما يؤثر بشكل ملحوظ على سير الملفات المطروحة ومآلاتها. من الواضح ايضا ان الرأي العامّ بدأ يشعر بنوع من الملل وصولا الى الضجر جرّاء ما يعتبره هذا البطءا في التعامل القضائي مع الملفات الارهابية المنشورة في المحاكم. شعور يتنامى بشكل ملحوظ الى درجة انه يتمظهر احيانا في نوع من «الشكّ والريبة» بخصوص التعامل الامني والقضائي مع الملفات الارهابية. ولقد عبّر عن ذلك احد الاساتذة في التعليم الثانوي عندما لاحظ انّ الامور بخصوص المعالجة القضائية للظاهرة الارهابية تراوح
مكانها وستظلّ حسب رايه على هذه الحالة لسنين اخرى، مضيفا «كلّهم يعملون على ابقاء الوضع على ماهو وتكريس نوع من التعتيم على الملفات المنشورة امام العدالة. كيف يمكن تبرير كلّ هذا الغموض وعدم فصل اي قضية كبيرة مثل تلك المتعلقة بالشهيدين بلعيد والبراهمي؟ لهذه الدرجة الامور متعثرة. انا اشكّ في كلّ شيء خصوصا وان القضايا القليلة التي تمّ فصلها لا تكاد تكون الا قضايا راي عامّ ...»
مما لا شك فيه حسب البعض الاخر أن سير الأبحاث في هذه القضايا بطيء جدا خاصة وان عددا هاما منها منشور منذ سنوات والنتائج ضئيلة وهنا اعتبرت الجهات المعنية الأمر عاديا وفق ما افادنا به مصدرنا صلب وزارة العدل بأن ذلك يعود الى تشعب وقائعها وتنوع الوسائل المستعملة فيها، وتعدد المتهمين المورطين فيها وتحصن عدد كبير منهم بالفرار, الأمر الذي يتطلب الحرص على إلقاء القبض عليهم لاستكمال الأبحاث معهم والكشف عن الحقيقة ومحاكمتهم ، مع الإشارة الى أنه وسعيا من قضاة التحقيق إلى تقديم الموقوفين إلى المحاكمة في أقرب آجال , فإنهم يلجؤون إلى آلية تفكيك القضايا بإفرادهم بملفات مستقلة وختم البحث في قضاياهم قبل انقضاء آجال الإيقاف التحفظي في حقهم .
التأهيل داخل السجون ... في انتظار صدور الاحكام النهائية الغريب انّ المودعين بالسجون حاليا في اطار قانون الارهاب لا يتمتعون ببرامج التاهيل واعادة الادماج. هذا واقع جليّ ومتأكد. الاسباب تعود الى عدم توفر هؤلاء اي الموقوفين على الشرط الاساسي والجوهري لذلك والمتمثل في ضرورة وجود حكم نهائي وبات لتفعيل مؤسسة التاهيل واعادة الادماج. لقد اشارت الاحصائيات المذكورة انفا انّ 20 متهما قد صدرت في شأنهم أحكام نهائية وباتة مثلما اورد مصدر من وزارة العدل. لكن هذا الرقم يصبح محلّ تردّد اذا ما قارناه بالمعطيات المتوفرة والتي أكدها الناطق الرسمي باسم الادارة العامة للسجون والإصلاح رضا الزغدودي
والذي يفيد انه لا يوجد الى حدّ الان من صدر في حقه حكما باتا ونهائيا. وهو امر مستبعد في الواقع بالنظر الى الاجال القانونية للطعون في المادة الجزائية اضافة الى تواريخ اصدار الاحكام. خلاصة القول انه يبدو ان الوقت غير سانح باعتبار ما تمّ وصفه بـ»بطيء» في فصل القضايا وقلّة الملفات المفصولة قضائيا لا يمكن الحديث على تأهيل او اعادة ادماج بالمؤسسات السجنية. ترتيبا على ذلك فكل الموقوفين والمحكومين في اطار القضايا الارهابية والمودعين حاليا بالسجون موجودون في وضعية اقل ما يقال عنها «عاديّة» اي شبيهة بـمتهمي وموقوفي الحقّ العامّ بما يعني ذلك
من خطورة وتهديد. فالسجن مثلما هو معلوم هو مجال سانح لتمرير الافكار وتأثير السلوك او ما يعبر عنه بـ»العدوى الاجرامية»وفق منهجية معروفة فالمجرم العائد يؤثر على نفسية المجرم المبتدئ وقد تمّ تسجيل انتشار هذه الظاهرة في كافة السجون بمختلف الدول»، هكذا علق الناطق الرسمي باسم الادارة العامة للسجون والإصلاح رضا الزغدودي على امكانية تاثير المجرمين ببعضهم البعض، مشيرا الى ان الامر يستوجب اعتماد تصنيف جيّد ومحكم. كما اكد بانّ اطارت السجون وخاصة منهم الذين يتعاملون بصفة مباشرة مع العناصر الارهابية بالمؤسسات السجنيّة لهم من الحرفية والحماس والوطنية للتعامل مع هذه النوعية من المجرمين بما يكفل أمن الوحدات السجنية وبالتالي امن البلاد بصفة عامّة.
من ناحية اخرى افاد رضا الزغدودي انّه وفي ما يتعلق بمعاملة المحالين من اجل جرائم ارهابية داخل المؤسسات السجنيّة، يتم التعامل مع كلّ المساجين طبقا لأحكام القانون الداخلي المنظم للسّجون، مشيرا الى انهم يخضعون الى مراقبة والتفتيش اثناء الزيارات. وأكّد انّ الاجراءات المذكورة يتم تكثيفها كلما دعت الضرورة الى ذلك . كما تزداد المراقبة كلّ ما تزداد خطورة السجين. واكّد انّ وزارة العدل تفكّر جديّا في اخضاع السجناء المحالين في جرائم ارهابية الى برامج خاصّة، علما وان هنالك مشاريع برامج مشتركة بين وزارة العدل ووزارة الشؤون الدينية خاصة وانّ هنالك عددا لا بأس به من الاطفال الذين لم يبلغوا سنّ الرشد وهم مورطون في قضايا ذات طابع ارهابي. وافاد الزغدودي بانه يتم تصنيف المجرمين حسب درجة خطورة الفعل الاجرامي المرتكب الوراد في القانون حسب الجنس والسنّ والحالة الجزائية.
هل انّ القطب الأمني الشامل هو الحلّ لمعالجة الظاهرة الارهابية؟ في عهد الترويكا كثر الحديث عن ضرورة انشاء قطب امني شامل يتعهد بكل القضايا الإرهابية المنشورة اليوم أمام المحكمة الابتدائية بتونس لما تتطلبه من تفرغ لقضاة مختصين في هذا النوع من الملفات خاصة وانها جديدة على القضاء التونسي ففي آخر ايام حكومة المهدي جمعة تم تدشين مقر هذا القطب علما وان جمعة قد تعهد في وقت سابق خلال رئاسته للحكومة بان يتم احداث هذا القطب قبل موفي سنة 2014 ،تدشين تباينت حوله المواقف بين مبارك للفكرة وبين من اعتبرها مجرد تسجيل حضور، وفي هذا السياق تحدثنا مع مصدر من وزارة العدل لمعرفة مدى تقدم اشغال
هذا الهيكل خاصة وأن وزير العدل السابق قد ارجع تأخير إنشائه إلى ارتباطه بالمصادقة على مشروع قانون الإرهاب الجديد وهنا قال مصدرنا إنه «تمّ في المجال القضائي تعيين عدد 5 قضاة تحقيق للتعهد بالبحث في قضايا الإرهاب , وعدد 2 مساعدين أول لوكيل الجمهورية بالمحكمة الابتدائية بتونس , كما تمّ تخصيص دائرة اتهام بمحكمة الاستئناف بتونس لذات الغرض وأنّ مشروع القانون الخاص بمكافحة الإرهاب المعروض حاليا على مجلس نواب الشعب للمصادقة عليه، يتضمن أحكاما تتعلق بالقطب القضائي المختص في مجال الإرهاب من حيث تنظيمه وضبط مشمولات اختصاصه.
لاوجود لفراغ تشريعي لم يكن قانون 2003 رغم الانتقادات الموجهة اليه محلّ رفض من طرف الجميع اذ هنالك من اعتبر انّه ادى المهمة المناطة بعهدته وسمح بمعالجة الجرائم الارهابية المحالة علىى القضاء وذلك ما يفنّد فكرة «الفراغ التشريعي» الذي دفع بها البعض فالاحالات على القضاء تتمّ على اساسه وهو ما دابت عليه اعمال المحاكم اضافة الى النصوص العامة الواردة بالمجلّة الجزائية وتحديدا الفصل 201 وما بعده.
«تعامل القضاء مع الملفات الإرهابية بطيء وله أسبابه» لمزيد تسليط الأضواء حول مسألة تعامل القضاء مع الملفات الإرهابية المنشورة لديه والتي تعد بالآلاف رصدت موقف بعض رجال القانون حيث أفادنا المحامي عبد الستار بن موسى بأن البطء موجود في سير مثل هذه الملفات ويعود ذلك إلى عدة أسباب وقال في الموضوع «التقدم في الأبحاث وسير الملفات المتعلقة بقضايا إرهابية بطيء للغاية ويعود أساسا إلى النقص الكبير في القضاة سواء منهم الجالسين بالدوائر الجنائية أو قضاة التحقيق هذا بالاضافة إلى تشعب الملفات وكثرتها ووجود محكمة وحيدة مختصة في هذا النوع من القضايا وهو ما يزيد الأمر تعقيدا ولا بد من الإسراع في إصلاح المنظومة القضائية بما تتطلبه المرحلة الراهنة وإرساء القطب الأمني الشامل الذي من شأنه أن يساهم في حلحلة الأمور والتخفيض من الضغط المسلط على قضاة المحكمة الابتدائية بتونس وفي تقدم الأبحاث في الملفات ذات الطابع الإرهابي».
هذا وقد أكد بن موسى أنه «قد وردت على الرابطة عديد التشكيات من تعرض الإرهابيين إلى التعذيب سواء في مراكز الاحتفاظ أو الإيقاف وكذلك من سوء المعاملة داخل السجون لهؤلاء كنعتهم بالإرهابيين»
تهم متبادلة «الداخلية تشد والقضاء يسيب» جملة شهيرة حضرت في عديد المنابر الحوارية وتصريحات عدد من المسؤولين توجهت فيها أصابع الاتهام الى القضاء بإطلاق سراح من تقوم وزارة الداخلية بإيقافهم من اجل الاشتباه بضلوعهم في قضايا إرهابية نقطة أردنا رصد موقف وزارة العدل منها حيث أفادتنا بأن «عمل كل جهة مستقل بذاته وتتخذ القرار الذي تراه مناسبا على ضوء قراءته للمعطيات المتوفرة و أن قرارات الضابطة العدلية فيما يتعلق بممارسة حق الاحتفاظ بذي الشبهة لا يقيّد الجهة القضائية التي ستتعهد بمحضر البحث والبتّ في وضعيته على ضوء مظروفات الملف كما أن المشرع قد مكّن الضابطة العدلية بالاحتفاظ بذي الشبهة في جميع الحالات التي تقتضيها ضرورة البحث , في حين اشترط لإصدار بطاقة الإيداع ضد ذي الشبهة من طرف الجهات القضائية المختصة توفر حالة التلبس أو ظهور قرائن قوية تستلزم الإيقاف الذي يرجع تقديره لسلطة تلك الجهة وبالتالي واعتبارا لعمومية مؤسسة الاحتفاظ وخصوصية الإيقاف والإيقاف التحفظي فإنه لا يمكن أن يؤدي بالضرورة كل احتفاظ إلى إيقاف مع التذكير بأن قاضي التحقيق يتمتع باستقلالية تامة في أداء مهامه.
قضايا وموقوفين القضية المتعلقة بإغتيال شكري بلعيد : تمّ تفكيكها على مستوى التحقيق وإحالة الملف الخاص بالموقوفين فيها وعدد 23 متهم , وبعد إستكمال الإجراءات رسمت القضية لدى الدائـرة الجنائية الخامسة بالمحكمة الابتدائية بتونس تحت عدد 30523 , والقضية مؤخرة لجلسة يوم 30/10/2015 إستجابة لطلب محامي القائمين بالحق الشخصي والمتهمين , مع الإشارة بأن الملف الخاص بالمتهمين الذين هم فيها بحالة سراح وفرار مازالت منشورة لدى قاضي التحقيق لإستكمال الأبحاث .
القضية المتعلقة بإغتبال محمد البراهمي : تمّ تفكيكها على مستوى التحقيق وصدر فيها قرار ختم بحث بتاريخ 17/06/2015 يقضي بإحالة ملف الموقوفين فيها وعددهم 6 على دائرة الاتهام بمحكمة الاستئناف بتونس وهي في إنتظار تعيينها للجلسة .
القضية المتعلقة بذبح الجنود بجبل الشعانبي : تمّ استكمال الأبحاث والإجراءات فيها ونشرت لدى الدائرة الجنائية الثالثة بالمحكمة الابتدائية بتونس تحت عدد 29520 , بها عدد 77 متهم من بينهم عدد 6 متهمين بحالة إيقاف , والقضية مؤخرة لجلسة يوم 24/09/2015 إجابة لطلب الدفاع .
القضية المتعلقة بأحداث سيدي علي بن عون : تمّ استكمال الأبحاث والإجراءات فيها ونشرت لدى الدائرة الجنائية الأولى بالمحكمة الابتدائية بتونس تحت عدد 30838 , بها عدد 30 متهم من بينهم عدد 21 متهم بحالة إيقاف , والقضية مؤخرة لجلسة يوم 12/10/2015 إجابة لطلب الدفاع .
القضية المتعلقة بتفجير أحد الإرهابيين لحزامه الناسف بشاطئ سوسة : تمّ استكمال الأبحاث والإجراءات فيها ونشرت القضية لدى الدائرة الجنائية الثالثة بالمحكمة الابتدائية بتونس تحت عدد 30088 , بها عدد 12 متهم من بينهم عدد 04 متهمين بحالة إيقاف , والقضية مؤخرة لجلسة يوم 24/09/2015 إجابة لطلب الدفاع .
القضية المتعلقة بمقتل عون الأمن أنيس الجلاصي : تمّ استكمال الأبحاث والإجراءات فيها ونشرت لدى الدائرة الجنائية الثانية بالمحكمة الابتدائية بتونس تحت عدد 28654 , بها عدد 75 متهم من بينهم عدد 31 متهم بحالة إيقاف , والقضية مؤخرة لجلسة يوم 23/10/2015 إستجابة لطلب الدفاع .
القضية المتعلقة بالاعتداء الواقع على منزل وزير الداخلية السابق : وهي القضية عدد 30943 تعهد بالنظر فيها عميد قضاة التحقيق وصدر قرار ختم بحث بتاريخ 14/04/2015 يقضي بإحالة عدد 58 متهم من بينهم 9 متهمين بحالة إيقاف على دائرة الاتهام بمحكمة الاستئناف بتونس التي قررت إحالتهم على الدائرة الجنائية بتونس في القضية عدد 186 بتاريخ 11/06/2015 وهي في إنتظار إستكمال الإجراءات لتوجيهها .
«أسباب البطء غير مقنعة ويمكن الاستعانة بالمتقاعدين» لئن اتفق الأستاذ ناجي البكوش مع رئيس الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان في وجود بطء بالنسبة لتعامل القضاء مع القضايا الإرهابية منذ أربع سنوات فإنه قد وصف هذا البطء بأنه يمثل إشكالا لا بد من معالجته وقال «البطء أحيانا يمكن تفسيره بان القضاء حريص على حفظ حقوق الجميع بالتعمق في الملفات ولكن يبدو أن الأمر قد أخذ منعرجا آخر وتجاوز الحد وربما سينال من ثقة الناس في القضاء ويرسخ قناعة لدى المتطاولين على الدولة أي منفذي العمليات الإرهابية ومن وراءهم بأنه لا يوجد عقاب وتكريس عقلية الإفلات منه بالنظر إلى النتائج الضئيلة التي تحققت وهو ما
يساهم في تغذية الإرهاب» وفي سؤاله عن الأسباب التي تقدمها الجهات المعنية بخصوص هذا البطء من عدم التفرغ وكثرة الملفات وغيرها علق محدثنا بالقول «هذه أسباب غير مقنعة بالمرة هناك أولويات ولا بد من إعادة النظر في التنظيم القضائي ولم لا تكثيف دور ما يسمى بالقضاء الفردي في الطور الابتدائي للقضايا الأخرى وبالتالي ربح قضاة يشتغلون على القضايا الإرهابية يتم تكوينهم
تكوينا أضافيا في كيفية التعامل مع القضايا إرهابية وهو أمر سهل وبسيط وممكن كما انه في انتظار إرساء منظومة كاملة ومتكاملة لإصلاح القضاء التي تتطلب وقتا يمكن إيجاد حلول بديلة يكفي أن تتوفر الإرادة كأن يتم الاستعانة بالقضاة المتقاعدين ذوي الخبرة العالية وذلك بسن قانون خاص بهم تتطلبه المرحلة الراهنة التي أقل ما يقال عنها أنها حساسة» وفي تعليقه عن القطب القضائي ومدى
مساهمته في حل الإشكال خاصة وأنه قد تم إلى حد الآن تخصيص 5 قضاة فقط للعمل فيه إلى جانب اثنين من مساعدي وكلاء الجمهورية «لا اعتقد أن يغير قانون الإرهاب الشيء الكثير كما أن خمسة قضاة هو عدد غير كاف بالمرة في الظرف الحالي ولا بد من البحث عن حلول عاجلة وناجعة لإنقاذ الوضع».
اعداد قسم القضاء |