تمكن مجلس الوزراء اللبناني أمس، من تمرير جلسة خالفت كل التوقعات بانفجارها، اذ نجح رئيس المجلس تمام سلام في استيعاب الصدمات الموجهة الى شخصه مثلما نجح في تفكيك شروط فرضت على الجلسة بأن تكون مخصصة فقط لبحث آلية عمل المجلس. فاذا بالمجلس يتطرق الى ملفي النفايات و«استحقاقات مالية داهمة» (يورو بوند)، وإن فشل في إيجاد مخرج ملح لموضوع النفايات وأجل البت بآلية مجلس الوزراء الى الثلثاء المقبل. وكانت الجلسة بهذا المعنى نسخة طبق الأصل عن الجلسة السابقة فلا تقدم بمقاربة موضوع الآلية التي بقيت أمام افق مسدود، والفرق الوحيد كان غياب الحدة في المواقف والاكتفاء بتبادل «اللطشات» و«الغمزات» السياسية.
وترأس سلام الجلسة في السراي الكبيرة وغاب عنها وزير الداخلية نهاد المشنوق لوجوده في باريس. واستمرت لأكثر من ثلاث ساعات، وبدأت بالموقف التقليدي لسلام بالمطالبة بـ «ضرورة انتخاب رئيس للجمهورية في أقرب وقت لاستكمال تكوين السلطة في ظل نظامنا الديموقراطي، باعتبار أن استمرار الشغور الرئاسي يجعل البلاد جسماً من دون رأس، وينعكس سلباً على عمل سائر المؤسسات الدستورية».
وحرص سلام على تقديم «الاعتذار باسمه وباسم الحكومة من الشعب اللبناني على المشهد الذي حصل في جلسة المجلس الأخيرة والذي تجاوز أصول التعامل وأعطى صورة غير مرغوبة عن مجلس الوزراء»، معتبراً ان «ما حصل صفحة طويناها»، آملاً بـ «ألا يتكرر وان يتمكن مجلس الوزراء من متابعة عمله».
وذكر سلام بـ «الاتفاق على البحث في موضوع المقاربة المعتمدة لطريقة عمل مجلس الوزراء»، معتبراً ان «المقاربة التي اتبعت والقائمة على اعتماد التوافق في ظل الشغور الرئاسي، كانت تجربة ناجحة خلال مرحلة من الوقت، ثم جرى في مرحلة لاحقة اعتماد مقاربة جديدة تقوم على ان التوافق لا يعني الإجماع اذا كان هذا الإجماع يؤدي الى تعطيل مجلس الوزراء، وان اعتراض وزير أو أكثر على أحد المواضيع لا يجوز ان يمنع المجلس من اتخاذ قرار في شأن هذا الموضوع».
وقال سلام، بحسب ما نقل عنه وزير الاعلام رمزي جريج، «ان ثمة كلاماً قيل في صدد هذه المقاربة وان رئيس الحكومة يتخلى عن بعض صلاحياته، فلم أتوقف عند هذا الكلام، باعتبار انني، في ظل الشغور الرئاسي، مؤتمن في الدرجة الأولى على المصلحة الوطنية، وحرصت على إبعاد المواضيع السياسية ذات الطابع الخلافي عن طاولة المجلس، لأن مسؤولية حلها تقع على القوى السياسية، ويجب ان يترك لمجلس الوزراء تسيير شؤون البلد والعباد، لا سيما ان هناك أموراً ملحة على الصعيد المالي والإقتصادي يجب التصدي لها من دون إبطاء».
وجرت بعد كلمة سلام «مناقشة مستفيضة لطريقة عمل مجلس الوزراء»، وقال جريج ان «كلاً من الوزراء أدلى بوجهة نظره بصدد هذه الطريقة، وبمفهوم التوافق المعتمد كمقاربة لعمل مجلس الوزراء. وتناول بعض الوزراء ملفي النفايات والاستحقاقات المالية الداهمة وجرت مناقشة في صدد هذين الملفين».
وعلمت «الحياة» ان باسيل تحدث عن حقوق المسيحيين «المهضومة والمسلوبة» وقال: «لا أفهم لماذا الاعتراض على نزولنا إلى الشارع، مع أن فريقاً كان نزل إلى الشارع عندما عين الرئيس نجيب ميقاتي رئيساً للحكومة، ونحن ننتمي إلى كتلة نيابية مسيحية وازنة وهي أكبر كتلة في البرلمان ومن غير الجائز التعامل معنا بهذه الطريقة ولا أفهم لماذا الاعتراض على حقنا الديموقراطي في التعبير عن موقفنا».
وأيد الوزيران محمد فنيش وحسين الحاج حسن (حزب الله) موقف باسيل وأكدا دعمهما له، لكن الرئيس سلام تدخل وقال: «لا اعتراض على حق أي طرف في التعبير الديموقراطي عن الرأي ولا يجوز أن نخلط بين هذا الحق وبين الأسلوب الذي اتبعه باسيل في مخاطبة رئيس الحكومة وما أعقبه من مشاهد ومواقف أساءت إلى مجلس الوزراء ولا أريد العودة إلى هذا المشهد».
ورد باسيل: «لا شيء شخصياً ضد رئيس الحكومة، وإذا كان البعض فهم ما قلته على هذا الأساس فأنا أعتذر مع أنني تحدثت في السياسة وعرضت موقف تكتل التغيير».
ورد الوزير نبيل دو فريج على قول باسيل إن الناس نزلت إلى الشارع عندما عين الرئيس نجيب ميقاتي رئيساً للحكومة، وقال: «صحيح أن الناس نزلت إلى الشارع لكن ليس لأن ميقاتي عين رئيساً للحكومة، وإنما احتجاجاً على نزول أصحاب القمصان السود الذين هددوا في حال تقررت تسمية الرئيس سعد الحريري رئيساً للحكومة وبالتالي أقحموا البلد في صراع سني - شيعي».
وأضاف دي فريج: «الجميع كان يعرف في حينها أن الحريري كان سيسمى رئيساً للحكومة إلا أن رئيس الجمهورية آنذاك ميشال سليمان اضطر إلى تأجيل الاستشارات النيابية الملزمة لتسميته لأسبوع، ما أفسح في المجال أمام تصاعد وتيرة الضغوط لمنع تسمية الحريري». وتطرق دو فريج إلى مقاربة آلية عمل مجلس الوزراء وقال: «استمعنا إلى عرض تاريخي لعمل مجلس الوزراء والمشكلة في عدد الوزراء الذين يوقعون على القرارات لتصبح نافذة باتت ثانوية أمام ما سمعناه في السابق ونسمعه الآن من وزراء تكتل التغيير والإصلاح». وسأل: «كيف يحق لفريق سياسي أن يشترط على مجلس الوزراء أنه لا يشارك في الجلسة ما لم يدرج بند التعيينات العسكرية والأمنية على جدول أعمالها، فهل هذه آلية جديدة لعمل الحكومة أم لا؟ وأود أن أسمع جواباً من رئيس الحكومة والوزراء».
ومع أن أحداً لم يجب عن سؤال فريج، فإن الأخير اعتبر أن هذا الشرط ما هو إلا بدعة جديدة، خصوصاً أن الجميع يعرف أن أي بند يطرح على طاولة مجلس الوزراء ويتعذر الاتفاق عليه واتخاذ القرار في شأنه، يصار إلى تأجيله لجلسة لاحقة، «هذه هي الآلية التي يسعى فريق معين إلى نسفها». وقال شهيب للحاج حسن: «يبدو أن الرئيس سلام يفكر في أن ينسحب إذا ما استمر تعطيل مجلس الوزراء وانعكس شللاً على عمله في ظل الظروف الصعبة التي يمر فيها البلد». فرد الأخير: «بيظهر إنو بدو يفل». درباس: الاستقالة حق وقال وزير الشؤون الاجتماعية رشيد درباس لسلام: «كنت أناقش والزميل الحاج حسن في الوضع الحكومي وفي موقفك من تعطيل مجلس الوزراء ورد علي أنك لا تستطيع الاستقالة لعدم وجود رئيس جمهورية تقدم إليه استقالتك، لكن أنا أرى أن الاستقالة حق لك ولا يستطيع أحد أن ينتزع منك هذا الحق وأقترح عليك أن تقدمها الى رب العالمين». وعلق فنيش قائلاً: «ليقدمها دولة الرئيس إلينا». وتدخل سلام وقال: «كل شيء وارد ولكل حادث حديث».
وتحدث باسيل وقال: «ما نطالب به حق من حقوقنا ونحن في كل مرة نتنازل عن حقنا وتكتل التغيير هو من يمثل الرئيس في غياب رئيس الجمهورية وهذا يستدعي التفاهم بين رئيس الحكومة والوزراء حول كل شيء تطبيقاً لنص المادة 62 (تنص على انتقال صلاحيات الرئيس بالوكالة الى مجلس الوزراء). وليس من حق أحد أن يقول لنا هذه قضية مهمة وأخرى غير مهمة ولن نوافق على البحث في أي شيء قبل حسم موضوع آلية العمل في مجلس الوزراء. ولن نسمح لأحد بأن يستخف بنا لأننا نمثل 90 في المئة من المسيحيين». حرب لباسيل: احترنا معكم وبادر الحاج حسن الى تأييد باسيل الذي رد عليه بطرس حرب بقوله: «احترنا معكم، كل ساعة بتكبروا حالكم وبتصغروا الآخرين وما هي المقاييس التي تعتمدها لتقول هذا الكلام، وعلى كل حال من يحرص على الرئيس عليه أن يسعى الى انتخابه بدلاً من أن يستثمر تعطيل الجلسات النيابية المخصصة لانتخابه».
ولفت أكرم شهيب الى الوضع الدقيق الذي يمر به البلد وقال: «نحن موجودون في منطقة خطرة والحرائق ما زالت مشتعلة في جوارنا وهذا يتطلب منا تغليب التفاهم على أي منطق آخر لا يخدم بلدنا وينعكس علينا سلباً وأن لا نستمر في تسخير الدستور وتفسير بعض بنوده على ذوقنا للخروج منه».
وحذر علي حسن خليل من خطورة تأخير الاكتتاب في سندات خزينة جديدة وقال إن «عدم الموافقة عليه سيكشف البلد و «سنتبهدل»، وكنا قلنا سابقاً ونقول اليوم إننا ضد تعطيل مجلس الوزراء أو شل الحكومة عن العمل، ونحن مع التفاهم تحت سقف الدستور من دون أي اجتهادات».
وتحدث درباس مجدداً وقال: «بما أنه لا يوجد طبيب في هذه الحكومة، أود أن أقوم مقامه لأقول إن الحكومة بالنسبة الى البلد هي مثل زجاجة الدم التي يحتاج إليها المريض ورئيسها يبدي كل حرص على أن يقطر الدم الى الجسم الحكومي وعندما تعطلون رئيس الحكومة فإن المريض سيموت حتماً، فلا ندعه يموت ومن أولى ظواهر الموت انفجار أمعاء المريض وخروج أحشائه الى الخارج كما هو حاصل الآن في البلد عندما خرجت النفايات الى الشارع».
وأكد درباس أن أحداً «لا يستطيع أن يتجاهل أو يتجاوز مكونات سياسية مثل «التيار الوطني الحر» و«المرده» و«الطاشناق» ولولا موافقتهم لما شكلت هذه الحكومة. أما عندما يأخذوننا الى التفسير الخاطئ يكونون أعادونا الى الأجواء التي كانت سائدة قبل تشكيلها وهذا معناه اننا في أزمة سياسية من دون لف أو دوران أو الحديث تارة عن النصوص الدستورية وأخرى عن مصالح المسيحيين، والجميع مع حقوقهم وهم يشكلون ضمانة لمسيحيي الشرق وعلينا سحب مثل هذه المواقف من التداول لأن إذا بقي الوضع على هذه الحال فمن الأفضل يا دولة الرئيس أن تقدم استقالتك». ريفي: للتحلي بالمسؤولية وطرح وزير العدل أشرف ريفي ضرورة الموافقة على طلب وزير المال لجهة إجازة الاكتتاب في سندات خزينة جديدة لأن هناك ضرورة ملحة لها. لكن باسيل والحاج حسن لم يوافقا وعاد الى مخاطبة المعترضين بقوله: «علينا أن نعتبر ما يطالب به الوزير بمثابة صرخة لمصلحة الوطن ولا تهمه شخصياً وعلينا أن نتحلى بالمسؤولية لأن لا علاقة لطلبه بآلية العمل في مجلس الوزراء».
ثم رد ريفي على اتهام باسيل بان هناك من يريد تهميش «التيار الوطني الحر» وعدم احترام وزنه نيابياً ومسيحياً وقال: «كنت أرغب في عدم الرد على ما سمعته لأنني لست راغباً في نكء جراح قديمة، إنما كان الأجدر به أن يحترم الشراكة الوطنية والأوزان السياسية عندما شارك في حكومة الرئيس ميقاتي بعد إطاحة الرئيس سعد الحريري مع أن الجميع يعترف بحجمه السياسي ووزنه النيابي». وتوجه الى باسيل: «لا تنهَ عن خلق وتأتي مثله، عار عليك إذا فعلت عظيم». ورد باسيل: «شاركنا فيها لمرة واحدة، في إشارة الى استبعاد الحريري، بينما أنتم شاركتم فيها منذ 2005 حتى الآن».
وطلب وزير البيئة محمد المشنوق إعلان حال طوارئ بيئية، فرد عليه باسيل والحاج حسن بأن هناك قرارات متخذة في مجلس الوزراء «اذهبوا ونفذوها».
وبعد الجلسة، أوضح المشنوق ان «مجلس الوزراء يؤكد ضرورة وجود مطامر لمنطقة بيروت وضواحيها في كل منطقة من لبنان وفي كل قضاء»، وقال: «نحن في حاجة الى آلية كاملة لنقل النفايات الى مطامر موقتة، ونطلب مؤازرة القوى الأمنية والبلديات والجهات المعنية لمتابعة الأمر». ولفت الى «وجود مخطط عن كل المناطق التي يمكنها مساعدتنا في نقل النفايات وسنلجأ الى كل منطقة تستطيع المساعدة وهي بوارد أن تتعاون معنا». وقال انه «بعد 15 يوماً ستتولى شركات موضوع النفايات في كل المناطق، والموضوع قيد المعالجة».
ولاحقاً، ثمن باسيل في مؤتمر صحافي عقده في الوزارة بعد جلسة مجلس الوزراء «الكلام المسؤول من رئيس الحكومة (تمام سلام)»، وقال: «نقدر موقفه، خصوصاً أن هناك نية لفتح صفحة جديدة، ونؤكد أن الصفحة الجديدة ليست شخصية مع الرئيس سلام بالنسبة إلينا، فالممارسة قائمة على التوافق».
وتوجه باسيل «إلى جميع اللبنانيين بالاعتذار عن أداء الحكومة». وأعلن أننا «نمثل الرئيس ولو جزئياً، لذلك نحن مؤتمنون على صلاحيته في ظل غيابه»، وقال: «إذا لم نتوافق على تعيين أمني نقوم بمخالفات قانونية من قبل وزير، فهذا هو التعطيل». وأكد: «إننا لا ندافع عن الجنرال عون فقط بل ندافع عن جعجع وفرنجية، فنحن لن نسمح بوضع فيتو على الأربعة الذين يمثلون المسيحيين وأن يمنعوا من الوصول إلى الرئاسة». وأمل في «أن نذهب إلى تطبيق الدستور والقانون، خصوصاً في ملف التعيينات». |